خبر الفلسطينيون يدفعون ثمن خلافات قياداتهم في غزة ولبنان .. ماجد كيالي

الساعة 10:45 ص|29 يونيو 2010

بقلم: ماجد كيالي

ملفات عديدة ومعقدة تواجه حالياً الساحة الفلسطينية، من ضمنها: استمرار الاستيطان في الضفة، ومحاولات تهويد القدس، وحصار غزة، وانقسام كيانها السياسي، وهبوط فاعلية حركتها الوطنية.

لكن المعضلة الأساسية لهذه الساحة تتعلق، أيضا، بتخلّف إدارتها، وتنابذ قواها، وغياب الاجماعات السياسية فيها، ما يفسر حال الاضطراب في السياسات التي تنتهجها قياداتها المعنية (في السلطتين، والحركتين السائدتين «فتح» و»حماس») في مواجهتها للاستحقاقات المذكورة.

ففي قضية حصار غزة، مثلا، تشدّد «حماس» على إنهاء الحصار، بتلبية حاجات الناس المعيشية، وأيضاً بفتح المعابر الحدودية مع مصر ومن البحر، ما يفيد تثبيت الاعتراف بكيانها وتعزيز سلطتها، ولو بثمن الوحدة الإقليمية للأراضي المحتلة (بحسب السلطة). أما بالنسبة الى السلطة في الضفة (وحركة «فتح»)، التي لم تبد اهتماماً مناسباً بهذه القضية (بدعوى أنها ترسل الى غزة معظم حاجتها من مؤن وموازنات ومرتبات وأن الباقي تتكفل به أنفاق رفح)، فبدت وكأنها أخذت على حين غرّة، حين بدأ الحصار يتفكك، بمنأى عن أي جهد منها، ما حسبته بعض أطرافها انجازاً لصالح سلطة «حماس»، على حسابها!

بالمحصلة فإن هذا الخلاف، المدعّم بغياب المؤسسات التشريعية، وتدنّي مستوى الإحساس بالمسؤولية الوطنية، يستنزف قوى الفلسطينيين ويبدد قدرتهم على استثمار التعاطف الدولي معهم، حتى على مستوى رفع الحصار عن غزة.

واضح أن إسرائيل تعمل، كعادتها، على إفراغ عملية رفع الحصار من مضامينها، وتحويلها إلى شرك جديد للفلسطينيين، بتكريس فصل القطاع عن الضفة (لتحكمها بـ «الممر» بينهما)، وبتحويل غزة إلى معضلة لمصر والسلطة. وثمة مخططات إسرائيلية تتضمن رفع الحصار عن غزة، من البحر ومن معبر رفح، وتمكين الحركة التجارية، مقابل إغلاق إسرائيل حدودها مع القطاع تماماً، وإخلاء مسؤوليتها عنه نهائياً (حتى بقطع الكهرباء والماء والغاز والمحروقات)، بحيث يتم تحويل غزة إلى مشكلة مصرية، وإلى قضية خلافية فلسطينية - مصرية.

وعلى الصعيد الفلسطيني، تتوخّى إسرائيل من رفعها الحصار (بالشكل الذي تريده) تكريس انقسام الكيان الفلسطيني، وإشغال الفلسطينيين بالشقاق بينهم، لاستنزافهم واحباطهم، وتقويض صدقية قضيتهم، وإظهار عدم أهليتهم لإدارة أوضاعهم أمام العالم، ما يتيح لها التملص من ضغوط عملية التسوية.

بديهي ان تفويت هذه الاستهدافات يفترض بالقيادات الفلسطينية (المختلفة) التحلي باليقظة ووحدة الموقف، وربط رفع الحصار بإنهاء الاحتلال، وبتعزيز التواصل بين غزة والضفة أيضاً، من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بدلا من الاستغراق في الخلافات في ما بينها وبالمكانة السلطوية (ومثال ذلك تقييد حرية هذا القيادي أو ذاك في الضفة وغزة). أما الإخفاق في ذلك، بالنسبة الى الفلسطينيين، فهو يعني تفتيت كيانهم السياسي، والإسهام بتقويض وحدتهم كشعب، إضافة الى انه يعني استمرار الحصار والاحتلال في شكل أو في أخر.

مثال آخر على حال الاضطراب والتخبط لدى القيادات الفلسطينية السائدة يمكن معاينته في ملف الحقوق المدنية لفلسطينيي لبنان. ففي هذا الملف الإنساني يبدو أن هذه القيادات لم تستنبط الدروس الناجمة عن تجاربها السابقة، لا سيما لجهة المبالغة في تغليب السياسي على الانساني في العمل الفلسطيني، بدليل ان هذه القيادات لم تشتغل على طرح الحقوق المدنية للاجئين في لبنان إبان وجودها المقرّر فيه (في السبعينات). وحالياً لا يبدو ان القيادة في الضفة (وهي ذاتها قيادة «فتح» والمنظمة) مبالية بأوضاع اللاجئين للدرجة اللازمة، بحكم تركيزها على كيان السلطة.

وباستثناء نشاط سفيريها في لبنان (عباس زكي سابقاً وعبدالله عبدالله حالياً)، فهذه السلطة تكتفي بإبداء دعمها سيادة الدولة اللبنانية على كامل اراضيها (وضمنها المخيمات)، ورفض التوطين. في مقابلها ثمة أطراف أخرى في القيادة (المعارضة) تربط ملف سلاح المخيمات بملف الحقوق المدنية للاجئين حيناً، وبالأوضاع الإقليمية حيناً آخر. وفي الحالين فإن الفلسطينيين اللاجئين في لبنان يدفعون من معاناتهم وعذاباتهم، جراء تضارب مواقف قياداتهم، وتوظيفاتها السياسية المتباينة. ولعل هذا التضارب هو احد العوامل التي تشجع بعض الأطراف اللبنانية على معارضة منح الفلسطينيين حقوقهم المدنية، بدعوى رفض التوطين حيناً، والخوف من الوجود الفلسطيني المسلح حيناً آخر.

وإذا كانت عملية ربط سلاح مخيمات لبنان بمسألة الحقوق المدنية للاجئين فيه مضرة وغير مفيدة، وتخدم توظيفات أخرى، لا سيما بعد أن انتفى المبرر الحقيقي لهذا السلاح (مقاومة إسرائيل)، فإن مجرد رفض التوطين، والاعتراف بحق لبنان في فرض سيادته على أراضيه، على أهميتهما لا تكفيان أيضاً. وربما أن المطلوب من القيادة الفلسطينية الرسمية، لطمأنة كل الأطراف اللبنانية، إيجاد الصيغ والأطر (السياسية والقانونية) التي تضمن لها توثيق علاقتها بفلسطينيي لبنان، وتعزيز اهتمامها بأوضاعهم الإنسانية والمعيشية، بعيداً من التوظيفات السياسية. وبديهي أن ذلك يتطلب أساساً استنهاض وتفعيل دور منظمة التحرير، باعتبارها الكيان المعنوي الموحد والممثل لكل الفلسطينيين، وإيجاد الصيغ التي تربط الكيان الفلسطيني باللاجئين في لبنان، بمختلف الأشكال والأطر، وضمنها ربما ترجمة تبعيتهم للمواطنة الفلسطينية، مع الاحتفاظ بمكانتهم كلاجئين.

وحقيقة الأمر، ومع أن وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هو الاشد بؤساً، أن اللاجئين الفلسطينيين، في كافة أماكن تواجدهم، باتوا من دون مرجعية سياسية، ومن دون أفق سياسي، مع تهميش منظمة التحرير، وتحول الثقل إلى السلطة في الضفة وغزة (من قبل «فتح» و»حماس»)، مع تجاهل حقوقهم الوطنية والإنسانية، بحصر العملية السياسية الجارية بإقامة دولة في الضفة والقطاع.

في ظل هذه الأوضاع محظور على القيادات أن تدير ظهرها لمعاناة وحاجات اللاجئين في الخارج، لانشغالها بالسلطة في الداخل، لأن ذلك يهدد مكانتها التمثيلية، ويحرمها من جزء حيوي من مجالها الاجتماعي، فضلا عن انه يقوض مفهوم الشعب الفلسطيني. وهذه القيادات معنية، مثلا، بالسؤال عن مغزى معاملة اللاجئين الفلسطينيين بطريقة دونية، في شأن وثائق السفر وحاجات العمل والدراسة والتملك والتنقل، ومغزى استثناء الفلسطينيين من حملة الوثائق من اتفاقات إلغاء تأشيرات السفر بين هذا البلد أو ذاك؟

فإذا كانت هذه القيادات لا تستطيع شيئاً في مقاومة إسرائيل، ولا تشتغل على بناء مجالها الاجتماعي، ولا على معالجة شؤون الفلسطينيين، فما الذي تعمله حقاً؟ والسؤال الأهم، إذا كانت مكانة اللاجئين بحاجة لدولة ناجزة، وإذا كانت قضيتهم مرتبطة بانتهاء الصراع مع إسرائيل، فكم من العقود ستنتظر حقوقهم الإنسانية يا ترى؟