خبر يريدون قوة ويحدثون فساداً.. يديعوت

الساعة 08:54 ص|28 يونيو 2010

بقلم: ناحوم برنيع

في درس المواطنة التالي سنتعلم يا سادتي عن القوة والفساد. "القوة مفسدة"، كتب المؤرخ البريطاني اللورد اكتون، "والقوة المطلقة مفسدة على نحو مطلق". كان على حق، بطبيعة الأمر، كما تعلمنا مرة بعد أخرى في دروس التاريخ. لكن ما الذي يحدث عندما لا توجد قوة حقيقية، بل وهم قوة فقط، وطموح وسواسي فقط لأناس الى القوة. أفتكون القوة آنذاك أيضا مفسدة؟ لنبدأ يا سادتي بعدد من الأمثلة.

في يوم الجمعة نشر في ملحق صحيفة "هآرتس" مقابلة صحفية لغادي فايس مع مئير جلبوع، الذي كان مستشار مراقب الدولة لمكافحة الفساد. يتحدث جلبوع الذي كان ضابط شرطة في الماضي كيف قبل للعمل مع المراقب. إن صحفيا معروفا، ونجما في التلفاز التربوي، وأحد معارفه حادثه هاتفيا واقترح العمل عليه.

يتحدث بصراحة، وأفترض انه يفعل ذلك باستقامة ايضا، عن علاقاته بصحفيين معينين على السنين، في عمله في الشرطة، وسلطة القيود الاعمالية ومكتب مراقب الدولة. قدموا شكاوى وحققها. وقد تدخلوا في التحقيق واستعملوا ضغطا كثيفا على المسؤولين عنه ليفعلوا كذا ويفعلوا كذا، وهو سلمهم مواد للنشر. اذا كانت التحقيقات (وهو لا يقول ذلك بطبيعة الأمر) قد نضجت لتصبح لوائح اتهام، فقد جعلته بطل الأمة. واذا لم تنضج فقد جعلته ضحية.

دارت مواجهته مع لندنشتراوس، على حسب روايته، على وسائل الاعلام في الاساس. أراد المراقب عناوين صحفية على أكبر قدر ممكن. واعتقد جلبوع أنه يبالغ. "كانت مرات كثيرة قال لي فيها المراقب نفسه، هلم ننشر هذا وذاك، لم نكن منذ زمن في وسائل الاعلام. والزمن الطويل يعني اسبوعين او ثلاثة لا أكثر، أو اربعة في الحد الاقصى. قلت إن هذا لا داعي اليه الان.

"إن انشغاله بملفات نصوص الصحف التي ذكر فيها قضية أخرى. أعتقد أن هذا يعبر عن انشغال مفرط كيف يظهر في الجمهور. وسائل الاعلام مهمة جدا ولا بديل منها، وهذا مؤكد بالنسبة لجهة لا تملك قوة، لكن يوجد فرق عميق بين تعاون يرمي الى محاربة الفساد وبين انشغال وسواسي للمراقب بصورته الاعلامية".

ولن نتحدث عن انشغال جلبوع الوسواسي باحتياله الاعلامي. بحسب شهادة المراسل، وافق جلبوع على اجراء المقابلة الصحفية وألغى ذلك بعد ذلك ثم وافق ثم ألغى. وكانت القشة التي كسرت ظهره مكالمة هاتفية مع قائد الشرطة المتقاعد يعقوب بروفسكي، صديق المراقب. "اقترح علي أن أهتم بألا تنشر المقابلة مقابل اعلان للصحف ينشره مكتب المراقب وفيه مدح لعمله. قلت له انني لن اكتفي بأقل من رسالة اعتذار شخصي من المراقب. لم يكن لهذا الاقتراح استمرارية".

الحقيقة أنها كان لها استمرارية وتلك مقابلة يتهم فيها جلبوع لندنشتراوس بالتغطية على الفساد. وهذا يدلنا على مبلغ ضآلة البعد بين اتهام علني بالفساد والصمت. رسالة واحدة ليصبح كل شيء على ما يرام.

جلبوع هو شخص نظيف ولا سبب يدعو الى اعتقاد مختلف. لكن أشك في أنه يفهم طبيعة البيئة التي رعته، وهيأت له عملا ورفعته مكانا عليا. إنها بيئة فاسدة. إنها فاسدة ماليا في الحواشي لكن ليس هذا هو الاساس. انها قبل كل شيء مصابة بطموح وسواسي مفسد مشوه وانفعالي أحيانا الى القوة. هذا هو الجنون وهو معد. انه في السنين الاخيرة يشظي المجتمع الاسرائيلي كله.

كلهم مجرمون، ما عداهم ومن ينفذون أوامرهم وأصحاب الأموال الذين ينفقون عليهم. ان يوفال شتاينتس، وهو أصغر الشريهين في الحكومة، قد أصبح فجأة مجرما، وشلوم سمحون، وداليا ايتسك، ولندنشتراوس، الذين ما ظل يغذيهم بالمواد ويستأجر من يوصون به للعمل، كان قديسيا لكنه أصبح الان مجرما ايضا.

في الاسبوع الماضي عقد مؤتمر في جامعة حيفا خصص للفساد. كان احد المشاركين المحامي يهوشع رزنك، الذي كان مدعيا عاما في محاكمة درعي. نسخت أقواله من موقع "العين السابعة".

"إن استعمال وسائل الاعلام اليوم يبلغ حد الفضيحة حقا. صحيح يوجد محامون يستعملون وسائل الاعلام، ويسربون مواد الى وسائل الاعلام، لكن الاستعمال الذي تستعمله اليوم عناصر تطبيق القانون بارز حقا"، قال. وقد أتى رزنك بمثال على ذلك بقضية هولي لاند. "يجد أناس أنفسهم في الصفحات الاولى بغير حق، لكن وسائل الاعلام قد فعلت فعلها. ان استعمال وسائل الاعلام يجر المحكمة. إن ذلك القاضي الذي يطلب اليه أن يبت أمر الاعتقالات يقرر أن هذه هي قضية الفساد الاخطر في تاريخ دولة اسرائيل. أهذه ديمقراطية؟ هذا ببساطة وطء لأهم قانون أساسي في دولتنا الديمقراطية ألا وهو كرامة الانسان".