خبر هنية: مواجهة إسرائيل مسئولية الأمة وليس تركيا وحدها

الساعة 07:55 م|26 يونيو 2010

هنية: مواجهة إسرائيل مسئولية الأمة وليس تركيا وحدها 

حوار/ عبد الله المرزوقي

رغمَ المجزرة الإسرائيلية التي تعرضت لها سفن "أسطول الحرية" التي كانت تنقل مساعدات إنسانية لكسر الحصار عن قطاع غزة، مما حال دون وصولها إلى القطاع المحاصر، إلا أن رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية ما زال عند يقينه بأن "الحصار في الربع ساعة الأخير من عمره"، مرجِعًا ذلك إلى أن كسر الحصار أصبح رغبة شعبية دولية، ولم يعُدْ بمقدور الأطراف التي تورطت في فرضه أن تستمرّ في ذلك، بل إن سلطات الاحتلال ذاتها أصبحت في وضع صعب، مما يجعل من التعامل بإيجابية مع الحصار أحد البدائل المتاحة أمامها.

 

هنيَّة شدد، في حوار شامل مع شبكة "الإسلام اليوم"، على أن حكومته لن تدفع أي ثمن سياسي مقابل إنهاء الحصار، مشيرًا إلى أن هناك جهات كثيرة لم تكن ترغب بهذه النهاية، وإنما أرادت من الحصار تحقيق أهداف سياسية، أبرزها إضعاف شعبية الحكومة ورضوخها لشروط الاعتراف بالاحتلال ونبذ المقاومة والإقرار بالاتفاقيات الظالمة، غير أن هذا كله فشل.

 

ورغم إشادة رئيس الوزراء الفلسطيني بمواقف تركيا ورئيس وزرائها رجب طيب أردوغان، إلا أنه رفض تحميلها وحدها مسئولية كبح جماح الاحتلال، مشددًا على أن ذلك مسئولية الأمة بأكملها، فإسرائيل تمثل مشروعًا احتلاليًّا تقف خلفه دول عظمى تمده بالمال والسلاح والدعم السياسي؛ وبالتالي نحتاج إلى تكاتف القوى عربيًّا وإسلاميًّا ليس فقط لكبح جماحه وإنما لإنهائه واسترجاع فلسطين والقدس.

 

وطرح هنية معادلة للعلاقة بين الأمة والفلسطينيين مفادها: "أن لنا على شعوب الأمة وحكوماتها النصرة والدعم، وحقهم علينا الصمود"، مؤكدًا أن فلسطين ليست ملكًا لساكنيها فحسب وإنما هي ملك للأمة ولأجيالها القادمة، مما يجعل التحرير مسئولية الجميع كل حسب دورِه وواجبِه.

 

الحوار مع هنية تطرَّق لموضوعات وقضايا أخرى، فإلى تفاصيل الحوار:

 

قوافل كسر الحصار المفروض على قطاع غزة عديدة، فلماذا أقدمت قوات الاحتلال على التعامل بكل هذا العنف مع قافلة "أسطول الحرية"؟

 

لا شك أن قوافل كسر الحصار البرية والبحرية التي وصلت إلى غزة أو التي لم تصل ومنعها الاحتلال ساهمت فيما وصلنا إليه، فهي عملية متدحرجة راكمت هذا الفعل، ولكن هذه القافلة تميَّزت بعدة أمور:

 

- أولًا: ارتكاب الاحتلال جريمة في المياه الدولية والدماء التي سالت بفعل اعتداء الاحتلال على هذه القافلة.

 

- ثانيًا: هذه القافلة هي الأكبر، وكانت تحمل موادًّا أساسية يحتاجها الشعب الفلسطيني وتؤثر على استمرارية الحصار مثل الإسمنت والحديد، ويمكن أن تشكل نقلةً حقيقية تكسر الحصار ولو جزئيًّا عن القطاع.

 

- ثالثا: هذه القافلة مثّلت إرادة شعبية دولية باتجاه كسر الحصار؛ بحيث ضمت ممثلين عن نحو خمسين دولة مما عبر عن رفض واسع للحصار وحالة من الغضب في الدول التي انطلق منها المتضامنون بفعل التصرف الهمجي للاحتلال.

 

- رابعًا: واكب هذا الغضب الجماهيري موقف رسمي من تركيا يتقاطع مع الرغبة الشعبية العارمة لإنهاء الحصار عن غزة، ويعبِّر عن إرادة الجماهير في المنطقة والعالم؛ وبالتالي انتقلت حركة الفعل من تضامن شعبي إلى الموقف السياسي الرسمي لدولة تمتلك تأثيرًا حقيقيًّا في المنطقة ولها حضورها الدولي.

 

مسئوليَّة الأمَّة

 

إلى أيّ مدى ترى قدرة الحكومة التركية على كبح جماح العدو الصهيوني؟

 

نحن نقدِّر الدور التركي بشكل كبير؛ وخاصة المواقف الأصيلة التي يعبر عنها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان سواء في دافوس أو بعد إهانة السفير التركي في "إسرائيل" ثم مواقفه التي عبَّر عنها في خطابه بعد الهجوم الإرهابي على قافلة الحرية، والتي تشير إلى رغبة حقيقية في تبني القضايا العادلة للمنطقة وخاصة قضية فلسطين ورفع الحصار عن غزة، ولا شك أن شهداء القافلة الذين اصطفاهم الله من بين الأخوة الأتراك تركوا غضبًا عارمًا على الصعيد التركي والإسلامي يمهِّد لمرحلة جديدة في العلاقة ما بين تركيا والاحتلال الإسرائيلي.

 

أما كبحُ جِمَاح العدو الصهيوني فهو أمرٌ يحتاج إلى قوى الأمة مجتمعة، وكل خطوة مهمة سواء من تركيا أو غيرها لكن العدو الصهيوني يمثِّل مشروعًا احتلاليًّا في المنطقة تقف خلفَه دول عظمى تمدُّه بالمال والسلاح والدعم السياسي؛ وبالتالي نحتاج إلى تكاتف القوى عربيًّا وإسلاميًّا ليس فقط لكبح جماحه، وإنما لوضع حدّ لهذا الاحتلال ولإنهائه واسترجاع أرض فلسطين والقدس المباركة أولى القبلتين ومسرى النبي محمد عليه الصلاة والسلام.

 

إسرائيل تقول إنها ستدخل معونات "أسطول الحرية" إلى غزة، فما موقفكم من هذا؟

 

القضية بالأساس لم تكن المساعدات رغم أهميتها وحاجة الشعب الفلسطيني لها، ولكنها موضوع الحصار الذي يتطلب الإنهاء بالكامل، ومن هنا نحن رفضنا تجزئة القضية وتحويلها إلى قضية إنسانية فحسب، وإنما هي سياسية إنسانية بامتياز، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية لقد غُمست هذه المساعدات بالدم الطاهر الذي سال بفعل الجرم الصهيوني، ومن حقّ أصحابها ومَن جاءوا بها أن يحدّدوا كيفية وصولها من عدمه وآلية التعامل مع هذه المساعدات، فهي ليست ملكًا للاحتلال ليقرر كيفية التعامل معها، ونحن ربطنا استلام المساعدات بالإفراج عن كل أعضاء القافلة وبالقرار التركي ومنظمي القافلة من الأخوة العرب والمسلمين وأحرار العالم، وبإدخالها كلها.

 

استثمارٌ إيجابيّ

 

أحداث أسطول الحرية شكلت انطلاقة حقيقية نحو تعرية تكتم الإعلام العالمي إزاء الجرائم الصهيونية؟ فكيف يمكن استثمار الحدث بشكل إيجابي للتعريف بالقضية الفلسطينية؟

 

الإعلام العالمي بين عدة أمور: الأول هو إعلام مضلّل يتعرَّض للدعاية الصهيونية ويتأثر بها، وما حدث فرصة حقيقية لكشف زيف الدعاية الصهيونية وفضحها وإيضاح حقائق الأمور لهذا الإعلام المضلِّل، ولكن هناك إعلام بالكامل يعمل لصالح الفكرة الصهيونية ومملوك لها، وإن كان يرفع شعارات الاستقلال والحيادية، ولكنه ليس كذلك وهو ما حاول اختلاق تفسيرات واهية لما حدث، وهذا الإعلام سقط في هذه الحادثة وتم تعريتُه أمام الجماهير التي بدأت تعرف الوجه الحقيقي للاحتلال وأعوانه، كذلك هناك إعلام مشتّت يَحار بين تضارب المعلومات من هنا وهناك، وما حدث فرصة ليحسم موقفه.

 

وبالمحصلة ساهم ما حدث في فضح الاحتلال وإعلامه وروايته، وأعطى الفرصة ليعرف العالم من الضحية ومن الجلاد، ويجب استثمار هذه الحالة بمزيد من التحرك الإعلامي لتعزيز الصورة النمطية التي بدأت بالتشكل لدى الإعلام المستقِلّ والمواطنين البسطاء في الدول الغربية.

 

ذكرتم أن الردّ العملي على هذه الجريمة لا يمكن أن يكون حبيس التنديدات، وإنما يكمن في رفع الحصار عن قطاع غزة، فعلى مَن تقع مسئولية تأخير رفع الحصار؟

 

بالتأكيد إن ما كان من واقع قبل الهجوم على قافلة الحرية ليس كما بعده، هذه لحظة فارقة بين عهدين، لقد بدأ الحصار يتهاوى، وكلما استقبلنا وفدًا وقافلة جديدة من أمتنا ومن الشعوب المحبة لنا ينهار جزءٌ جديد من جدار الحصار، ونعمل الآن على تعزيز هذا الواقع وإنهاء الحصار بالكامل باعتباره الردّ الحقيقي على ما جرى من جريمة جبانة، والاتصالات السياسية والوقائع تؤكد أننا في الربع ساعة الأخيرة من إنهاء الحصار.

 

ولا شك أن هناك جهات كثيرة لم تكن ترغب بهذه النهاية وإنما أرادت من الحصار تحقيق أهداف سياسية كانت هي السبب بالأساس وراء الحصار، وهي إما رضوخ الحكومة لشروط فكّ الحصار من اعتراف بالاحتلال ونبذ للمقاومة والإقرار بالاتفاقات الظالمة، أو إضعاف شعبية الحكومة وفضّ المواطنين من حولها وإسقاطها بالوسائل المصاحبة من حرب عدوانية وفوضى أمنيَّة، غير أن هذا كله فشل ولن يكون هناك أي ثمن سياسي مقابل رفع الحصار.

 

نهايةٌ وَشِيكَة

 

على أي معطيات تعتمدون في قولكم إن الحصار في الربع ساعة الأخير؟

 

الكثير من المعطيات السياسية والميدانية تشير إلى أن الحصار بات بالفعل في الربع ساعة الأخيرة، ومن أهم هذه المؤشرات ما حدث بعد الجريمة بحق أسطول الحرية من تبنٍّ لموضوع الحصار من قِبل الفعاليات الجماهيرية والشعبية والرسمية بقوة، وطرح هذا الموضوع في النقاش الدولي -باعتبار استمراره- يعني المزيد من التحدي والتصدي من قبل الإرادة الشعبية والدولية، فضلا عن دخول دول مؤثرة في هذا الحراك مثل تركيا، وتصميم الكثيرين على إرسال المزيد من الأساطيل والقوافل.

 

إلى جانب ذلك فإن الاحتلال بات في واقع صعب إعلاميًّا وسياسيًّا بفعل تداعيات جريمة البحر ويريد الخروج من هذه الأزمة بأقلّ قدر من الخسائر، ولا شك أن لا أحدًا يرغب بالمثول أمام محاكم دولية، وبالتالي البدائل أمام الاحتلال للخروج من هذه الأزمة هي بعض الايجابية تجاه الحصار، ولا يقلّ أهمية عن ذلك موقف القادة الغربيين الذين لم يجدوا ما يبرِّرون به استمرار الحصار أمام شعوبهم في ظل الوقائع الأخيرة.

 

هل بدأ صبرُكم ينفدُ من الحصار أم أن الحصار بدأ ينفد من صبركم؟

 

لقد أثبت الشعب الفلسطيني عظمته أمام حالة الحصار التي مرَّ بها من خلال صبر أسطوري وصمود يستحقان التأريخ في ظل العدوان الشامل عسكريًّا وتآمر داخلي، وهذا الصبر والصمود أحد أهم أسباب الشرخ الكبير الحاصل في جدار الحصار، وكما قلنا إنها عملية متراكمة كل الأسباب أدت إليها.

 

الحصار ماركة مسجلة باسم غزة، فما الأسرار التي جعلت من الحرب عليكم عامل قوة وتمكين وانتشار؟

 

من أهم أسرار الصمود هو الصدق مع الله والصدق مع الذات، فهو القائل جل في علاه: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر" ومنا من هو حي يُرزق ومنا من أكرمه الله بالشهادة.

 

والحصار جزءٌ من الحرب المفتوحة على شعبنا الفلسطيني منذ بداية الاحتلال وهو أسلوب قديم جديد في آنٍ، ومع ذلك لا يمكن أن يفتَّ من عضد الشعب الفلسطيني وصموده، ولقد صبر شعبنا رغم عدم توفُّر الوقود للسيارات وتوقف حركة السير بشكل شبه تام، وعدم وصول الدواء والغذاء، وكان الموقف هو أننا لن نبيع القدس بالطعام والوقود، واليوم نقول ومعنا شعبنا: لن تسقط القلاع ولن ينتزعوا منا المواقف.

 

استراتيجيَّة حماس

 

ماذا عن استراتيجية حماس بعد رفع الحصار إن شاء الله؟

 

حماس حركة تحرُّر وطني جاءت لتحقيق ما تستطيع من طموح الشعب الفلسطيني، ولكن وفق أولويات وقدرات متاحة ومتوفِّرة، وبالتالي دورنا يتحرك في إطار محورين أساسيين: الأول استكمال مشروع التحرُّر واستعادة الأرض الفلسطينية وما يواكب ذلك من جهاد ونضال في كل المستويات، ميدانية وسياسية وإعلامية وثقافية واجتماعية، حيث نعمل لتوفير عوامل الصمود ولتحقيق التقدم السياسي وتعرية الاحتلال وتعزيز الانتماء.

 

ويترافق مع هذا الأمر بناء المؤسسة الفلسطينية وعملية الإصلاح المتواصلة التي بدأتها الحكومة في القطاع العام، ومن أهم الأولويات التي تتحرك الحكومة لتحقيقها تأمين إعادة الإعمار لما هدمه الاحتلال في الحرب العدوانية على القطاع، وبناء البنية التحتية اللازمة في الضفة والقطاع لتأمين حياة كريمة للمواطن الفلسطيني.

 

أين ستكون حماس في عام 2030؟

 

في فلسطين، حماس جزءٌ لا يتجزَّأ من النسيج الفلسطيني كنا ولا نزال وسنبقى بإذن الله في الموضع الذي يختاره الله لنا، بدأنا حركة مقاومة وحركة تحرُّر وطني وسنبقى إلى أن يكتب لنا الله نصرًا مؤزَّرًا ولن نتخلى عن واجبنا تجاه شعبنا وأمتنا، ولكن السؤال هل سيبقى الاحتلال حتى العام 2030، نسأل الله أن يزول عن أرضنا وينتهي إلى زوال واندثار، فمبشِّرات النصر كثيرة ومتلاحقة، والعمل بهذه الإرادة الصلبة لشعبنا، والمؤمنة بوعد الله بالنصر سيتبعها تحقيق هذا الوعد الإلهي.

 

النُّصرة مقابل الصمُود

 

ماذا تنتظرون من الحكومات والشعوب العربية والإسلامية؟

 

إن لنا على شعوب الأمة وحكوماتها النصرة، فحقهم علينا الصمود وحقنا عليهم النصرة والدعم، ففلسطين ليست ملكًا لساكنيها فحسب، وإنما هي ملك للأمة ولأجيالها القادمة، وواجب الدفاع وحماية فلسطين والأقصى هو واجب كل الأمة، ونعتقد أن التحرير هو مسئولية الجميع، كل حسب دوره وواجبه، ونريد من الأمة دعم صمود الشعب الميداني والسياسي واستمرار التواصل، لتعزيز العمق العربي والإسلامي باعتباره العمق الاستراتيجي لشعبنا المقاوم.

 

موقع "الإسلام اليوم" ومنتدياته وزواره ينتظرون دورهم في نصرة القضية، فبماذا توجهونهم؟

 

- أولا: نُعرب عن تقديرنا العميق لهذا الموقع الذي يساهم في بناء الشخصية المسلمة بسمتها النقي الطاهر الذي غرسه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ونسأل الله عز وجل أن يكون في ميزان حسناتكم وأن ينفع بكم الأمة.

 

- ثانيًا: نأمل منكم الدعاء الدائم لشعبنا ولأمتنا، والعمل على نقل ما يجري في فلسطين من وقائع بصدق إلى الناس كافة لتساهموا معنا في فضح جرائم الاحتلال ونقل صمود شعبنا ومعاناته، ونقل آلامه وآماله، وتثبيت الأمة ورفع معنوياتها وثقتها بالنصر، وتعزيز ثقافة المقاومة في وقت يحاول الإعلام المضاد نشر ثقافة الهزيمة وثقافة الخنوع، ولا بدّ أن يواجَه هذا بإعلام شامل يحمل الأخلاق والمصداقية وتبني القِيم المفقودة في بعض وسائل الإعلام الفاسدة التي تورث الرعونة وتهدم الشخصية المسلمة عبر محاولة التغريب ونقل العادات المتناقضة مع تعاليم ديننا وصفات الشخصية المسلمة.

 

- ثالثًا: مقاومة ثقافة الهزيمة وزرع ثقافة الصمود في الأمة التي تمتلك كل المقومات التي من شأنها أن تعيدَنا إلى ريادة هذا العالم وقيادته نحو النور الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بلا إفراط أو تفريط وبلا غلوّ أو تطرُّف وإنما وسطية حنيفيَّة.