خبر فلسطينيو الـ 48 ومخاطر « اللعبة الجديدة »

الساعة 04:57 م|26 يونيو 2010

فلسطينيو الـ 48 ومخاطر "اللعبة الجديدة"

فلسطين اليوم: وكالات *

 

من المنطقي التقدير بأن مشاركة بعض فلسطينيي، 1948 بمن فيهم رئيس الجناح الشمالي في الحركة الإسلامية الشيخ رائد صلاح، ورئيس لجنة المتابعة العربية العليا محمد زيدان، والنائبة عن "التجمع الوطني الديمقراطي" في الكنيست حنين الزعبي، ورئيس الجناح الجنوبي في الحركة الإسلامية الشيخ حماد دعيبس، والناشطة في منظمة "غزة حرة" لبنى مصاروة، في "أسطول الحرية" الذي تعرض لمجزرة "إسرائيلية" في المياه الدولية، ساهمت في رفع منسوب العنصرية والتطرف اليهوديين ضد قيادات الأحزاب والقوى العربية، وأبناء الأقلية الفلسطينية الذين يحملون الجنسية "الإسرائيلية" عموماً.

 

سلّطت هذه المشاركة في المقابل، ضوءاً ساطعاً على أوضاع هؤلاء الذين يعيشون أوضاعاً مركبة يتصادم فيها انتماؤهم القانوني الممثل في الجنسية التي يحملونها، بهويتهم القومية الممثلة في أصولهم وجذورهم، وذلك تحت ظلال سعي الحكومات المتعاقبة، وبالأخص الحكومة اليمينية الحالية، شرعنة العنصرية والعداء ضدهم من خلال تقديم رزمة من مشاريع القوانين التي تضع علامات استفهام حول مواطنة العرب، وتشكل تهديداً إضافياً لمجرد وجودهم في وطنهم، من نمط مشروع القانون المقر في الكنيست، بالقراءة التمهيدية، والذي يمنح المحاكم "الإسرائيلية" صلاحية سحب مواطنة كل من تدينه المحكمة بتهم "التجسس والخيانة والإرهاب"، ومشروع القانون المتعلق بتغيير قسم الولاء الذي يؤديه أعضاء الكنيست بحيث يتضمن الولاء ل "إسرائيل" كدولة يهودية، وذلك توطئة لسلسلة من القوانين التي تربط المواطنة بما يسمى "الولاء للدولة".

 

غير أن هذه المشاركة وتداعياتها لدى الجانب "الإسرائيلي"، لم تشكلا، في الواقع، منعطفاً واضح المعالم في صيرورة الهجوم "الإسرائيلي" على القيادات والجماهير الفلسطينية في أراضي ،1948 والتحريض الدموي ضدهم، لا بل والدعوة، وبشكل علني، إلى معاملتهم كأعداء، وذلك على رغم اتخاذ هذا الهجوم، خلال وبعد المشاركة، نمطاً فاشياً سافراً عبر عن نفسه، أولاً، بقتل الجنود "الإسرائيليين" شخصاً يشبه الشيخ رائد صلاح على ظهر السفينة "مرمرة"، ما يذكّر بتصفية خلية من "الموساد" شاباً جزائرياً في مدينة ليلهامر النرويجية عام 1972 ظناً منها أنه رئيس جهاز الأمن في حركة "فتح" أبو حسن سلامة، ليلي ذلك توجيه تهم بالغة الخطورة للشيخ صلاح ورئيس لجنة المتابعة العربية محمد زيدان، ومن ثم التهجم الوحشي العنصري على النائبة حنين الزعبي، واعتبارها "خطراً على دولة إسرائيل"، قبل أن تقرر إحدى لجان الكنيست سلبها حقوقها البرلمانية، وذلك بموازاة تلقيها مئات من التهديدات بواسطة الهاتف والبريد الإلكتروني، ووصول التحريض ضدها أيضاً إلى حيّز "الفيس بوك"، حيث أنشئت مجموعة ل"إعدام حنين زعبي"، وكذلك تلقي النائبين أحمد الطيبي وطلب الصانع تهديدات مماثلة.

 

ومع الإدراك التام لحقيقة أن حكومة نتنياهو التي اضطرت، تحت الضغط التركي والدولي، إلى الإفراج عن النشطاء والسفن المشاركة في "أسطول الحرية" دون قيد أو شرط، لم تجد مكاناً تنفس فيه عن احتقانها سوى ضد فلسطينيي 48 الذين شاركوا في هذا الأسطول، وبهذا الشكل البربري، إلا أن ذلك لا يحجب واقع سيطرة التعصب والتطرف والانغلاق على المجتمع "الإسرائيلي"، وسعي الحكومة الحثيث نحو ترجمة شعار "يهودية الدولة" على الأرض من خلال التضييق على الأقلية الفلسطينية، وإشاعة خطاب التخويف والترويع واللعب على الغرائز البدائية، إلى جانب فبركة الاتهامات الأمنية والجنائية للعديد من القادة والناشطين العرب. ويكفي التذكير، في هذا السياق، إلى "الهمروجة التحريضية" التي طالت، قبل أشهر، رئيس الكتلة البرلمانية ل "التجمع الوطني الديمقراطي" في الكنيست النائب جمال زحالقة، ووصلت إلى حد المطالبة بفتح تحقيق جنائي ضده، بسبب قوله، خلال مقابلة تلفزيونية شهدت نقاشاً حاداً وتهجماً شخصياً ضده من قبل الصحافي دان مرغليت، إن "وزير الأمن "الإسرائيلي"، إيهود باراك كان يستمع إلى الموسيقا الكلاسيكية ويقتل الأطفال في غزة"، والإشارة كذلك إلى اتهام النيابة "الإسرائيلية" العامة رئيس جمعية "اتجاه" أمير مخول، ورئيس لجنة الحريات العضو في "التجمع الوطني الديمقراطي" عمر سعيد بتزويد "حزب الله" بمعلومات حول أماكن القواعد العسكرية والأمنية "الإسرائيلية"، وأنظمة الحراسة والذخيرة فيها، ومرافق المخابرات العامة و"الموساد" ومقر هيئة الأركان العامة في تل أبيب، وموقع بيت رئيس "الشاباك" الحالي، وأنظمة حماية قافلة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب ايهود باراك، ومعلومات خاصة عن مهاجرين من روسيا وأوروبا الشرقية يواجهون أوضاعاً اقتصادية صعبة لتجنيدهم لمصلحة الحزب.

 

وبخلاف تقديرات الذين يحاولون تقزيم هذه الأمثلة وشخصنتها وحصرها ببعض النواب والناشطين الذين تعمل السلطات "الإسرائيلية" على "تأديبهم"، فإن ثمة معطيات ميدانية تؤشر بوضوح على أن السياسة "الإسرائيلية" المعتمدة حيال فلسطينيي 48 تهدد ما يسمى "الهدوء النسبي" السائد، وتساهم في تعميق الفجوة ما بين الرؤية "الإسرائيلية" لحقيقة الدولة الصهيونية وطموحها في أن تكون دولة يهودية شكلاً وموضوعاً وبين رؤية حل الصراع العربي  "الإسرائيلي" ومطالبة الأقلية الفلسطينية في "إسرائيل" بحقوقها الوطنية والاجتماعية والسياسية. وبحسب ما يسمى "معيار العلاقات" بين اليهود والفلسطينيين العرب الذي أجراه البروفيسور سامي سموحة في السنوات 2003  ،2009 ونشره أواخر الشهر الماضي، فإن 48% من فلسطينيي 84 غير راضين عن حياتهم في الدولة، بالمقارنة مع 35% في العام 2003. كما تضاعفت نسبة الفلسطينيين ممن ليسوا على استعداد لاتخاذ صديق يهودي من 16% إلى 29%، في الفترة ذاتها.

 

ويشير المعيار ذاته إلى أن 62% من هؤلاء الفلسطينيين يخشون من الترانسفير (نكبة ثانية)، مقابل 5.55% في العام 2003. كما أن نسبة من هم على استعداد للانتقال إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية قد ارتفعت من 14% في العام 2003 إلى 24% في العام ،2009 وذلك في مقابل تراجع في نسبة التأييد ل"حل الدولتين" من 90% في مطلع العقد الحالي إلى 65%، في حين يقول 04% إنه ليس لديهم ثقة بالجهاز القضائي، و6.40% يؤيدون مقاطعة انتخابات الكنيست، بالمقارنة مع 33% في العام. 2003 ووفق المعيار، فإن ثمة تراجعاً في نسبة الفلسطينيين الذين يعتقدون أن "إسرائيل" لا تتعامل مع العرب بشكل ديمقراطي من 50% إلى 63%. وحول استخدام كافة الوسائل، بما في ذلك الوسائل العنيفة، في المظاهرات وأعمال الاحتجاج، فإن نسبة من يؤيد ذلك ارتفعت من 4.5% في العام 2003 إلى 14% في العام 2009. كما يشير المعيار إلى ارتفاع متواصل في نسبة الفلسطينيين المشاركين في المظاهرات، المرخصة وغير المرخصة، وبشكل خاص في ذكرى النكبة ويوم الأرض.

 

ما يمكن قراءته في هذا المشهد المضطرب هو أن تشديد القبضة "الإسرائيلية" على فلسطينيي ،48 وممارسة سياسة فاشية عنصرية ضدهم، يحملان في طياتهما ما هو أخطر بكثير من مجرد تعكير "الهدوء النسبي"، حيث يؤشر واقع الحال على أن هؤلاء الفلسطينيين لم يتمكنوا من التأثير بسياسة التمييز الممارس ضدهم، والتي تحولهم إلى أقلية من الدرجة الثالثة أو السابعة، نتيجة التهجير القسري وتدمير القرى ومصادرة الأراضي، وتحول حال العداء ضدهم إلى عنصرية في الشارع وفي المؤسسات وفي الميادين الأخرى، فضلاً عن النظر إليهم ك "خطر ديموغرافي" يهدد جوهر الدولة كدولة يهودية، ما يساهم في ارتفاع منسوب كفاحهم من أجل الحفاظ على هويتهم الوطنية وحقوق القومية والثقافية، إلى جانب التركيز على حقوقهم الأخرى في المساواة والعدالة الاجتماعية، وذلك في مقابل ارتفاع الأصوات الرسمية والحزبية والاستخباراتية "الإسرائيلية" التي تعتبرهم "خطراً استراتيجياً" ينبغي التعاطي معه بطريقة جديدة يمكن من خلالها تغيير قواعد اللعبة، ولو أدى ذلك إلى "قرارات مصيرية" قاسية من نمط "نزع المواطنة" التي تمهد لإعادة إنتاج الترحيل والتهجير على غرار ما حصل منتصف القرن الماضي!

 

* بقلم مأمون الحسيني: كاتب فلسطيني