خبر خرج من الاغلاق..هآرتس

الساعة 08:53 ص|25 يونيو 2010

بقلم: الوف بن

قرار المجلس الوزاري في بداية الاسبوع، للتسهيل في الاغلاق المدني على قطاع غزة، كرر بالضبط طريقة العمل التي يبديها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منذ عاد الى الحكم. قراراته تتخذ على أربع مراحل: أزمة، ضغط، تراجع وموافقة.

في المرحلة الاولى علقت اسرائيل في أزمة دولية، بسبب استخدام القوة الذي اعتبر مبالغا فيه أو بسبب بناء جديد في المستوطنات أو في شرقي القدس. "العالم" يطالب بمعاقبة اسرائيل ونتنياهو يستجدي الادارة الامريكية لانقاذه من المشكلة. في المرحلة الثانية الرئيس براك اوباما يستغل الفرصة ومقابل مساعدته يطالب نتنياهو بتنازلات للفلسطينيين.

في المرحلة الثالثة، الحرجة، يتراجع نتنياهو بعد أن يعرض مقاومة رمزية، او يسوف بعض الوقت. والنتيجة دوما متماثلة ويبدو محتمة: نتنياهو يغير سياسته، خلافا للايديولوجيا التي تربى عليها في بيته وبرنامجه الائتلافي اليميني. نتنياهو ينصت الى ابيه بن تسيون، عقيلته سارة ورفاقه في الليكود و "شركائه الطبيعيين" من اسرائيل بيتنا وشاس ولا بد يتفق معهم في قلبه ايضا، ولكنه يفهم في رأسه بان اسرائيل متعلقة بالدعم الامريكية.

في المرحلة الرابعة، والاكثر مفاجأة منها جميعها، موقف رئيس الوزراء المتذبذب يمر بهدوء تام في الائتلاف. احد لا يهدد بالانسحاب، او يهاجم نتنياهو في البرامج الصباحية في الاذاعة. بيني بيغن، موشيه يعلون، ايلي يشاي وافيغدور ليبرمان الذين على أي حال يعارضون بكل قوتهم الانعطافات المتواترة في سياسة الحكومة، يلتصقون صامتين بكراسيهم في "السباعية". نتنياهو يجمعهم لساعات طويلة من المداولات العابئة، وفي النهاية يكونون جميعهم ملتزمين بالقرار الذي املاه عليهم اوباما.

السيناريو كرر نفسه أربع مرات حتى الان. قد بدأ هذا بخطاب بار ايلان الذي قبل فيه نتنياهو بفكرة الدولة الفلسطينية، تلك الفكرة التي روج ضدها على مدى كل حياته الدبلوماسية والسياسية. واستمر في تجميد الاستيطان لعشرة اشهر، في خلاف تام مع ما يمثله اليمين السياسي في اسرائيل. الخطوة التالية كانت كبح جماح البناء لليهود والامتناع عن هدم منازل فلسطينيين في شرقي القدس، حتى وان لم يعلن عن ذلك، بعد "ازمة بايدن". وهذا الاسبوع تلقينا تسهيلات على الاغلاق على غزة، والذي كان عرض امس فقط على الجمهور بصفته لبنة حيوية في السور الواقي ضد حماس وأداة لاعادة الاسير جلعاد شليت.

في تسهيل الاغلاق على غزة، خلافا للاحداث السابقة، سجلت انعطافة صغيرة ظاهرا. نتنياهو يدعي بان هذا كان موقفه منذ البداية. وأنه منذ ثلاثة اشهر بعد قيام حكومته اقترح دراسة تسهيلات على الاغلاق المدني وقد تمت هذه بالتنقيط – الى أن جاءت "قضية الاسطول" واضطرت اسرائيل الى فتح معابر امام كل البضائع المدنية. في هذه المرحلة مستمعوه يفترض بهم أن يسلموا بأنفسهم بالفارق الذي في القصة وان يخمنوا من هم الاشرار: وزير الدفاع ايهود باراك ومرؤوسيه، ممن منعوا تخفيف حدة الاغلاق قبل الاوان، وبالتالي ورطوا اسرائيل بالسيطرة كثيرة القتلى على الاسطول التركي.

مثلما كان واضحا من لحظة صعود مقاتلي الوحدة البحرية الى كمين العصي والسكاكين في "مرمرة"، شق القصور العسكري التحالف السياسي والشخصي بين نتنياهو وباراك، والذي كان يبدو من قبل بانه غير قابل للاهتزاز. نتنياهو يعلق على باراك الذنب في الورطة وباراك يرد عليه بمطلب طرح مبادرة سياسية اسرائيلية وضم كديما الى الحكومة، في ظل التهديد في ألا يجلس العمل الى الابد في الائتلاف المشلول والرافض سياسيا. ويفترض بهذا ان يخيف نتنياهو، الذي يخشى من أن يحبس في حكومة يمينية متطرفة وان يكون متعلقا تماما بمناورات وزير الخارجية افيغدور ليبرمان. نتنياهو يفهم بان "شريكه الطبيعي" يريد أن يخلفه، وان يضع اسرائيل بيتنا كزعيم اليمين على خرائب الليكود.

في الجولة الاولى من المعركة السياسية يحافظ نتنياهو على صموده. في خطابه في الكنيست أول أمس رفض رئيس الوزراء الدعوات لطرح مبادرة سياسية اسرائيلية. وشرح بان المسيرة السياسية لن تساعد اسرائيل في وجه هجمة نزع الشرعية التي يشارك فيها "الاسلام الراديكالي واليسار الراديكالي" اللذان يتآمران على تصفية "السيادة اليهودية في أي حدود كانت" ويدعوان اليهود الى العودة الى بولندا والمغرب. وكيف يعتزم نتنياهو مكافحة الحملة الدولية لتفكيك اسرائيل؟ لديه حلا: اولا الاعتراف بخطورة المشكلة، وعندها التكتل ضدها.

نتنياهو وقف في الخطاب ضد اليساريين الاسرائيليين، الذين يؤيدون المقاطعة ضد اسرائيل. وقال: "هذه فضيحة وطنية" ودعا الى نبذ "النواة الراديكالية من داخنا". وهكذا اعطى رعاية رسمية لحملة تقودها حركة "ان شئتم" ضد تأثير اليسار في الاكاديمية، والهجوم ضد مصادر التمويل لمنظمات حقوق الانسان الاسرائيلية.

ذا هو نتنياهو الكلاسيكي، الاصلي، الذي منذ ولايته الاولى دعا الى تحطيم سيطرة اليسار على الخطاب الاكاديمي. في حينه فسر هذا كاضطهاد سياسي ضد "النخب"، اما الان فان نتنياهو يعرض كفاحه ضد اليسار كأداة حيوية في الكفاح لانقاذ اسرائيل من نزع الشرعية المهدد. كما ان الرسالة السياسية لايهود باراك شفافة: من ليس معنا، من يترك الائتلاف في مثل هذه اللحظة الصعبة، التي تستوجب التراص الداخلي، يساعد بشكل غير مباشر من يتآمر على تصفية الصهيونية.

نتنياهو محق في تقديره في أن الاسرة الدولية سترفض كل مبادرة سياسية لحكومته الحالية، مثلما تجاهلت باستخفاف ظاهر خطاب بار ايلان وتجميد الاستيطان. نتنياهو يعرض الشراكة مع باراك كـ "حكومة وحدة" ولكن هذه الرسالة لا تلقى القبول في العالم. فحسب دبلوماسيين اوروبيين فانه فقط اذا ما ادخلت تسيبي لفني الى الحكومة وقبلت اقتراحات السلام التي اقترحتها الحكومة السابقة، فانهم سيصدقون بان نتنياهو جدي. نتنياهو ليس هناك، ولفني هي الاخرى ليست هناك.

ولكن سلوكه في قضية الاسطول والاغلاق مثلما في الازمات السابقة، يلمح بان نتنياهو سيجد صعوبة في أن يرفض مبادرة سياسية امريكية، اذا ما وعندما تطرح. وهو سيصدر اصوات الصراع، ولكن اذا ما اصر اوباما – سيتراجع نتنياهو والائتلاف سيسير على الخط. ولا سيما اذا ما اضطرت اسرائيل الى قارب النجاة الامريكي في مواجهة مع ايران ومؤيديها، مثلما حصل لها بعد حرب يوم الغفران، حرب الخليج الاولى والانتفاضة الثانية التي هزت ثقتها بنفسها وأدت بها الى انسحابات من المناطق. نتنياهو بطل ضد الفزاعة اليسروية في الاكاديمية الاسرائيلية. اما أمام اوباما فهو لا يمكنه الا ان يزأر "مياو"، ان يخطب عن الحقوق التاريخية وعندها ينفذ الاملاء الامريكي.