خبر الجمهور غبي، ولهذا فانه يدفع الثمن..هآرتس

الساعة 08:52 ص|25 يونيو 2010

بقلم: جدعون ليفي

يوجد على الاقل اسرائيلي واحد، وهذا لا يشمل شالوم حانوخ الموقع على الاقتباس في العنوان (من قصيدته "بانتظار المسيح")، الذي توصل الى استنتاج بان الرأي العام في اسرائيل غبي. هذا الرجل هو رئيس الوزراء، وهو محق.

        اذا كان بنيامين نتنياهو يعتقد بان بوسعه على مدى السنين أن يكرر للاسرائيليين بان الاغلاق على غزة هو حاجة أمنية، مصلحة اسرائيلية، وسيلة  لاسقاط حماس ووصفة مضمونة لتحرير شليت، وفي يوم آخر يمكن أن يدعي بالضبط العكس – بان بالذات رفع الاغلاق هو مصلحة اسرائيلية، وسيلة لاضعاف حماس ووصفة لتحرير شليت – فان نتنياهو يعتقد إذن بان الجمهور غبي (حتى لو كان مكتيه يدعي الان بانه بشكل عام كان ضد الحصار. ولكنه بالطبع لم يفعل شيئا كي يرفعه).

        اذا كان الجمهور يستقبل بلا ابالية مفزعة وبطاعة عمياء كل الادعاءات الاولى لنتنياهو ويسارع الى ان يتبنى تلقائيا عكسها التام ايضا، فان رئيس الوزراء غذن محق في استنتاجه. واذا لم يشعر الجمهور حتى بالاهانة، بالاستخفاف وبالتعالي من جانب رئيس الوزراء تجاهه، فانه إذن حقا "حادثة اصطدام للدولة"، مثلما قال الشرطي المسكين لـ ارتسيالي الابن في القصيدة آنفة الذكر.

        انظروا ماذا يمكن لسفينة تركية متهالكة واحدة أن تفعله. رفع جزئي للحصار عن غزة – جزئي إذ أن بوابات التصدير مغلقة ومليون ونصف نسمة يواصلون كونهم محبوسين – كشفنا دفعة واحدة امام سلسلة استنتاجات مؤلمة عن أنفسنا. وأكثر الاستنتاجات ايلاما هو أنه لا يوجد رأي عام ولا توجد حكومة في اسرائيل. دولة في حالة تصفية، قراراتها السياسية تتخذ في خارجها. من خطاب بار ايلان، عبر تجميد البناء في المناطق، تشكيل لجنة التحقيق لاحداث الاسطول (وحتى عضويتها) الى  التسهيلات في الاغلاق – كلها قرارات مستوردة، من انتاج امريكي، ليس أزرق أبيض. وحتى مصير "حديقة الملك" في الشيخ جراح ستحسم في دائرة جودة البيئة في وزارة الخارجية الامريكية.

        وعليه، فان من يشكو ممن يتوجهون الى الخارج، ممن يحاولون هز اسرائيل من خلال محافل دولية، اولئك الذين يوصفون بانهم "خونة" من الافضل لهم ان يتذكروا بانه لا يوجد عنوان آخر: اسرائيل تثبت بافعالها، بان مصيرها لن يحسم الا من الخارج.

        كما أثبتت اسرائيل هذا الاسبوع مرة اخرى بان "فقط بالقوة" هي لغتها الوحيدة. الحصار كان ينبغي أن يرفع منذ زمن بعيد، وعندها طرح رفعه كمبادرة اسرائيلية جريئة، كاستجابة انسانية لاحتياجات السكان في غزة، كتصريح نوايا ايجابية، وبذلك كان يمكن ايضا جمع الحظوة في الرأي العام العالمي والفلسطيني. ولكن لا، الاغلاق لن يسقطه، الا اذا اجبرونا على ذلك. وعندما أجبرتنا امريكا مرة اخرى لم يكن ممكنا قبول ذلك الا كتراجع اسرائيلي مخجل. وها هي مرة اخرى ذات الرسالة لاصدقائنا ولاعدائنا: فقط بالقوة. ارسلوا اسطولا آخر شبه عنيف – والتسهيلات ستوسع أكثر فأكثر. مثير للقشعريرة بقدر ما يبدو للسامعين، فان ايضا فقط بضع صليات من صواريخ القسام ستساعدنا على أن نتذكر وجود غزة. وفوق كل شيء: في اليوم الذي يقرر فيه رئيس الولايات المتحدة وضع حدا للاحتلال الاسرائيلي فان الاحتلال سيسقط.

        كما أن الجمهور يقبل كأمر مسلم به بان لديه رئيس وزراء لا يقول له ابدا الحقيقة. لم يسبق ان كان رئيس وزراء كنتنياهو لم يكشف عن رأيه. ماذا حقا يفكر بالاغلاق؟ ما قاله أمس؟ ما يقوله اليوم؟ بانه كان حيويا؟ بانه ليس كذلك؟ سيجدي؟ سيضر؟ كما أن احدا لا يطالبه بان يقول شيئا، غير الاحابيل التي ترضي امريكا. الجمهور غبي، وليغفر لي التعبير، بانه يقبل كل شيء. اغلاق؟ فليكن اغلاق. لا اغلاق؟ لا داعٍ لان يكون. حتى يوم أمس قالوا له بانه لا يوجد حصار، اليوم يقولون له ان الحصار رفيع؛ كله ماشي. كله ماشي في مجتمع غرق في غياه اللا مبالاة، وكأنه يعيش سباتا.

        هل يمكن أن يكون الحال اسوأ من ذلك؟ بالتأكيد. لا يزال يوجد هنا جيل يتذكر فترات اخرى، كانت القيادة فيها، وكانت ايضا المعارضة والبديل واضحين، خلافا لليوم: عهود جرت فيها جدالات ايديولوجيةن خلافا لما هو قائم اليوم؛ جرت فيها احتجاجات مدنية، خلافا لما هو قائم اليوم. الجيل القادم لن يعرف ذلك. إذ يتغذى من صحف القطار والتلفزيون الغبي، فان مطالبة الزعماء بالقيادة والسياسيين بقول الحقيقة ستبدو قريبا وكأنها مأخوذة من كتب تاريخية عفنة.

        ولعله لا شر دون خير. لعله بالذات في الوقت الذي تقطع فيه الشاحنات المحملة بالبضائع الاسرائيلية المعابر سيفتح ايضا الاغلاق الفكري الذي فرضناه على أنفسنا. هل أنتم يائسون من الاعيب نتنياهو، لعلنا نبدأ اخيرا بالسؤال: الى أين؟ ولماذا؟