خبر فروانة : التعذيب في سجون الاحتلال يهدف لتحطيم شخصية الأسير وتدميره جسدياً و معنوياً

الساعة 03:24 م|24 يونيو 2010

فروانة : التعذيب في سجون الاحتلال يهدف لتحطيم شخصية الأسير وتدميره جسدياً و معنوياً

فلسطين اليوم – غزة

قال الأسير السابق ، الباحث المختص بشؤون الأسرى ، عبد الناصر فروانة ، بأن التعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي يهدف إلى هدم الذات الفلسطينية والوطنية وتحطيم شخصية الأسير وتدميره جسدياً ومعنوياً وتغيير سلوكه ونمط تفكيره وحياته وإلحاق الأذى والألم المزمن به لتبقى تلازمه طوال فترة الاعتقال وما بعد التحرر ، وتقديمه كنموذج سلبي للمجتمع وللآخرين  .

 

وأضاف فروانة في حديث خلال مشاركته في مؤتمر نظم بغزة في يوم الأمم المتحدة العالمي لمساندة ضحايا التعذيب  : بأن كل من اعتقل تعرض لشكل من أشكال التعذيب الجسدي والنفسي وبدرجات متفاوتة ، وبشكل ممنهج ، في إطار سياسة ثابتة ، ومن خلال منظومة من الإجراءات والقوانين التعسفية ، يشارك في ترجمتها كل من يعمل في المؤسسة الأمنية أو له علاقة معها ، بمن فيهم الأطباء والممرضين ، والجنود العاملين على الطرقات والمعابر وعلى بوابات السجون ، بهدف إلحاق الأذى الجسدي والنفسي والمعنوي بالأسرى وذويهم .

 

وأكد فروانة بأن التعذيب يمارس في سجون الاحتلال منذ بدايات الاحتلال و لم يقتصر على فترة التحقيق كما يتصور البعض ، وإنما يبدأ منذ اللحظة الأولى للاعتقال وحتى لحظة الإفراج والتلاعب بمشاعر الأسرى ، وأن ممارسته شملت كافة الفئات والشرائح التي تعرضت للاعتقال من أطفال وشيوخ ونسوة ومرضى ، كما وطال الدائرة الاجتماعية للأسرى كالأمهات والزوجات والأشقاء والشقيقات خلال توجههم لزيارة أبنائهم وتعرضهم للإهانةة والإذلال والتحرش والتفتيش العاري ..الخ ، أو من خلال حرمانهم من الزيارات لسنوات طويلة  .

 

داعياً إلى ضرورة مساندة ضحايا التعذيب والبحث عن سبل دعمهم وكيفية مساندتهم وتوفير الرعاية الصحية لهم وإعادة تأهيلهم نفسياً ومهنيا ومساعدتهم في الاندماج في المجتمع بما يكفل لهم حياة كريمة .

 

مؤكداً على أن الأسرى في سجون الاحتلال ( لا ) يحظون بالاهتمام الكافي من قبل الجهات المعنية ووسائل الإعلام في تسليط الضوء على ما يتعرضون له من تعذيب وما يفضح تلك الممارسات ، وأن ضحايا التعذيب ( لا ) يتلقون المساندة الحقيقية بعد تحررهم كالتأهيل النفسي والاجتماعي والمهني والرعاية الصحية ومساعدتهم في الاندماج في المجتمع.

 

وانتقد فروانة وسائل الإعلام لا سيما المرئية منها في تغطية هذا الموضوع وعدم تسليط الضوء على ما يتعرض له الأسرى في سجون الاحتلال من تعذيب ، في حين تفرد مساحات واسعة للتعذيب في السجون الفلسطينية على أيدي جهات فلسطينية .

 

جاءت أقوال فروانة هذه في ورقة عمل قدمها اليوم ( الخميس 24-6 ) بعنوان " أوضاع المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية " خلال مؤتمر عقد في مدينة غزة نظمه مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان وبرنامج غزة للصحة النفسية في ذكرى يوم الأمم المتحدة العالمي لمساندة ضحايا التعذيب.

 

أرقام واحصائيات ..

 

واستعرض فروانة في مداخلة أربع محاور أساسية ، حيث استعرض في المحور الأول أحدث الإحصائيات مبيناً وجود ( 6800)أسيراً في سجون الاحتلال منهم ( 300 ) طفل ) و(34 ) أسيرة و(231) معتقلاً ادرياً ، و ( 7 ) أسرى من غزة وفقاً لقانون مقاتل غير شرعي ، و(11 ) نائباً ، وجيش من المرضى ، وأن من بين الأسرى ( 309 ) أسيراً معتقلين منذ ما قبل أوسلو ويطلق عليهم الأسرى القدامى وان من بينهم ( 117 ) أسيراً مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً ، فيما بينهم أيضا قائمة " جنرالات الصبر " وتضم ( 19 ) أسيراً وهم من مضى على اعتقالهم أكثر من ربع قرن ، بينهم ثلاثة أسرى هم نائل وفخري البرغوثي وأكرم منصور أمضوا أكثر من ثلاثين عاماً في سجون الاحتلال .

 

وأعرب فروانة عن خشيته في أن تصبح أخبار الأسرى ، مجرد أخبار عابرة وان تصبح مهمتنا ومهمة المؤسسات هي رصد السنوات التي أمضوها في السجون .

 

وفي المحور الثاني تحدث فروانة عن أوضاع الأسرى وابرز الانتهاكات التي يتعرضون لها باعتبار غالبيتها تندرج في إطار التعذيب الجسدي والنفسي .

 

مؤكداً بأنها تحظى بإجماع إسرائيلي وبمشاركة كافة مركبات النظام السياسي الإسرائيلي .

 

التعذيب جزء اساسي من معاملة الأسرى والأسيرات

 

وأوضح فروانة في المحور الثالث بأن تعذيب الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال لم يقتصر على حقبة زمنية معنية أووفقا لدواعي أمنية كما تدعي أحياناً سلطات الاحتلال ، ولم يكن حالة استثنائية أو نادرة ، كما لم يقتصر على فترة التحقيق كما يتصور البعض وإنما مورس منذ بدايات الاحتلال وفي إطار سياسة ثابتة ، وجزء أساسي في التعامل مع المعتقلين ويشارك في ترجمتها وتطبيقها كل من يعمل في المؤسسة الأمنية أو على علاقة بها ، وأن ممارسته تبدأ منذ اللحظة الأولى للاعتقال وحتى لحظة الإفراج والتلاعب بمشاعر الأسرى .

 

المؤسسة الطبية جزء من الأدوات

 

وخلال حديثه استحضر نموذجا مؤلماً لمشاركة بعد الأطباء والممرضين في تعذيب إحدى الأسيرات وصمت البعض الآخر عن ممارسة هذا التعذيب وذلك في مستشفى " بني تسيون " بحيفا ، حيث كان ترقد هناك الأسيرة " أمل جمعة " والتي أجريت لها عملية جراحية تمثلت في " استئصال الرحم " منتصف آذار الماضي ، وكانت مكبلة في السرير وإذا أرادت ان تذهب للحمام يتم تكبيل يديها وقدميها من قبل السجانة الملازمة لها ، فيما كان يوجد خارج الغرفة سجانين ذكور ، مما دفعها للطلب وبإلحاح إلى العودة لقسوة السجن بدلا من البقاء في جحيم المستشفى ، وبالفعل عادت للسجن قبل انقضاء المدة المخصصة من قبل إدارة المستشفى لمتابعتها بعد العملية .

 

مؤكداً بأن الأطباء شاركوا بشكل مباشر وغير مباشر في تعذيب الأسرى ، وفي أحياناً كثيرة تتحول ما تسمى عيادة السجن إلى غرفة تحقيق ، ويتحول الطبيب إلى أداة في يد " الأجهزة الأمنية " ، أو يصمت أمام تعذيب الأسرى المرضى وما يُمارس ضدهم ، أو ينتحل صفة المحقق الفعلي .

 

أهالي الأسرى يتعرضون للتعذيب أيضاً ..

 

وفي السياق ذاته أشار فروانة بأن أهالي الأسرى يتعرضون للتعذيب والتفتيش العاري والتحرش الجنسي أحيانا والإذلال والإهانةة وامتهان الكرامة وهم في طريقهم لزيارة أبنائهم ، وأمام بوابات السجون أو أثناء دخولهم للزيارة ، وهذا يضاعف من معاناة الأسرى .

 

واستعرض بعض الإحصائيات الخاصة بمن تعرضوا للتعذيب ، مبيناً أن كل من اعتقل تعرض لشكل من أشكال التعذيب ، وأن 94 % منهم تعرضوا للدفع والصفع والضرب، و89 % حرموا من النوم، فيما 88 % أجبروا على الوقوف فترة طويلة، و72 % تعرضوا للشبح ، و93 % لم يتلقُ طعاماً مناسباً أو شراباً صحياً وفي الوقت المناسب ، و68 % تعرضوا للبرودة أو الحرارة الشديدة، و45 % تعرضوا للمكوث ساعات وأيام في ما تعرف بالثلاجة، وأن أكثر من 54 % تعرضوا للضرب والضغط على الخصيتين.

 

و هناك أشكالا أخرى من التعذيب تعرض لها البعض بنسب أقل كالتعرض للهز العنيف ، والتحرش الجنسي ، وإجبارهم على التعرية، واستغلال أماكن الإصابة أو الجرح، والصعق بالكهرباء والضرب بوحشية بواسطة البنادق على كافة أنحاء الجسم وإحضار أحد الأقارب كالزوجة والشقيقة أو الوالدة .. إلخ

 

( 70 ) أسيراً استشهدوا جراء التعذيب

 

فيما أن ( 70 ) أسيرا استشهدوا جراء التعذيب منذ العام 1967 ، وعشرات آخرين بعد التحرر متأثرين بما ورثوه من السجون جراء التعذيب وتسبب في ترك عاهات دائمة وأمراض مزمنة لآلاف الأسرى .

 

" اسرائيل " الوحيدة في العاملم التي شرّعت التعذيب في ظل صمت دولي

 

واعتبر فروانة بأن الخطورة تكمن في استمرار التعذيب ، وإجازته و تشريع ممارسته ومنح مقترفيه الحصانة القضائية ، أمام مرأى ومسمع المؤسسات الحقوقية الدولية بمختلف مسمياتها ، وتعتبر توصيات لجنة لنداو التي أقرتها الكنيست لإسرائيلي في نوفمبر 1987 هي أول من وضع الأساس لقانون فعلي يسمح ويجيز تعذيب الأسرى وشكَّل حماية لرجال المخابرات .

 

" الإنقسام " وتعذيب الأسرى

 

وفي المحور الرابع تطرق فروانة إلى الانقسام وتأثيراته النفسية والمعنوية قائلاً : ربما البعض يرى أننا نبالغ حينما نتحدث عن آثار الانقسام على الأسرى ، لكن صدقوني ، الأسرى هم أكثر الفئات الفلسطينية تضرراً من "الانقسام"، ولربما يكون تعذيب الانقسام ، أكثر ألما من تعذيب إدارات السجون

 

فالانقسام مزّق وحدة الأسرى وأضعف حضور قضيتهم ، وتراجعت الفعاليات والنشاطات المساندة، ولم تعد قضيتهم تقف على سلم أولويات كافة الجهات السياسية والإعلامية ، والأهم أفقدهم القدرة على المواجهة الجماعية مع إدارة السجون .

 

مضيفاً : بأن هذا شكل من إشكال التعذيب وربما يكون أسوأ وأقسى من تعذيب إدارة السجون ، فالأسرى يُعذبون وتسلب حقوقهم وتمتهن كرامتهم ، وإدارة السجون تمعن في اهانتهم وإذلالهم ، ومستمرة في سحب ومصادرة انجازات تحققت بدماء وتضحيات أجيال سابقة .. وهم غير قادرين على الرد والدفاع عن حقوقهم وكرامتهم بشكل جماعي .

 

اجماع اسرائيلي وتشتت فلسطيني .. معادلة مؤلمة

 

وفي ختام مداخلته أشار فروانة بأن المعادلة القاسية والمؤلمة هي أن هناك إجماع إسرائيلي للانتقام من الأسرى والتضييق عليهم ، وتعذيبهم وإلحاق الأذى بهم ، وبالمقابل تشتت وتمزق فلسطيني وضعف المساندة للأسرى ، وأن استمرار هذه المعادلة يعني استمرار تعذيبهم ويجب العمل على تغييرها والتوحد خلف الأسرى وقضاياهم العادلة .

 

توثيق ، اعلام ، ملاحقة .. ملفات مترابطة

 

وناشد فروانة الجهات المعنية والحقوقية والإنسانية وخاصة التي تعنى بالأسرى وبإشراك الأسرى أنفسهم القابعين في سجون الاحتلال ، للتنسيق والتعاون فيما بينهم لتوثيق جرائم التعذيب بشكل ممنهج وعلمي ، واستثمرها في وسائل الإعلام ، والبحث عن آليات ووسائل لدفع ضحايا التعذيب للحديث عن تجاربهم عن ما تعرضوا له من تعذيب في سجون الاحتلال.

 

مؤكداً بأنه لا يمكن الحديث عن ملاحقة لمقترفي التعذيب في المحاكم الدولية دون توثيق ممنهج وشهادات متكاملة من أسرى تعرضوا للتعذيب وإعلام قوي يفضحها ويسلط الضوء عليها ويساهم في نشرها ، فجميعها عناصر متكاملة .

 

داعياً إلى ضرورة عدم الفصل فيما بين التعذيب والمُعَذَبين في سجون الاحتلال وما بين مساندة ضحايا التعذيب بعد تحررهم ، والذين هم بحاجة لرعاية أكبر واهتمام أكثر  .