خبر القدس... « أم المعارك » ، كيف نخوضها؟ .. عريب الرنتاوي

الساعة 01:12 م|24 يونيو 2010

بقلم: عريب الرنتاوي

لا تفوّت إسرائيل مناسبة من دون أن تستغلها لتثبيت أقدامها في مدينة القدس ، العاصمة المزعومة ، الموحدة والأبدية للدولة العبرية ، فهي حين ترفع حاجزا في جنين ، تبني مقابله مستوطنة في القدس ، وحين تخفف الحصار جزئيا ومؤقتا عن قطاع غزة ، تهدم حيّا في سلوان وتبعد نواباً ورجال دين عن مدينتهم التاريخية ، وهي حين ترتضي الشروع في مفاوضات تقريب مباشرة أو غير مباشرة ، تعمد إلى بناء أحياء استيطانية بكاملها ، كل شيء بثمن ، والثمن يجب أن يدفع من جيوب القدس والمقدسيين.

حرب "الأسرلة" و"التهويد" التي تتعرض لها القدس تتوالى فصولها ومعاركها من دون هدنة أو هوادة ، كل يوم يمضي يقتلع فيه بيت فلسطيني من جذوره ويشيد على أنقاضه منزل لمستوطن...كل أثر مقدس يُمس أو يُهدد ، يُشيد إلى جواره كنيسّ أو شاهدّ على "عبرانية الدولة العبرية" ، وكل حي عربي يطوق بإنذارات الإخلاء وجرافات الاستيطان ، يشيد مقابله حي استيطاني بأكمله.

حرب التطويق والعزل ، سياسة الأسرلة والتهويد ، تقوم على محاور وأحزمة ثلاث: حزام يلف الحوض المقدس بالجيوب المتقدمة والكنس الحربية المقاتلة ، وحزام يلف المدينة من داخلها لعزل أحيائها العربية الواحد عن الآخر ، وحزام ثالث يلف المدينة من خارجها ، ويهدف إلى تقطيع أوصالها عن الضفة الغربية وغور الأردن.

كل يوم يمر ، ثمة جديد ناشئ في بيت المقدس وأكنافه ، لا يوم يمر من دون هدم منزل او طرد عائلة أو إبعاد ناشط أو فرض الإقامة الجبرية عليه ، او منعه من دخول البلدة القديمة ، أو الصلاة في المسجد الأقصى...لا يوم يمر من دون أن يشييد منزل يهودي أو تقام حديقة تحمل هذا الاسم التوراتي أو ذاك ، أو تزرع شجرة لتخليد هذه الشخصية الإسرائيلية أو تلك ، هذه هي يوميات المدينة المقدسة التي تمر أمام ناظرينا كشريط نقف عاجزين عن وقفه أو حتى تأخيره.

مقابل ذلك ، لا جديد لدينا غير تصريحاتنا التي لا تجلب نفعا ولا تدرأ ضُرّا...تنديد ، شجب إدانة...مناشدات لواشنطن بالتدخل العاجل والفوري ، لكأن المناشدات السابقة أجدت نفعاً...حديث عن مسمار أخير في نعش عملية السلام ، ولا أدري كم مسمارا أخيرا قد دق في نعش هذه العملية من دون أن تُوارى الثرى فتريح ونستريح.

على الدوام ، تصدر البيانات المحذرة من الإليزية 10و داوننع ستريت ، البيت الأبيض يستوضح الخطوة الجديدة من الحكومة الإسرائيلية ، بان كي مون ينتقد ويدعو الأطراف لضبط النفس ، العواصم العربية تندد وتدين بأقسى العبارات ، الأمين العام كعادته ، يضفي صبغة حازمة وجدية على المواقف الهزلية العربية ، مندوبون ووزراء خارجية يجتمعون من دون جدوى ، لجنة القدس تمعن في الغياب والغيبوبة ، صناديق القدس والأقصى تشكو خواءها ، المشهد نفسه يتكرر في كل مرة ، لا شيء جديدا ، لا شيء يدفع على الاعتقاد بأن شيئا سيتوقف أو أن شيئا سيتغير.

قيل في تعريف الغباء أنه "فعل الشيء ذاته ، وانتظار نتائج مغايرة" ، فهل ثمة أغبى من ردات فعلنا على القضم الإسرائيلي المتدرج ، المنهجي والمنظم للأرض والحقوق والمقدسات في العاصمة المنتظرة للدولة الفلسطينية العتيدة؟..وإلى متى سنستمر في خداع الذات وادعاء أننا اتخذنا ما يكفي من المواقف الكفيلة بلجم إسرائيل ووضع حد لغطرستها ومنعها من تحقيق أهدافها الشريرة ؟؟

لا ينبغي على الفلسطينيين أن ينتظروا الكثير من المواقف العربية والإسلامية ، فما حك جلدك غير ظفرك ، وليكن شعارهم اليوم ومن دون مماطلة أو إبطاء ، الوحدة في الميدان ذوداً عن القدس والمقدسات ، فإن لم يتحدوا الآن في القدس ومن حولها ومن أجلها ، فما الذي سيوحدهم إذن ، ومتى سيتحدون ، فلينبذوا خلافاتهم أو يضعوها جانبا على الأقل ، وليتحدوا في الخندق دفاعا عن المدينة المقدسة ، وليخرجوا عاصمتهم من دائرة المناكفات والمناقصات والمزايدات.

قبل أيام ، قرأت مقالا لرئيس تحرير موقع الكتروني ممول من مسؤول فلسطيني سابق ، حول القدس غمز فيه من قناة حماس وسخر من تحويلها غزة إلى "قدس أقداسها" وانتقد تجاهلها القدس عاصمة الدولة والكيان الناشئ ، ومن دون أن يرف له جفن ، وهو النزيل المتمترس بفنادق تل أبيب والقدس الغربية (وليس الشرقية) ، تجاهل عن سبق الترصد والإصرارأن المبعدين الأربعة الذين تسلموا قرارات الاحتلال بسحب هوياتهم وإبعادهم عن مدينتهم نهائيا ، هم من قادة حماس ونوابها المنتخبين عن القدس والذين لم يمض على مغادرتهم لزنازين الاحتلال سوى أيام معدودات. إن كانت معركة القدس ، أم المعارك ، ستدار بهذه العقلية الانتهازية الضيقة والرخيصة ، فعلى القدس والأقصى السلام.