خبر لبنان واللاجئون الفلسطينيون: 3 إشكاليات و3 مبادئ لتصويب الخلل .. زياد الصائغ*

الساعة 12:41 م|24 يونيو 2010

بقلم: زياد الصائغ*

لم يكن مفاجئاً ما جرى في الجلسة النيابية في 15/6/2010 حول القوانين المكررة المعجلة لمنح اللاجئين الفلسطينيين حقوقاً "مدنية" تقدّم بها رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط. خصوصاً مع هشاشة الاصطفاف الطائفي الذي ظُهر عمداً وتهاوى من ثم على وقع المواقف التي أعلنها المسيحيون متناغمين. ويمكن العودة لفهم أساس هذه المواقف الى نصوص تأسيسية، وتحديداً في الكنيسة المارونية (•) لتأكيد أن العزف على وتر "المسيحيين الانعزاليين" فاشل وبات لزاماً على مطلقيه ابتكار أدبيات أبولوجيتيكية أفضل. واللامفاجأة كامنة، بأن قضية مماثلة تقتضي نقاشاً سريعاً إنما غير متسرّع، خصوصاً على وقع المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية غير المباشرة. واللبيب من الاشارة يفهم.

في كل الاحوال ما يلي محاولة مقاربة لعلاقة لبنان باللاجئين الفلسطينيين في إشكاليات ثلاث ومن ثم في مبادئ ثلاثة، لتصويب الخلل عسى نتقي شر استثمارات شعوبية، وشد عصبيات بالمزايدات ضيقة مع التأكيد على أننا في مرحلة رُقمت فيه الذاكرتان اللبنانية والفلسطينية على قاعدة الكرامة للاجئ تحت السيادة حتى العودة.

1. في الإشكالية الكيانية

الاشكالية الكيانية منذ النكبة (1948) بين لبنان واللاجئين الفلسطينيين، كانت رفض لبنان أي شكل من أشكال التوطين انطلاقاً من التسليم بخيار حق العودة الذي نص عليه القرار 194، في فلسفته الاساسية، رغم كل الدعوات لقراءته ببراغماتية أنه "خياري" وليس "إلزامياً". كما التسليم بقيام دولة فلسطين الذي نص عليه القرار 181، ايضاً في فلسفته الاساسية، رغم كل محاولات تجويف هذا القرار من مضمونه اسرائيلياً ودولياً. لكن هذا التسليم بخيار حق العودة، وقيام دولة فلسطين، شابته تشوهات بفعل المنزلقات التسلحية التي مارستها منظمة التحرير الفلسطينية في السبعينات والثمانينات تأكيداً على حقها في المقاومة من على أرض لبنان. هذه المنزلقات التي استدعت ايضاً تسلحاً لبنانياً ميليشيوياً مقابلاً، تأكيداً على الحق بحماية سيادة لبنان واستقلاله واستقراره، إستحال "فوبيا" لبنانية أو قل بعض - لبنانية من إمكان استحالة لبنان وطناً بديلاً للاجئين الفلسطينيين، و"فوبيا" فلسطينية من أن فرقاء لبنانيين يودون تصفية قضيتهم المقدسة.

وقد تُرجمت هذه "الفوبيا" اللبنانية تجاه اللاجئين الفلسطينيين و"الفوبيا" الفلسطينية تجاه بعض اللبنانيين ممارسات عنفية دموية بلغت حد المجازر مما استدعى منذ العام 2005 توبة واعتذارا من الطرفين. من هنا لا بد من فهم الإشكالية الكيانية بمعنى مناصرة العدالة أكثر منه الخوف أو الاستثمار في الارتجاجات الديموغرافية.

2. في الاشكالية السيادية

الاشكالية السيادية بين لبنان واللاجئين الفلسطينيين، وتحديداً بمكونات اللاجئين الفصيلية ذات بعدين متناقضين، وتناقضهما أودى الى الصدام الحتمي. فاللاجئون الفلسطينيون ما فتئوا يهاجمون القبضة الأمنية اللبنانية التي فُرضت عليهم متناسين استباحتهم الاستثنائية لسيادة لبنان منذ ما قبل اتفاقية القاهرة (1969)، وشاهد على هذه الاستباحة كثافة التسلّح التي برزت بعد توقيع الاتفاقية. واللبنانيون يصرّون على القبضة الأمنية إنما في غياب استراتيجية متكاملة لمعالجة قضايا اللاجئين الفلسطينيين كافة وتحديداً القانونية والانسانية ما حتم فشلاً في ضبط الوضع التسلّحي الفلسطيني المتفلّت، ناهيك بالانقسام اللبناني حول نوعية مناصرة القضية الفلسطينية، والذي تمثّل بشكل بارز في التقابل الحاد بين "الجبهة اللبنانية" من جهة، و"الحركة الوطنية" من جهة أخرى. فمفهوم إحقاق السيادة من زاوية أمنية، والذي مارسه اللبنانيون مبتور وأدى عكس مبتغاه. وتصوير اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم ضحايا دائمين مقتلعي الحقوق مبتور ايضاً وأدى عكس مبتغاه. من هنا لا بد من فهم للإشكالية السيادية بمعناها الحقوقي الاماني أكثر منه المخابراتي لبنانياً والعسكري فلسطينياً.

3. في الاشكالية الانسانية

الاشكالية الانسانية منذ النكبة (1948) واستفحالها منذ حرب لبنان (1975) معقدة، ويُقتضى تفكيكها، إذ غالباً ما ينحو اللاجئون الفلسطينيون نحو مهاجمة الدولة اللبنانية مُتهمينها بعنصرية في الاحجام عن منحهم حقوقا انسانية اساسية وينسون احياناً واجباتهم تجاه الدولة التي استضافتهم اخوياً ولم يتوانوا في لحظة تخل عن استباحة سيادتها بالكامل. في المقابل، يعتبر اللبنانيون، إلاّ مجموعات محددة الانتماءات، ان منح اللاجئين الفلسطينيين هذه الحقوق قد يؤدي الى دمج مجتمعي تدريجي لهم في لبنان ما يسهّل لاحقاً توطينهم، ما ينعكس سلبا على التوازنات الديموغرافية الطائفية. ويسهو عن بال الكثيرين من لبنانيين ولاجئين فلسطينيين ان استراتيجية كمنت وراء الابقاء على الفقر في المخيمات لاستثمار العصب المقاوم فيها. واستراتيجية لبنانية كمنت وراء التضييق على تحسين الوضع الانساني فيها في رهان على تشجيع الهجرة منها بما يعني ابعاداً منهجياً، ولو على المدى الطويل، لشبح التوطين. واستراتيجية دولية بالانسحاب التدريجي من تقديم التمويل اللازم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا)، ما يضعهم في مواجهة الدول المضيفة، ولبنان فيها، بحسب خصوصيته، الحلقة الاضعف. فتستحيل حينها المسؤولية الدولية تجاه اللاجئين الفلسطينيين مسؤولية اقليمية – عربية بداية، لتنتهي بمسؤولية البلد المضيف، ما ينهي القرار 194. من هنا لا بد من فهم للاشكالية الانسانية انطلاقا من ارث لبنان الحضاري في احترامه حقوق الانسان من ناحية، وضوابط عدم تسهيل اي اندماج مجتمعي تدريجي تحت ستار احترام هذه الحقوق للاجئين الفلسطينيين والذي ينعكس تصفية نهائية لحقهم في العودة من جهة ثانية.

في موازاة الاشكاليات الثلاث ثمة مبادىء ملتبسة يقتضي تصويبها قبل الشروع في اي عمل تشريعي نوردها في ما يلي:

1- بين "الحقوق الاجتماعية والاقتصادية" و"الحقوق المدنية"

ثمة استخدام نافر في بعض الاوساط اللبنانية لمصطلح "الحقوق المدنية" يرفده تأكيد فلسطيني على هذا المصطلح، فيما الخطاب الرسمي اللبناني يؤكد على مبدأ العمل على تأمين حياة كريمة للاجئين الفلسطينيين عبر منحهم حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية ضمن ضوابط الدستور اللبناني، بما يعني تفادي منزلق "الحقوق المدنية" الذي قد يحتمل تأويل انه قد يكون مدخلا ذكيا لبدء الحديث عن حقوق سياسية مستقبلية. وفي هذا محاذير تفجيرية ليس فقط للصيغة اللبنانية بل حتى للهوية النضالية الفلسطينية. انه مبدأ اول يحتاج تصويبا ودينامية حوار لاقرار خريطة طريق عملانية بدل الاسهاب في الصراخ والصراخ المضاد.

2- بين "الامن بالسلاح" و"الامان السيادي"

بعد الغاء اتفاقية القاهرة (1987) اتفق اللبنانيون على طاولة الحوار الوطني منذ العام 2006 على انهاء ظاهرة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وضبطه وتنظيمه داخل المخيمات، لكن اي تحرك جدي لم يتم في هذا الاطار، ربما لأسباب الانقسام الداخلي، وربما ايضا بسبب من ارتباطات هذا السلاح بأجندات اقليمية، رغم لا فاعليته الميدانية. والتجربة الابرز التي تجاوزت قرارات طاولة الحوار الوطني كانت التوجه الحاسم لدولة رئيس مجلس الوزراء حينها فؤاد السنيورة لبسط سيادة الدولة اللبنانية على مخيم نهر البارد، بعد اعادة اعماره، وبدأ الحديث في هذه التجربة عن اهمية الانتقال من مفهوم "الامن بالسلاح" الى مفهوم "الامان السيادي". انه مبدأ ثان يحتاج ايضا تصويبا ودينامية حوار لانفاذ ما اجمع عليه اللبنانيون، وفهم موجبات تأجيل تنفيذ هذا الاجماع على الرغم من الاجواء الاقليمية والدولية للعملية التوافقية اللبنانية.

3- من "رفض التوطين" الى "دعم حق العودة"

كان لافتا جدا ان يطرح السفير خليل مكاوي (رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني، 2005 – 2009) في مؤتمر "مقاومة التوطين والتطبيع" الذي عقدته نقابة المحامين في بيروت (3/ 5/ 2008) نظرية الحاح الانتقال من "رفض التوطين" الى "دعم حق العودة" وقد ظهر من ثم تبن استثنائي لهذه النظرية من رئيس الجمهورية الذي بات يؤكد في كل مواقفه على "دعم حق العودة" وفي هذا اضافة لبنانية جوهرية لمبدأ "رفض التوطين". لكن هذا التبني يستمر مبدأ ثالثاً يحتاج تصويباً دينامية حوار في هل دعم حق العودة نابع من الاقتناع بالحق المقدس للاجئين في العودة بحسب القرار 194 الى دولتهم فلسطين القائمة بقوة القانون الدولي بحسب القرار 181، او هو نابع من الخوف من اختلالات ديموغرافية؟ وهل ندعم حق العودة بالسلاح؟ بالديبلوماسية؟ او بالاثنين معا؟

من المستغرب ان تتناول هيئة الحوار الوطني الاستراتيجية الدفاعية بمنأى عن المسبب الاساس التاريخي لما يعانيه لبنان من انتهاكات عدوانية اسرائيلية، اي استباحة فلسطين وتهجير اهلها، ناهيك بغياب وضع استراتيجية ديبلوماسية هجومية تطل بشكل جدي على اي حل غير عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين قد يتطلع البعض الى فرضه على لبنان.

(•) راجع مقالتي "كنيسة لبنان واللاجئون الفلسطينيون" - قضايا "النهار" 4/12/2009.

*(أمين السر السابق للجنة الحكومية اللبنانية للحوار اللبناني - الفلسطيني)