خبر موازنة حكومتي غــزة والضفة..أرقام خيالية تصرف على « الأمن »!!

الساعة 09:26 ص|24 يونيو 2010

على حساب قطاعي الصحة والتعليم..

موازنــة حكومتــي غــزة والضفـــة..أرقام خياليــة تصرف على "الأمن"!!

فلسطين اليوم- الاستقلال

أكد خبراء اقتصاديون ومحللون سياسيون على ضرورة توزيع الموازنة المالية العامة حسب احتياجات كل قطاع من القطاعات الخدماتية في أجهزة الدولة، وحسب دور ومهام كل وزارة على حدا، مطالبين بالاعتماد على الإيرادات العامة والاستغناء شيئاً فشيئاً عن مساعدات الدول المانحة. ويرى الخبراء خلال أحاديث منفصلة لـ "الاستقلال" أن المشكلة ليست في إنفاق الجزء الأكبر من موازنة السلطتين على الأمن، ولكن المعضلة الحقيقية هل وضعت هذه الموازنات من أجل الوطن والمواطن أم من أجل تثبيت وتدعيم أركان النظام الحاكم؟ وأجمعوا على أن غزة والضفة  بشكل أو بآخر ليستا بحاجة لصرف ثلث موازنتهما المالية لصالح الأمن، بقدر ما يجب أن تذهب القيمة الأكبر من الموازنة لصالح برامج التعليم والصحة، لأن الإنسان الفلسطيني الثروة الحقيقية التي يجب الاهتمام بها. وكان مجلس وزراء حكومة رام الله قد أقر الموازنة العامة للسلطة الوطنية للعام 2010، التي يبلغ حجمها حوالي 3,9 مليار دولار، حيث خصص (38%) من تلك الموازنة لصالح جهاز الأمن التابع لها، فيما حصل قطاع الزراعة على 7. % من تلك الموازنة...!!. في حين أقر المجلس التشريعي لحكومة غزة موازنته لعام 2010 بقيمة (540) مليون دولار، وخصص ما نسبته ( 35%) لصالح الأمن والقضاء.

الأمن لمن ..؟؟

د. يوسف عبد الحق، أستاذ التنمية الاقتصادية في جامعة النجاح الوطنية يرى أنه من الصعب التصور بأن أربعة ملايين فلسطيني في الضفة وغزة من أصل عشرة ملايين يعيشون في مخيمات الشتات، لهم حكومتان وموازنتان، واصفا ذلك بأنه (عيب كبير)، لافتاً إلى أن الشعب الفلسطيني استطاع خلال فترة من الفترات أن يدير أموره ويحفظ أمنه ويدافع عن أرضه وحقوقه على أكمل وجه. مستدركاً " لكنه الآن مكبل وفق التوجهات والمعطيات الدولية والإقليمية صاحبة الدعم..!!".

ويقول عبد الحق لـ"الاستقلال" إن المشكلة ليست في إنفاق الجزء الأكبر من موازنة السلطتين على الأمن، ولكن المعضلة الحقيقية هل وضعت هذه الموازنات من أجل الوطن والمواطن أم من أجل تثبيت وتدعيم أركان النظام الحاكم؟!

وأضاف: الواضح أن النظام الفلسطيني بات نسخة مشابهة للنظام العربي، حيث تذهب كامل الموازنة للجيش وللحقائب الوزارية الموالية للحكومة، والمحصلة في النهاية تحت الصفر، و المفترض من النظام الفلسطيني الذي يرى فشل التجربة العربية في إدارة موازناتها مما أوقعها في ديون وقروض دولية، أن قدم لنفسه نموذجا أفضل مما هو عليه اليوم".

وتطرق أستاذ التنمية إلى ما وصل إليه التعليم من تدهور وهبوط إلى أدنى مستوياته منذ أوسلو، والى واقع قطاع الصحة في الضفة وغزة، داعيا ً الفرقاء إلى إعادة النظر بكل ما جرى والتمسك بالوحدة.

الأمن ...ليس السبيل الوحيد

ومن جانبه أكد المحلل الاقتصادي، أ. محسن أبو رمضان أن الأولوية يجب أن تنصب على القطاعات الإنتاجية والخدماتية، والاجتماعية، معتقدا أن قطاع غزة والضفة الغربية المحتلين ليسا بحاجة لصرف ثلث موازنتيهما المالية لصالح الأمن، بقدر ما يجب أن تذهب القيمة الأكبر من الموازنة لصالح برامج التعليم والصحة وغيرها من القطاعات "لأن الإنسان الفلسطيني الثروة الحقيقية التي يجب أن نحافظ عليها ونعدها على أكمل وجه".

وأرجع أبو رمضان أسباب تضخم موازنة الأمن في كلتا الحكومتين إلى بعدين، أحدهما اقتصادي مرتبط بارتفاع نسبة البطالة، والأخر مرتبط بفلسفة الحكم وقناعتهما بأن قوة الأمن السبيل الوحيد للحفاظ على النظام الحاكم، كما الأنظمة العربية، ومؤكداً أن التجربة أثبتت انه ليس بالأمن وحده يمكن تثبيت أركان حكومة، فالشعوب إذا قررت التغيير لن تستطيع أي قوة في العالم منعها.

المطلوب ...توزيع عادل

وبدوره يؤكد الخبير الاقتصادي د. معين رجب أن المطلوب توزيع الموازنة المالية العامة على الحقائب الوزارية بشكل عادل يراعي احتياجات كل قطاع من القطاعات الخدماتية في أجهزة الدولة، وحسب دور ومهام كل وزارة على حدا، معتبرا إن توزيع الموازنة يجب أن يكون مرتبطا بالتحضير المسبق لحاجات كل وزارة ومناقشتها مع السلطة التشريعية قبل اعتمادها من رئاسة السلطة، على أن تتم كل تلك الإجراءات قبل بداية العام الجديد، ومشدداً على ضرورة تحديد مهام الجهات الأمنية بدقة بما يخدم أمن المواطن دون الإفراط. وقال رجب لـ "الاستقلال" : الأصل في الموازنة أن تكون مقننة ومحددة بموجب احتياجات كل وزارة من الوزارات".

وتابع قوله: من  الممكن أن توقف الدول المانحة مساعداتها في أي لحظة ، وحينها سيضطر النظام الحاكم إلى الاقتراض من البنوك الدولية، وهذا ما ستكون نتائجه وخيمة "، مشدداً على ضرورة الاعتماد على الإيرادات العامة والاستغناء شيئاً فشيئاً عن مساعدات الدول المانحة.

لا وجه للمقارنة

ومن جهته رأى النائب أ. جمال نصار، رئيس لجنة الموازنة والشؤون المالية أن مقارنة موازنة حكومة رام الله بحكومة غزة  فيها ظلم  وإجحاف بحق الأخيرة، موضحاً أن موازنة حكومة غزة لا تتعدى 10% من موازنة رام الله التي بلغت 3.9 مليار دولار.  

وأكد نصار لـ"الاستقلال" أن الأرقام التي اقرها المجلس التشريعي وصادق عليها رئيس الوزراء تبقى افتراضية في صعوبة وصول أموال المساعدات و الدول المانحة إلى غزة، موضحاً أن حكومة مصر تمنع دخول الأموال لغزة، مما يزيد من الأعباء المالية للحكومة.

وأوضح نصار أنه "من المتوقع أن تبلغ قيمة الإيرادات المحلية لقطاع غزة 55 مليون دولار تقريبا، ما يعني عجزا ماليا بقيمة 484 مليون دولار تقريبا.

وأوضح نصار أن جل الموازنة المالية التي خصصت للأمن لا تتعدى( مائة مليون دولار ) يذهب 95% منها على شكل  رواتب للموظفين.

أنظمة تسلطية

دكتور مخيمر أبو سعدة، المحلل السياسي والمحاضر في جامعة الأزهر، تحدث لـ"لاستقلال" أن تخصيص ثلث الموازنة العامة في حكومتي غزة والضفة للأمن يعتبر نسبة كبيرة، مشددا على وجوب الإقرار بأن الوضع الأمني أفضل من السابق.

وقال أبو سعدة: هذه النسبة تثير علامات استفهام و تساؤلات  كبيرة، فكيف يكون الجزء الأكبر مخصص للأمن على حساب مرافئ حيوية أخرى  كالتعليم والصحة؟

وأضاف د. أبو سعده: هذا من سمات أنظمة الحكم التسلطية والدكتاتورية ، نحن شعب يعاني من البطالة والفقر ولكن هناك هاجس أمني لدى الطرفين في غزة والضفة  ونخشى أن يكون ذلك لقمع المعارضة السياسية أو لحماية الأنظمة وسلطتها .

على حساب المواطنين

 أما المحلل السياسي هاني المصري، فقد اعتبر أن هذه النسبة تدلل على أن الأمن الداخلي وحماية السلطة ونظام الحكم في الجانبين هو الأساس على حساب المواطنين وحياتهم المعيشية.

وتساءل المصري: هل الهدف حل المشكلات الداخلية الأمنية على حساب المقومات الأساسية التي تتعلق بالاستقرار المعيشي والأمن الغذائي والتأمين الصحي الذي هو أساس الحياة للمواطن؟

وتابع المصري: نخشى أن تزيد النزعة العدوانية على الأجهزة الأمنية، وترتفع وتيرة القمع لدى هذه الأجهزة ، وأن يصبح الهاجس الأكبر لديها الحرص على الاتفاقيات الموقعة مع الطرف الأخر وتطبيقها بحذافيرها خاصة الأمنية منها" .

مرتبط بالمقاومة

وفي الإطار ذاته، يرى المحلل السياسي مصطفى الصواف إن تخصيص نسبة كبيرة من الموازنة لمجالات الأمن في غزة، أمر منطقي وطبيعي لأنه مرتبط بالمقاومة، وغزة تواجه العدوان والقصف والاجتياح المتكرر من قبل الاحتلال، مما تطلب إعادة بناء مقرات الأجهزة الأمنية "وهذا يعني أن ثلث الميزانية ربما لا يكفي في بعض الأحيان.

وزاد الصواف بالقول: العنصر البشري الأمني المتمثل في الشرطة الفلسطينية في غزة تم بناؤه وإعداده من الصفر، مما تطلب إمكانيات أكبر.

وعن الوضع في الضفة، أوضح الصواف أن الأمر مختلف كون الأجهزة الأمنية موجهة ضد أبناء شعبنا وهي في حالة استنفار دائم ضد المجاهدين من أبناء الحركات الإسلامية كونها تعمل تحت إمرة رجل مخابرات أمريكي "فهي مساندة للأمن الصهيوني وعنصرها الأمني مجهز جيد للحفاظ على أمن العدو" بحسب المحلل السياسي .

الأولوية للصحة والتعليم

ويعتقد المحلل السياسي محمد هواش أن الأمن ليس العنوان الرئيس لتطور المجتمع الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، و سلطة ناشئة ليس لديها مقدرات كبيرة ومقومات اقتصادية ضخمة ترتكز عليها "فكان من المفترض أن تكون الأولوية للصحة والتعليم والأوضاع الاجتماعية والمعيشية و المرافئ العامة والحيوية". معتبرا أن ربط المجتمع بالحفاظ على الأمن أولا رغم أهميته يعد مشكلة في ترتيب الأولويات .

وردا على سؤال: هل تخصيص الجزء الأكبر من الميزانية ينم عن عقلية أمنية تحكم المجتمع الفلسطيني؟ قال هواش: السؤال غير مناسب كونه لا توجد سلطة أكثر انفتاحا من سلطتنا الفلسطينية في دول المنطقة، ولا يوجد لديها مواقف رجعية بوليسية، ولا ننسى أنها سلطة لا زالت تحت الاحتلال الذي دمر مقرات السلطة الأمنية التي يعاد بناؤها .

وحول تخصيص الجزء الأكبر من الموازنة للأمن ومدى إمكانية أن يكون له انعكاسات على الأرض، أوضح هواش أن إسقاط مواقف سياسية مسبقة لا يفيد أحدا من الفلسطينيين، ولا يوجد إجماع فلسطيني على صرف كل هذه المبالغ للأمن، لكن الأسلم و الأكثر جدوى للجميع هو "إلى أي مدى يمكن أن تخدم هذه نسب القضايا الأمنية للمواطن الفلسطيني".

العقل الأمني

المحلل السياسي أكرم عطا لله، يؤكد بدوره لـ"الاستقلال" أن صرف هذه الميزانية للأمن هو تفسير للعقل الأمني الذي يسود مؤسسة السلطة في الجانبين، مبينا أن الجميع يعرف بأن أجهزة الأمن حالة تشغيلية منذ البداية ، وتخصيص الموازنات الكبيرة للأمن مؤشر على انقلاب الأولويات الذي يقود الدولة.

 وعن قراءته للميزانية الأمنية وانعكاسات ذلك على الأرض، أكد عطا الله أن تراجع الأولويات يؤدي إلى تراجع المجتمع المدني من حيث التطوير والتنمية.