خبر عرب يطالبون تركيا بمواجهة « إسرائيل » وإيران ..ياسر الزعاترة

الساعة 08:52 م|23 يونيو 2010

عرب يطالبون تركيا بمواجهة "إسرائيل" وإيران ..ياسر الزعاترة 

منذ شهور طويلة (ليس فقط إثر معركة أسطول الحرية)، لا تذكر تركيا إلا ويحضر في الوعي العربي حلم المواجهة (مواجهة تركيا العدالة والتنمية) لدولة الاحتلال الصهيوني من جهة، ولإيران من جهة أخرى، فيما لا تبدو تركيا في مزاج مواجهة شاملة مع أي من الطرفين إذا أخذنا كلمة مواجهة بمعناها الحقيقي، أقله في المرحلة الراهنة.

 

تجدر الإشارة إلى أن قضية المواجهة مع إيران لا تحضر في الوعي العربي بذات القدر، لكن شيوع الحشد الطائفي في المنطقة، خاصة في العراق وإثر المعادلة التي ترتبت على احتلاله، هو الذي يضعها في المرتبة الثانية بعد الصهاينة (في المرتبة الأولى عند البعض)، لاسيما أن سياستها في العراق تبدو "مذهبية" إلى حد كبير، وتنطوي على الكثير من الاستفزاز لعموم أهل السنّة في المنطقة.

 

لا خلاف على أن لتركيا (أردوغان) سياسة مختلفة فيما يتعلق بالدولة العبرية، وجاءت معركة أسطول الحرية لتزيدها توترا، لكن ذلك لا يتم على قاعدة المواجهة الشاملة التي يريدها الشارع العربي، بل على قاعدة التوازن التي غابت عن سياسات العسكر الأتراك قبل ذلك، مع العلم أن جزءا أساسيا من تلك السياسة (في حالة أردوغان) يأتي في إطار مغازلة الرأي العام التركي الذي يتعاطف بقوة مع القضية الفلسطينية، وفي سياق من حشده (أعني الرأي العام المحلي) في مواجهة العسكر والقوى العلمانية التي لم تغادر مربع التربص بالحكومة والعمل ضدها.

 

والحال أن ما يدفع الجماهير العربية نحو تقييم مبالغ فيه بعض الشيء للموقف التركي إنما يتعلق ببؤس المواقف العربية، لاسيما الشقيقة الكبرى التي تضيف إلى حصار غزة، وضع الضفة في أحضان الجنرال الأميركي دايتون وصاحبه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير (مشرف برنامج السلام الاقتصادي كما يسميه نتنياهو)، ولو كانت تلك المواقف (المواقف المصرية والسعودية على وجه الخصوص) أقرب إلى خطاب دول الممانعة لكان التقييم مختلفا، لاسيما أن العلاقات الاقتصادية بين أنقرة وتل أبيب لم تتغير كثيرا إلى الآن، فيما تتراجع العلاقات السياسية (لم يعد السفير التركي إلى تل أبيب حتى الآن)، وتبقى العلاقة الأمنية والعسكرية التي تراجعت بقدر كبير.

 

قبل أسبوعين من معركة أسطول الحرية حققت الدولة العبرية إنجازا سياسيا واقتصاديا كبيرا تمثل في الحصول على عضوية منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، وهو الإنجاز الذي كان بوسع تركيا إفشاله، لاسيما أن قانون المنظمة يقضي بموافقة جميع أعضائها دون استثناء على ضم عضو جديد (معارضة عضو واحد تكفي لرفض طلب العضوية)، ولما حاولت تركيا مقايضة موقفها بموافقة تل أبيب على إدخال بعض البيوت الجاهزة لقطاع غزة، رفض نتنياهو ذلك، وقال إن بالإمكان مناقشة الأمر في وقت لاحق دون ربطه بالقرار، وهو ما كان بالفعل، ولا نعرف هل وقع إدخال بعضها أم لا.

 

يدرك أردوغان وأصحابه حجم العلاقة الخاصة التي تربط الدولة العبرية بالولايات المتحدة، وهم لذلك يراوحون في مواقفهم، لكنها في كل الأحوال أفضل بكثير، بل بكثير جدا، من مواقف عدد كبير من الدول العربية التي يتردد أن بعضها قد أخذت تحرّض على أردوغان نظرا لما تسببه مواقفه من إحراج لها أمام الجماهير.

 

من جانب آخر يبدو التوجه التركي نحو الدول العربية تعبيرا عن خدمة حقيقية للمصالح التركية، فالسوق العربية (الإيرانية أيضا) أكثر استقبالا للصناعات التركية من الأسواق الغربية، كما أن الانتماء للفضاء الأوروبي لازال حلما بعيد المنال، ومن العبث التعويل عليه أكثر من اللازم، من دون أن يعني ذلك التخلي عنه، لاسيما أن تركيا عضو في حلف الناتو.

 

في الجانب العسكري والأمني، لا يمكن مطالبة أردوغان الذي لم يحسم تماما معركته الداخلية، أن يدخل في معركة واسعة النطاق مع الدولة العبرية، ستكون كلفتها عالية في سياق العلاقة مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبيرة (فرنسا وألمانيا على وجه الخصوص)، ولذلك فإن الخطوات التي اتخذها على صعيد عدم إشراك الجيش الإسرائيلي في عدة مناورات أجراها وسيجريها الجيش التركي تبدو بالغة الجرأة والأهمية، لاسيما أن الجيش الإسرائيلي كان شريكا دائما فيها، فضلا عن إلغاء بعض الصفقات العسكرية.

 

أما على الصعيد الأمني، فإن الوضع بالغ الصعوبة أيضا، ولا يعرف كيف سيتصرف أردوغان على هذا الصعيد. فحسب صحيفة الصنداي تايمز البريطانية يتخوف الإسرائيليون من إمكانية قيام الأتراك بإغلاق قاعدة استخبارات إسرائيلية موجودة على الأراضي التركية. وقال مصدر إسرائيلي مطلع للصحيفة إنه "إذا حصل هذا، فإن إسرائيل ستفقد أذنيها بل وأنفها، الذي يراقب الساحة الخلفية لإيران". وحسب الصحيفة، ونحن ننقل هنا عن صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، فإن معنى ذلك أن الحصار الفاشل على غزة أدى إلى إضعاف الدفاع عن إسرائيل حيال تهديد أكبر بكثير، هو تهديد القنبلة النووية الإيرانية".

 

خلاصة القول هي أن تركيا أردوغان ستحسب خطواتها بدقة على صعيد العلاقة مع الدولة العبرية، وهي ستبقى في حدود الدعم السياسي والإنساني للفلسطينيين، ولن تصل في أحسن الأحوال حدود مواقف دول الممانعة، الأمر الذي قد يأخذ في التقدم لو تغير الموقف العربي العام، وانحازت دوله الكبرى (مصر على وجه الخصوص وقوى محور الاعتدال) لخيار المقاومة، بدل الانحياز ضده كما هو الحال الآن.

 

نأتي إلى إيران التي يريد العرب من تركيا مواجهتها أيضا، لاعتبارات مذهبية في الغالب، وهنا يمكن القول إن تركيا ليست في وارد الدخول في معركة مع إيران رغم بداية شعور سياسييها بالنكهة المذهبية للقيادة الإيرانية (لم يكونوا يشعرون بذلك في السابق)، وإذا قيل إن الحديث يجري عن توازن تصنعه تركيا مع النفوذ الإيراني، فإن ذلك ممكن بقدر ما، لكنه لن يكون قادرا على لجم الطموحات الإيرانية بالكامل في حال لم يتماسك الوضع العربي الرسمي ويعرف ما يريد على مختلف الأصعدة، أكان في سياق الصراع مع المشروع الصهيوني، أم في سياق التعاطي مع طموحات إيران، ولو وقع التماسك المنشود لما احتاج العرب ولا تركيا لمنطق المواجهة مع إيران، لأن التفاهم معها سيكون ممكنا لما فيه مصلحة الأمة الإسلامية، وليس صحيحا أنها (أي إيران) بصدد التحالف مع أميركا ضد العرب (معركة المشروع النووي ليست مجرد مسرحية)، هي التي تغازل جماهيرهم عبر دعم المقاومة في فلسطين ولبنان (يبقى سلوكها السيئ في العراق)، ولو تحالفت مع أميركا بالفعل لكانت خسارتها مؤكدة، لأن هذه المنطقة وشعوبها ليست قطعانا يمكن سوقها في أي اتجاه، وليدلنا من يقولون ذلك على أي خطة أميركية إسرائيلية نجحت في السنوات الأخيرة.

 

والحال أن تردي الوضع العربي إنما جاء بسبب تراجع الأنظمة وعلى رأسها الشقيقة الكبرى، وقد تابعنا هذا التردي في أبهى صوره في الملف الفلسطيني كما أشير من قبل، ومن ثم العراقي، والآن في استخفاف دول حوض النيل بمصر وأمنها القومي، وهذا الوضع هو ما شجع نتنياهو على الغطرسة، وسمح لإيران بالتمدد، ولولا حيوية الشعوب العربية وقواها المقاومة لكان الوضع أسوأ بكثير، فالمقاومة هي التي أفشلت المشروع الأميركي الصهيوني في العراق (وإن ترتب على ذلك وضع البلد ضمن إطار النفوذ الإيراني وفي حالة من الصراع الداخلي الرهيب)، وهي (أي قوى المقاومة) التي عطلته في فلسطين ولبنان.

 

الآن، يمكن القول إن نتائج المواجهة الأميركية مع إيران ومشروعها النووي، ومعها تطور الدور التركي، إضافة إلى معادلة التغيير في مصر، هي العناصر الأكثر تأثيرا في مستقبل المنطقة، ولا شك أنه من دون عودة مصر إلى دورها المحوري، وبعد ذلك تماسك المحور الثلاثي المشكل منها ومن السعودية وسوريا، فإن الوضع سيكون سيئا، وستكون مهمة قوى المقاومة في إفشال الهجمة صعبة إلى حد كبير.

 

من هنا، فإن مهمة القوى الحية هذه الأيام لا تتمثل في التركيز على تمجيد أردوغان، مع أنه يستحق ذلك (ليس وحيدا بالطبع، وإنما الرئيس عبد الله غل والرموز الكبار في الحكومة أيضا، فضلا عن الإسلاميين الذي صاغوا ملحمة الحرية بقيادة نجم الدين أربكان)، بل في العمل على إحداث تغيير في الوضع العربي يفرض مسارا آخر، لاسيما في مصر والدول المحورية الأخرى، لأن أي جهد تركي مهما بلغ وزنه لن يكون كافيا لإحداث التغيير، حتى لو تحركت معه دول الممانعة، وبذلك تكون مسؤولية تلك القوى كبيرة، لأن الأزمة تشمل سياسات الداخل والخارج في آن، ما يعني أن التغيير الشامل عبر نضال سلمي واسع النطاق هو ما ينبغي أن تشتغل عليه، وليس مجرد الترقيع السياسي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.