خبر أيمن خالد يكتب:عندما ينصاع الزعماء العرب لامريكا بقرار عربي مستقل

الساعة 09:19 م|22 يونيو 2010

عندما ينصاع الزعماء العرب لامريكا بقرار عربي مستقل ..أيمن خالد

في عام 1980 بدأت فكرة خط النفط الشهير ـ باكو- تبليسي-جيهان. وهو الذي في صيف 1995 بدأ يضخ قرابة مليون برميل متوقعة، وكان هذا الخط قد بني لينقل نفط بحر قزوين الى المتوسط، ولاحقا أعلنت كازاخستان المجاورة، أنها باتت مساهمة في نقل نفطها عبره، وهذا الخط المراقب بالأقمار الصناعية، والمحمي جيدا، كان في لحظة معينة في العقل الأمريكي، بمثابة بديل نفطي هام عن نفط الخليج، إضافة إلى حقول نفط ساوتومي وبرينسبيل التي اعتبرها الأمريكيون في حينه بمثابة هدية نادرة لواشنطن.

هذا الخط كان مقررا له أن ينتهي في تل أبيب، إضافة إلى خط مائي بجواره كان سيمتد تحت البحر، لينقل ماء تركيا لصحراء النقب، لجلب ملايين المهاجرين الجدد.

وعند احتلال العراق، كانت خطة تطوير نفط كركوك ذات أولوية هامة، وعند انجاز هذه الملفات، وبعد أن بلغت عنجهيتها في المجال العسكري ذروته، فكرت بإخضاع اقتصاديات العالم اجمع لها، فقد أصبحت هناك بدائل نفطية تكفي حاجة أمريكا للاستغناء عن نفط الخليج مدة ستة أشهر، وكانت بالأفق ثمة فكرة، تؤدي إلى إغلاق الخليج العربي فترة محددة، تتسبب بحجب النفط عالميا، وهو جنون أمريكي، عندما تحول إلى مسألة إعلامية فقط، وعندما أصبح الإعلام يضخ فكرة احتمال إغلاق الخليج العربي عبر حرب مفتعلة ضد إيران، كانت النتيجة أن برميل النفط قفز إلى 150دولار في حدث نادر، أدى إلى تضرر الاقتصاديات في أمريكا نفسها، من مجرد شائعة فقط، بينما الذي استفاد من فكرة حرب في الخليج، هم أصحاب النفط أنفسهم، الذين باعوا النفط بأسعار مضاعفة، ساهمت بإدرار ملايين الدولارات الإضافية على الخزينة الإيرانية وهي ملايين خففت من أعباء كلفة البرنامج النووي الإيراني الداخلية التي كانت فكرة الحرب في الإعلام أساسا بقصد إيقافه.

هناك برنامج أمريكي لتطويع المنطقة وتوظيف الدول والحكومات، استلزم هذه البدائل النفطية، لكن هذا البرنامج وهذا النمط من الفكر السياسي، لم يعد يناسب تركيا، وبالتالي تتوقف أمريكا لأول مرة في حياتها، ومنذ الحرب العالمية نحو نموذج جديد عليها، يتطلب منطقا مختلفا، فليست هي تركيا التي يمكن إرهابها بالقوة، ولا هي التي يمكن أن تتضرر اقتصاديا من أي محاولة أمريكية، ولا هي التي يمكن أن يضر بها إعادة شحن بعض دول الجوار ضدها مثل أرمينيا واليونان، وحتى الملف الأخير المتعلق بحزب العمال الكردستاني، الذي حركته إسرائيل وفق ما ذكرته وسائل إعلام تركية، وفي حين نفى الناطق باسم حزب العمال هذه العلاقة من خلال فضائية أجنبية، إلا أن إثارة السؤال تركت رسالة واضحة إلى أمريكا وإسرائيل، مفادها إن فكرة الحرب بالوكالة، لن يسكت عنها الأتراك وهم سيشيرون من خلال إعلامهم الحر، إلى اليد الأمريكية وبالتالي، فالإعلام الحر في هذه المعادلة يشكل لأمريكا عائقاً لأي خطوة أمريكية يمكن تفسيرها داخل تركيا بأنها أضرت بمصالح تركيا الوطنية.

فالموقف الأمريكي من هذه المعادلة أيضا يضعف موقف الجيش ويشغله بمسائل سياسية معقدة، وليست هي بمسافة بعيدة، أن يكون الطلاق بين قادة كبار في المؤسسة العسكرية التركية وبين أمريكا بسبب حزب العمال الكردستاني، وربما تكون مأثرة حزب العدالة، انه كشف بوضوح أن مستقبل تركيا في أوروبا مسألة لم تعد واقعية، ووقف في وجه احتلال العراق، وختم المسألة بكشف صفحة إسرائيل السوداء تماما، وبالتالي فما يفعله حزب العدالة من خلال الآلة الإعلامية، انه يرسم خطوطا أخلاقية للسياسة التركية، سيصبح كل من يفكر بتجاوزها مستقبلا ينظر إليه شعبيا بمنظار الخائن. هنا تركيا، هنا ليست إيران، التي تضخ الآلة العسكرية المليارات تحت ذريعة الخطر النووي الإيراني، وهنا ليست روسيا، التي هي قوة نووية، ولكن هنا تركيا، التي إذا أرادت أمريكا صناعة الفوضى في داخلها فهي تعرف أن خسارتها كبيرة، فالنفط ما بين كركوك وباكو تبليسي جيهان، سيكون بخطر، فأمريكا لا تملك طريقا لجر نفط قزوين وكازاخستان وكركوك إلا عبر تركيا، التي يجب أن تكون مستقرة حتى يكون وصول النفط مستقرا، وإذا أرادت أمريكا تصعيد الخلافات مع الجوار، فأمريكا لن تنجح بذلك لان دبلوماسية تركيا عملية، وذات فوائد عاجلة، بينما الدبلوماسية الأمريكية مجرد قروض وفوائد على القروض، وإنهاك بعيد الأجل، فحلفاء أمريكا لديهم من الأزمات، يمكن أن تساهم تركيا في حلها بشكل حقيقي وليست أمريكا أو حتى الاتحاد الأوروبي، واليونان مثال قريب.

إن أي خطأ في السياسة سيكون له ثمنه المناسب، وان استقرار تركيا بات أمراً محتوما، لان بوابة تركيا هي بوابة أوروبا، وهي بوابة العراق وغيره من الأماكن الشائكة، وبالتالي لكل ذلك الاستقرار ثمنه، الذي تستفيد منه تركيا وتعمل على توظيفه بشكل جيد.وربما نفرض جدلا، ماذا سيحدث عندما يحكم القوميون تركيا في انتخابات مفترضة، فهل سيقدمون الحلوى لإسرائيل، وهي التي طعنتهم بالظهر في كردستان، وهل سيعيدون البلاد اقتصاديا إلى الوراء كما كانت قبل حكم حزب العدالة؟ ثم أي وظيفة سيعملون بها عند أمريكا ستجعل منهم صغارا في بلادهم وبين شعوبهم، وأما الجيش الذي ربما يخطر ببال أمريكا يمكن استخدامه، فهذا الجيش المحاصر بحزب العمال من جانب، وبالوعود التاريخية في الكذب عليه، فهو سيغامر مقابل أي ثمن يتلقاه؟

أمريكا عاشت الأزمة مع تركيا مبكراً، وليس فقط منذ دافوس، وأكاد اجزم أن انتخاب اوباما جاء نتيجة عشق أمريكا للنفط، وكان اختيار أوباما، مجرد فاصل إعلاني صغير، رفع خلالها أوباما خطابا خاصا للمسلمين، ولكننا سننتظر بعد اوباما إجابات أمريكية كثيرة، تحدد شكل أمريكا المستقبل، فهل هي أمريكا التي تريد كل شيء بمنطق العنجهية، أم أمريكا التي ستفكر بكثير من التروي.ولكن بكل الأحوال ستكون لأمريكا طريقتها الخاصة في التعامل مع تركيا.

نحن في زمن مختلف تماما ، تتغير فيه كل الدنيا، إلا الزعماء العرب، الذين يقدمون الطاعة والولاء لأمريكا، باختيارهم وليس رغما عنهم، فأمريكا لا لم تعد تستطيع أن تملي تعليماتها حتى على قراصنة في الصومال، لكن الزعماء العرب يفعلون كل ذلك الانصياع، بقرار عربي مستقل.

 

' كاتب فلسطيني