خبر دعوات إعلامية لحظر التحريض الفلسطيني الداخلي

الساعة 05:20 م|22 يونيو 2010

دعوات إعلامية لحظر التحريض الفلسطيني الداخلي

فلسطين اليوم: رام الله

في مؤتمر عن دور الإعلام في الإنقسام الفلسطيني نظمته مؤسسة مواطن في رام الله مؤخرا قُدمت أوراق عمل ودراسات أكدت الإنطباعات العامة عن الدور السلبي الذي لعبه الإعلام الفلسطيني في ذلك الإنقسام. اصطفت وسائل الإعلام الحزبية فور الإنقسام بحسب ولاءاتها, ثم سرعان ما أطلقت حملات تشويه وتشهير بإتجاه الطرف الآخر تجاوزت كل الحدود الحمراء. في جلسات المؤتمر التي ناقشت الإعلام الفتحاوي والحمساوي و"المستقل" بأشكاله المتنوعة, التلفزيونية, والإذاعية, والصحافية, والألكترونية كانت النتيجة واحدة ... وكارثية. انحدرت وسائل الإعلام تلك إلى الدرك الأسفل وأخرجت خصمها الفتحاوي أو الحمساوي, بحسب وسيلة الإعلام, من كل دوائر الوطنية. أهم وسائل التأثير الإعلامي كما نعلم جميعا هي التلفزيون, وفي حالتي تلفزيون فلسطين وتلفزيون الأقصى أثبتت الأمثلة والشواهد الإحصائية التي قدمت إلى المؤتمر (ومن المؤمل ان تصدر في كتاب) أن هذه الوسائل الإعلامية تخلت عن وظيفتها الإساسية المتمثلة في إيصال المعلومة ومناقشة الآراء المختلفة,  والأسوأ من ذلك انها جندت نفسها لتلعب دور شاعر القبيلة الهجاء الذي يرى الملائكة في قبيلته والشياطين في قبيلة الآخر. 

 

ربما ير البعض أن مؤتمرا حول هذا الموضوع لن يأت بجديد في هذا الشأن ذلك أن سوء أداء الإعلام الفلسطيني خلال الإنقسام, وحتى الآن في بعض جوانبه, كان مُشاهدا من قبل الجميع ولا يحتاج لإثبات. وقد يكون في تلك الملاحظة صحة ما, لكن المداخلات التي قدمها أكاديميون وصحفيون فلسطينيون والنقاشات التي تلتها أفرزت ثلاثة أمور مهمة. الأول هو إعادة النظر في مسألة دور الإعلام الفلسطيني الإنقسامي عن طريق تقديم دراسات إحصائية قائمة على متابعة ورصد لفترات زمنية مختلفة, وليس إنطباعات وأمثلة متفرقة. أي أن جوانب كثيرة مما هو معروف ومترسخ في الأذهان تم فحصه وإثباته بتحليل عملي ومنهجيات غير إنتقائية. الأمر الثاني فتح النقاش في هذا الموضوع المفصلي بشكل مكثف ومن زاوية استخلاص النتائج والدروس, وعبر مشاركة من قبل إعلاميين هم في قلب الميدان. وقد أشار أكثر من مُشارك إلى أن هذا النقاش يكاد يكون الأول لناحية التكثيف والتركيز على دور الإعلام في الإنقسام, وهو أمر مثير للدهشة حقا إن كان دقيقا ذلك أنه من المشروع توقع خضوع هذا الأمر لنقاشات كثيرة ومسبقة بسبب أهميته وبروزه في وجه الجميع خلال السنوات الثلاث الماضية.

 

لكن الأمر الثالث, والأهم, هو ما تم طرحه من أفكار ومقترحات لترشيد الإعلام الفلسطيني (خاصة الفتحاوي والحمساوي) وعقلنة التعبير عن الخلاف السياسي والبحث في آليات ممكنة التطبيق لتحقيق ذلك. في هذا السياق يتوجب الإنطلاق من نقطة واقعية أساسية هي الإقرار الأولي بالخلاف والتعددية السياسية كأحد جوانب الحياة التي لا فكاك منها. ليس هناك إجتماع سياسي بشري يريد تبني الحد الأدنى من الصيغ الديموقراطية لإدارة شؤونه العامة إلا ويتصدره الخلاف والتنافس السياسي. لا يغيب هذا التنافس إلا في حالات الإستبداد والكبت وسيطرة طرف ما على مفاصل القوة والسلطة والثروة وقهر كل الآخرين وإزاحتهم عن الساحة بإستخدام آليات دكتاتورية. معنى ذلك ان الخلاف السياسي ومهما بلغت حدته هو ظاهرة بشرية طبيعية يجب أن لا تخيف الناس ولا أن تصيبهم بالإحباط واليأس. لكن المهم هو كيفية إدارة الخلاف السياسي والسيطرة على آليات الخلاف لتظل سلمية بالدرجة الأولى وتقوم على الإعتراف بحق الآخر في الوجود السياسي وليس نفيه أو إقصاءه.

 

أهم اقتراح تناوله المؤتمر كان الدعوة لتشكيل مرصد أو هيئة وطنية عليا وغير رسمية لمراقبة التحريض الداخلي, وظيفتها متابعة وسائل الإعلام وإصدار تقارير وبيانات دورية تكشف المواد التحريضية وتدينها وتخلق رأي عام واسع ضدها. ويشرف على مثل هذه الهيئة مجموعة من منظمات المجتمع المدني والشخصيات الإعتبارية المستقلة التي تحظى بإحترام وقبول من كافة الأطراف ومعروفة بنزاهتها وحرصها على المصلحة الوطنية. ويتأسس عمل مثل هذه الهيئة على صوغ مجموعة من الأخلاقيات الإعلامية والمصطلحات المتوافق عليها وتهدف إلى إزاحة كل مخلفات اللغة الإقصائية والتخوينية والتكفيرية التي أنتجها إعلام الإنقسام.