خبر إسرائيل تفلت من الصنارة .. كريس دويل

الساعة 11:57 ص|22 يونيو 2010

بقلم/ كريس دويل (الغارديان)

الرجل نفسه الذي كان قد أمر بشن الهجوم على أسطول المساعدات إلى غزة، هو الذي شكل لجنة التحقيق في الحادثة، وهو الذي اختار أعضاءها وحدد مهمتها، وهو الذي أعلن ما خلصت إليه من نتائج حتى قبل أن تباشر عملها.

وقد أظهرت ابتسامة بنيامين نتنياهو الصفراء رئيس وزراء إسرائيلي واثقا من أنه قد تمكن من مواجهة الاحتجاجات الدولية على الهجوم الإسرائيلي على أسطول السفن الذي كان يحمل المساعدات إلى غزة، مبعداً الضغوط المطالبة بالتحقيق في الهجوم بإجراء تحقيق وصفته حتى الصحيفة الإسرائيلية "هآرتس" بأنه "مهزلة".

وبالنسبة لأولئك الذين لا يمتلكون كرات بلورية لقراءة المستقبل، أخبرنا نتنياهو من باب المساعدة بأن التحقيق سيظهر أن إسرائيل اتخذت "إجراءات دفاعية مناسبة وفق أعلى المعايير الدولية". حسنا، سوف يقول تحقيقه ذلك، ونحن واثقون من ذلك.

هل تكون هذه عودة إلى تحقيق "ويدجري" في أحداث يوم الأحد الدامي الذي وجد، على نحو زائف، أن المدنيين هم الذين فتحوا نيران أسلحتهم على الجنود البريطانيين أولا؟ (قالت إسرائيل إن المدنيين هم الذين هاجموا اولا، وكأن اعتلاء السفن لم يحدث ابدا). ودعونا نأمل أن لا يستغرق الأمر 38 عاما قبل العثور على حائك ماهر يميط اللثام عن الحقيقة، وعن شخص ما ليبرر مجزرة يوم الاثنين الدامي مثلما كان حال المجازر الإسرائيلية الأخرى.

كان رئيس لجنة التحقيق، جاكوب تركل، قد قال إن حمل أناس على تقديم شهادات يعد موضوعا هامشيا، ولن يدلي الجنود الإسرائيليون بشهاداتهم في التحقيق. فهل سيتعاون أي من الناشطين مع هذه المحكمة الكنغارو أو يثق فيها؟ وهل سيشعر ناشط سلام ما كان قد أوسع ضربا على يد الجنود الإسرائيليين، وشهد مقتل وجرح عدد من زملائه بالأمان كي يعود ثانية؟ وهل سيتم الإفراج عن كافة الصور وأشرطة الفيديو من دون مساس بعد مصادرة السلطات الإسرائيلية لها، بشكل غير قانوني؟ لقد كانت إسرائيل سريعة جداً في إطلاق صورها المنتقاة والمحررة بعناية للهجوم على الأسطول.

من جهتها، رفضت تركيا، على نحو مفهوم، هذا التحقيق. ويتطلب إجراء تحقيق يتم التعاون فيه مع تركيا من أجل تقاسم النتائج التي يتم التوصل اليها بعد تشريح جثث المدنيين الاتراك التسعة الذين قتلوا. وتظهر النتائج التركية، كما ذكر، أن احد الضحايا أصيب بخمس طلقات نارية أطلقت عليه من مسافة تقل عن 45 سم.

لقد انتقى نتنياهو، باليد، اثنين من المراقبين الدوليين، بمن فيهما اللورد تريمبل، الذي كان قد شرع يوم الهجوم على الأسطول في تشكيل "مبادرة أصدقاء إسرائيل". ولن يسمح لهذين المراقبين بالتصويت على ما يخلص إليه التحقيق من استنتاجات. وفي حالة احتياجها إلى ذلك، تستطيع اللجنة ان تعقد جلسات مغلقة كما تراه مناسبا.

فلا تتوقعوا من فريق التحقيق أن يكون ساذجا إلى حد إصدار تقرير يبرئ ساحة الأعمال الإسرائيلية جملة وتفصيلا. ومما لا شك فيه أنه ستكون هناك إشارات إلى بدائل كان يجب استخدامها، كما وإلى عيوب عملياتية، ومناطق رمادية في القانون الدولي ودروس ينبغي تعلمها.

لو كانت الأعمال الإسرائيلية مشروعة، ولو كان تصرف جنودها لائقاً وقانونياً، فما الذي يجعل إسرائيل تخاف؟ وإذا كانت تريد استعادة صورتها، فإنه لن يكفي حينذاك تشكيل لجنة تحقيق مناسبة مستقلة ترفع استنتاجاتها إلى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة فقط. ويجب ان تتمتع هذه اللجنة بكامل الصلاحيات التي تجعل من امر التعاون معها ملزما لكافة الاطراف، بما فيها إسرائيل وتركيا والناشطين. ويجب تحميل المسؤولية لأي طرف تجده اللجنة مسؤولا عن ارتكاب أعمال غير قانونية.

يظل سجل إسرائيل في التحقيق مع نفسها سجلا بائسا إلى حد مدهش. وحتى عندما وجدت لجنة كاهان التي كلفت بالتحقيق في مجازر مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين (في بيروت في العام 1982) أن آرييل شارون يتحمل "مسؤولية شخصية" عن الحدث، فقد احتفظ بحقيبته الوزارية في حكومة بيغن، وكان قبل ذلك بكثير قد تبوأ منصب وزير الخارجية قبل أن يرتقي في نهاية المطاف ويحتل منصب رئيس الوزراء.

كما أن لجنة شمغار التي كانت قد شكلت للتحقيق في المذبحة التي أودت بحيوات 29 فلسطينيا في الحرم الإبراهيمي في الخليل في العام 1994، أعفت كلا من الجيش الإسرائيلي وزعامة الاستيطان من المسؤوليات كافة، واوصت بتقسيم الحرم الإبراهيمي الذي كان مسجدا للمسلمين على مدار 1400 عام تقريبا (بين العرب واليهود).

أما لجنة لانداو التي كلفت بالتحقيق في أساليب التحقيق الإسرائيلية، فلم تكتف بعدم اتخاذ أي إجراء وحسب، وإنما اعتبرت أن لإسرائيل الحق في "استخدام الضغط الفسيولوجي المعتدل" الذي يعني التعذيب بالنسبة لنا جميعا، حتى إنها حددت في الجزء السري من التقرير كيفية عمل ذلك بالضبط. وفي الغضون، يستمر التعذيب مستخدماً في الوقت الراهن حيث تحدثت تقارير حديثة عن فتى فلسطيني عمره 15 عاما، هدد بممارسة التعذيب ضده باستخدام توصيل أسلاك بطارية سيارة في يديه وأعضائه التناسلية.

وفي حين وجد تحقيق أجرته الأمم المتحدة في هجوم إسرائيل على غزة أن هناك دليلا على احتمال ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، حاكم تحقيق إسرائيلي أولي جنديا واحدا وحسب، بسبب استخدامه بطاقة ائتمانية مسروقة. ولأن التاريخ يعيد نفسه كما يبدو، فقد انتهى المطاف ببطاقة ائتمانية تعود لأحد الناشطين على متن أسطول الحرية وهي تستخدم في تل أبيب.

تمتد الحصانة الإسرائيلية لتشمل الجنود والمستوطنين في الأرض المحتلة. وقد ذكرت مجموعة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسليم" أنها لم تجر طوال سنوات محاسبة المستوطنين على جرائمهم قط. وفي الأثناء، حكم على الحاخام موشي ليننغر، وهو من عتاة قيادات الاستيطان في الخليل، بالسجن خمسة أشهر لقتله فلسطينياً، ثم خفض الحكم إلى أربعة أشهر سجن فقط. وبينما تجتذب الإصابات في صفوف الغربيين المزيد من الاهتمام من جانب السلطات الإسرائيلية والإعلام الدولي، فإنه نادرا ما تبع ذلك تحقيق العدالة، حيث ما تزال عائلات راشيل كوري أو توم هارندال اللذين قتلهما جنود إسرائيليون في انتظار سماع الحقيقة حول ما الذي حدث مع أحبتهما إلى اليوم.

والتساؤل الذي يفرض نفسه هو: كيف يتوقع من حكومة تستخدم القوة المفرطة ضد المدنيين والتعذيب وتعتقل الأطفال من دون محاكمة وتسرق أراضي وموارد شعب آخر، وتهدم منازله وممتلكاته وتنتهك العديد جدا من القوانين والمواثيق التي يصعب حصرها وتعدادها على صفحة واحدة، ان تحاسب نفسها؟

من المحزن ان ثمة وزراء بريطانيين ممن رحبوا فعلياً بالتحقيق الإسرائيلي، على الرغم من وجوه التقصير فيه وافتقاره إلى الاستقلالية. وقد أثيرت شبهات حول أن القبول بهذه المسرحية الهزلية قد جاء في مقابل تخفيف تجميلي للحصار على غزة، وليس رفعه التام والنهائي كما تمس الحاجة.

لكن المجموعة الدولية والولايات المتحدة على وجه الخصوص لا تقول كفى أبدأ. ومثل الطفل المدلل بإفراط، فإن باستطاعة إسرائيل فعل ما تشاء. فهل ثمة غرابة في أن نفاجأ بأن إسرائيل تزور جوازات السفر البريطانية لاغتيال أناس في دول اخرى؟ لقد برز اثر هذا الافتقار إلى تحميل المسؤولية في التقرير الذي وضعته لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة عن الحرب في غزة في العام 2009، التي قالت إن هذا الافتقار قد أفضى إلى ارتكاب إسرائيل مزيداً من الجرائم وحسب.

سوف يكون تلفيق تحقيق حول حادثة الأسطول كيفما اتفق نصرا كبيراً لإسرائيل، تماما مثلما لم يساعد تحقيق "ويدجري" البريطانيين. ونحن نرى حصار غزة وهو يتقوض، فيما يتعرى أمام العالم الذي أصيب بالرعب هذا الحصار البربري الذي تضربه إسرائيل على غزة وتسجنها. وتستعد المزيد من الأساطيل لأن تستفز المزيد من ضربات القوارب الحربية الإسرائيلية وحالات اجتياح المراكب. وتقوى حماس والعناصر الأكثر تشددا في غزة. ولا يطرح القادة الإسرائيليون الأسئلة الصحيحة. ولا يمكن إلا لتغيير في الجذور والفروع في سياساتهم وممارساتهم تجاه الفلسطينيين أن تجلب لهم الأمن والقبول الدولي الذي يظلون يطمحون إليه.