خبر إذا اتصلتم – سيستجيبون في غزة .. هآرتس

الساعة 10:12 ص|21 يونيو 2010

بقلم: كارنيه الداد

لجنة التحقيق الرسمية التي فحصت معالجة مقتلعي غوش قطيف وشمال السامرة روت لنا ما سبق لنا ان عرفناه: معالجة المبعدين مخجلة. حكومتا شارون وأولمرت تلقتا توبيخات شديدة. مواطنون هم ملح الارض، حسب تقرير اللجنة، بنوا بلدات مفتخرة بعمل كد، معدل البطالة في أوساطهم كان صفرا، أقاموا مشروعا زراعيا حديثا ومزدهرا معظم انتاجه مخصص للتصدير، أبناؤهم تجندوا الى الوحدات المختارة، عاشوا كابوسا لم ينته بعد: الطرد، الهدم، البطالة، اللجوء.

كم من الشر والغباء ضروري من أجل ابقاء هؤلاء اللاجئين على حالهم. البيروقراطية والمصاعب تراكمت في وجوههم. صراعات ليست لهم اضطروا فجأة الى الانجرار الى داخلها.

لماذا؟ لماذا لا يشق لهم الطريق، يزاح لهم الحاجز من أمامهم، بحيث يتمكنون من اعادة تأهيل أنفسهم من الصدمة الفظيعة لطردهم من قبل جيشهم هم؟ لو أرادت الحكومات لكان بوسعها أن تحرص على كل واحد وواحد من هؤلاء اللاجئين. هذا هو الدور الاخلاقي لمن يطرد – اذا كانت لا تزال لديه ذرة من الاخلاق – ألا يرتاح وألا يسكت الى ان يكون هناك حقا حل لكل مستوطن.

زوجي، شلومو بشان، تربى معظم حياته في غوش قطيف. وقد طرد من بيته حين كان ابن 25. ولما لم يكن هناك حل لكل مستوطن، لا للمدى البعيد، ولا للمدى القصير ايضا، فان حبيبي، الذي قبل يوم كان يسكن في بيت، وفي محيطه عائلة واصدقاء وذكريات، اضطر الى النوم على مدى شهر ونصف الشهر في رواق فندق. اذ لم يكن أحد يهمه أمره.

بعد شهر ونصف الشهر طرده من هناك عامل أرمني في ذاك الفندق. عندما سأله زوجي كيف انه هو، الذي مر بأفظع من كل شيء، ليس له دولة وهو لاجيء في جوهره يطرد انسان آخر، اجابه ذاك الارمني: كل هذا صحيح. ولكن يوجد لي بيت وسرير أنام فيه. اما أنت، الذي توجد لك دولة وجيش، فقد طردت من قبلهما. الان انصرف.

معظم مؤيدي فك الارتباط تابوا منذ الان. معظم الجمهور بات يرى بأن الطرد لم يحل أي مشكلة أمنية. وتشهد على ذلك حملة "رصاص مصبوب" والصواريخ المتطايرة من خلف الجدار.

كما أنه لم يحسن لوضعنا الدولي – وتشهد على ذلك الاساطيل الى غزة والروح الاعلامية – اللاسامية التي تهب لتنقلها الى الشاطىء. لماذا اذن هدموا 25 مجتمعا وجعلوا سكانها لاجئين؟ لماذا اهانوهم حتى التراب؟ فهل ببساطة، لكراهية المستوطنين؟

لدي سجل لارقام الهواتف القديمة للمناطق. لا زلت أستخدمه احيانا. في هذه الاحيان أحاول ألا أفتح بالخطأ صفحة كفار دروم او نفيه دكاليم، غانيه طل او رفيح يم، مراغ أو نيتسر حزاني، بدولح او غديد، حومش او شانور، نتساريم او آلي سيني، أو أيا من تلك المجتمعات التي محيت، وتناثر سكانها وهم "لاجئون في وطنهم" كما يعرفهم القاضي متصا.

هذه الصفحة في سجل ارقام الهواتف هو شهادة فظيعة على مجتمع كان ذات مرة مجتمعا حيا، كانت له بلدا وحديقة وجنينة، والأمهات كانوا يلتقين الواحدة بالاخرى بعد الظهر ليثرثرن وفي السبوت كانوا جميعا يرتدون الملابس الجميلة ويذهبون الى الكنيس.

هذا المجتمع لم يعد قائما. 25 مجتمعا كهذا لم تعد قائمة. واذا ما اتصلتم بأحد الارقام، لن يكون هناك من يجيب. ولكن في مكان في غزة سيرن الهاتف. وهذا الرنين هو الذكرى الحية في القلب الجريح لـ 8500 لاجيء، يعيشون الان معنا.