خبر تركيا تعيد ترتيب ميزان القوى الإقليمي ..أحمد منصور

الساعة 10:01 ص|21 يونيو 2010

تركيا تعيد ترتيب ميزان القوى الإقليمي ..أحمد منصور

التحذيرات التي أطلقها نواب في الكونغرس الأميركي لتركيا يوم الأربعاء 16 يونيو من كون علاقتها بالولايات المتحدة سوف تتضرر إذا استمرت فيما يرونه مساراً معادياً ل"إسرائيل"، تكشف عن حجم الهلع الأميركي من واحدة من أكثر دول المنطقة تحالفاً مع الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية وحتى حرب أميركا ضد العراق في شهر مارس من العام 2003.

 

ليس هذا فحسب بل إن تركيا هي القوة العسكرية الثانية في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة. كما يوجد بها قاعدة الإمدادات الرئيسية للولايات المتحدة وقوات الناتو في أفغانستان.

 

لكن فيما يتعلق بغزو واحتلال العراق كان لتركيا رأي آخر وعلامة فارقة في العلاقة بالولايات المتحدة. ففي الوقت الذي تبارت دول المنطقة والدول العربية بشكل خاص لتقديم كل الدعم الذي طلبته الولايات المتحدة منها بدءاً من توفير قواعدها وأراضيها لضرب نظام عربي وحتى المشاركة في العمليات ضد العراق، صوت البرلمان التركي ضد توفير الدعم الذي طلبته الولايات المتحدة من تركيا، واستند رجب طيب أردوغان رئيس الحزب الحاكم إلى أن تركيا دولة ديمقراطية ولا يمكن تجاوز البرلمان في قرار سيادي مثل هذا، وكان هذا هو الشرخ الأول في جدار العلاقات التركية - الأميركية المتينة.

 

الشرخ الثاني تمثل في الأسلوب الجديد الذي تعامل به رجل تركيا القوي أردوغان مع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش خلال زياراته للولايات المتحدة، فلم يبد في المقابلات والمؤتمرات الصحفية التي كانت تعقبها أن زياراته تشبه زيارات أي من زعماء الدول الحليفة للولايات المتحدة حيث مثل سياسة جديدة تستند إلى الندية والمطالبة المتبادلة أكثر من كونها سياسة حليفة.

 

ومنذ سقوط الخلافة الإسلامية التي كان مقرها تركيا في الربع الأول من القرن الماضي 1924، ظهر رجل تركيا القوي رجب طيب أردوغان كصانع لسياسة خارجية تركية جديدة، يساعده في ذلك من الشخصيات التركية المتميزة على رأسهم وزير الخارجية الحالي أحمد داود أوغلو، وأوغلو ليس سياسياً محنكاً فحسب بل هو مخطط سياسي واستراتيجي من طراز رفيع، حينما التقيته في المرة الأولى عام 2002 قلت له إن المراقبين يقولون إن الحكومة التركية تسير على هدى الكتابات التي تكتبها والاستراتيجية التي تضعها فقال بثقة كشفت عنها الأيام: «إننا مازلنا في الصفحة الأولى».

 

وتوالت الصفحات بعد ذلك وكان هذا ما يتعلق بالبناء الداخلي لتركيا، وكان أوغلو آنذاك مستشاراً لرئيس الوزراء، بعد ذلك كتب أوغلو كتابه الجديد الذي صدر قبل حوالي عامين وحدد فيه السياسة الخارجية التركية تحت عنوان «العمق الاستراتيجي». وتقوم سياسة العمق الاستراتيجي لتركيا على أنه لا عداوة مع الجيران، وبدأت الحكومة التركية خلال فترة وجيزة إصلاح العلاقات المتوترة مع جيرانها وكانت مشكلة أرمينيا والعلاقات مع اليونان من أعقد هذه المشكلات، لكن الأمر امتد إلى إقامة علاقات مع دول عربية وإسقاط التأشيرة بينها مثل سوريا والأردن ولبنان. ودعيت مصر إلى الدخول في هذه الاتفاقيات لكن الغيبوبة التي يعيشها النظام السياسي المصري جعلته يتعامل مع السياسة التركية بخوف وحذر وترقب.

 

لكن تركيا استمرت في مسيرتها، حيث تجني كل يوم ثماراً جديدة وتأخذ كل يوم بعداً جديداً في دورها الإقليمي الذي لم يعد ينكره أحد.

 

وكان من الطبيعي أن يصطدم هذا الدور مع الدولة الرئيسية الأقوى في المنطقة وهي "إسرائيل"، ورغم أنها كانت حليفاً لتركيا إلا أن حكومة أردوغان التي ورثت ملفاً مثقلاً من المعاهدات والاتفاقيات طويلة الأمد مع حكومة "إسرائيل" ما كان لها أن تفلت بسهولة منها، حتى وقع ما وقع بين أردوغان ورئيس "إسرائيل" شيمون بيريز في دافوس في العام الماضي فأخذت العلاقات بين البلدين منحدراً بالغ الخطورة بدأ بإلغاء بعض المناورات المشتركة وتطور إلى إلغاء عقود واتفاقيات.

 

لكن الاعتداء الإسرائيلي على قافلة الحرية التي كانت متجهة إلى غزة ومقتل تسعة من الأتراك نقل العلاقات التركية الإسرائيلية إلى منحدر عميق وصل إلى حد تهديد تركيا بأن يتم الوصول بالعلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوى، كما تم إلغاء كثير من العقود والاتفاقات العسكرية والاقتصادية بين البلدين وقد نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في عددها الصادر في 17 يونيو أن تركيا قامت بتجميد صفقات دفاعية مع "إسرائيل" تقدر قيمتها بمليارات الدولارات يبلغ عددها ست عشرة صفقة بينها صفقة تتضمن ألف دبابة من طراز ميركافا مارك 3 كانت قيمتها تبلغ خمسة مليارات دولار، وصفقة قيمتها أكثر من 600 مليون دولار لشراء طائرات فانتوم إف 4 وكذلك إلغاء صفقة من طائرات إف 5 وطائرات دورية وأنظمة إنذار مبكر وغيرها.

 

هذه الإجراءات التركية أصابت "إسرائيل" وأعوانها لاسيما في الولايات المتحدة بالصدمة والغضب ففي ظل تقوية أواصر العلاقات التركية مع سوريا والأردن ولبنان والعراق وباقي دول المنطقة سوف تصبح "إسرائيل" معزولة بحق حيث كان الشريان التركي منذ قيامها يمثل أقرب شريان قوي لها وسط عزلتها من جيرانها إلا من بعض الحبال العربية التي ليس لها أي قبول شعبي.

 

وإن السياسة التركية الجديدة التي تعيد موازين القوى الإقليمية في المنطقة والتي تضر بشكل أساسي ب"إسرائيل" والولايات المتحدة سوف تصنع أعداء كثيرين جدداً لتركيا لن يقفوا عند حد العداء المباشر من "إسرائيل" والولايات المتحدة ولكن ربما تنضم إليهم بعض الأنظمة العربية المهترئة والمهزوزة والتي ترى من المد التركي خطراً عليها. ومن ثم فنحن أمام مشهد إقليمي جديد تتضح فصوله يوما بعد يوم ويفتح فيه أرودغان وأحمد داود أوغلو كل يوم صفحة جديدة. 

 

صحيفة الوطن القطرية