خبر مجازر الاحتلال ما زالت ماثلة في عقول الأطفال بغزة

الساعة 06:29 ص|20 يونيو 2010

 مجازر الاحتلال ما زالت ماثلة في عقول الأطفال بغزة 

فلسطين اليوم-غزة

فجأةً، توقّف الطفل عبد الرحمن عن اللعب، ووقف مشدوهاً يراقب زوارق الاحتلال التي تجوب عرض البحر بسرعة كبيرة، وبشكل استفزازي في منطقة الواحة، غرب بلدة بيت لاهيا، شمال قطاع غزة.

غادرت الابتسامة شفتي عبد الرحمن الـمصري (9 سنوات)، وترك ألعابه وركض مسرعاً وهو يصرخ باكياً إلى والدته التي تعدّ طعام الغداء داخل خيمة استأجرتها العائلة في إحدى الاستراحات على شاطئ بحر تلك الـمنطقة.

تصرف عبد الرحمن هذا أثار انتباه والده وإخوانه أيضاً الذين هرولوا مسرعين نحوه، اعتقاداً منهم أنّ مكروهاً ما قد أصابه.

علامات الوجوم والدهشة أصابت الجميع إزاء ما حصل مع عبد الرحمن بعد أن كان يلهو ويلعب ويملأ الـمكان حيويةً ونشاطاً، ما دفع ربّ الأسرة لسؤاله عمّا حصل له وإن كان يشعر بألـم أو تعرّض لشيء ما.

الطفل عبد الرحمن استمرّ في صمته، وهو يرتعش ووجهه مصفرُّ ويُحدّق بعينيه في وجوه والديه وأشقائه، لكنه أشار بإصبعه إلى داخل البحر، فالتفت الجميع نحو الـمكان الذي يشير إليه ما زاد في حيرتهم لأنّ البحر يعجّ بالـمصطافين، خصوصاً الأطفال الذين يلهون ويتراكضون في كل اتجاه ولا يوجد شي لافت للنظر وغير اعتيادي.

حال عبد الرحمن هذا جعل والده يحمله ويتوجه به إلى أقرب مستشفى أو عيادة يقيناً منه أنّ أبنه أصابه مكروه ما.

في مستشفى كمال عدوان في مشروع بيت لاهيا شمال القطاع، حيث نُقِل الطفل، حاول الأطبّاء جاهدين معرفة ماذا حلّ به ودفعُه بشتّى الطرُق إلى الإجابة عن أسئلتهم بشأن ذلك، لكن دون جدوى فجزموا بأنّه تعرّض لصدمة عصبية أفقدته القدرة على الكلام.

حالة الوجوم والاستغراب لـم تفارق وجوه أفراد العائلة بشأن ما حصل مع ابنهم، إلا أنّ هذه الحيرة سرعان ما تلاشت عندما فاجأ عماد، شقيق عبد الرحمن، ذو السبع سنوات، الجميع قائلاً "أنا أعرف ماذا حلّ بأخي".

وفجأة تجمّع والداه وإخوانه والأطباء والـممرّضون حوله لـمعرفة السبب، فكانت الإجابة كالصاعقة "لـمّا شاف السفينة تبعيت اليهود في البحر خاف وقلّي هالقيت بطخّوا علينا وبقتلونا زي ما قتلوا دار غالية والناس يلي كانوا جايين بالبحر يجيبوا مساعدات لغزة"، في إشارة إلى "أسطول الحرية".

فهِمَ الجميع ما قصد عماد من وراء كلامه بأنّ شقيقه عندما لـمَح زورقاً إسرائيلياً يجوب عرض البحر خشي أن يستهدف عائلته كما حصل مع عائلة الطفلة هدى غالية التي نجت من مجزرة بشعة راح ضحيّتها غالبية أفراد عائلتها، وما حصل أيضاً مع الـمتضامنين على متن "أسطول الحرية" الذي استهدفته قوات الاحتلال مؤخّراً، وقتلت تسعة ممّن كانوا على متنه وجرحت أكثر من ثلاثين آخرين.

وكانت منطقة الواحة، غرب بيت لاهيا، شهدت في التاسع من حزيران العام 2006، مجزرة من أبشع الـمجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطيني عندما استهدفت البوارج الحربية الإسرائيلية عائلة غالية التي كانت تصطاف على شاطئ البحر، ما أدى إلى استشهاد رب الأسرة علي عيسى غالية (47 عاماً)، وزوجته الثانية رئيسة (30 عاماً)، والأبناء عالية (25 عاماً) وإلهام (16عاماً) وصابرين (عام ونصف) وهنادي (ثلاثة أعوام ونصف) وهيثم (أربعة شهور).

 

آثار نفسية

الـمواطن جمال الـمصري (38 عاماً) والد الطفل عبد الرحمن أعرب عن استغرابه من ردة فعل طفله القاسية عندما شاهد زوارق الاحتلال في عرض البحر، مشيراً إلى أن أطفاله يتابعون بشكل دائم الـمحطات الفضائية التي تنشر بين الفينة والأخرى مشاهد من مجزرة غالية، خصوصاً مشهد الطفلة هدى وهي تنتحب بجوار جثث أفراد عائلتها.

وقال: "أطفالنا باتوا يعانون الرعب والخوف من كثرة ما رأوا وشاهدوا من فظائع وجرائمَ وحشية ارتكبها الاحتلال بحق الـمواطنين، خاصة خلال الحرب الأخيرة على غزة آواخر العام 2008، وما تخللها من مآسٍ ومشاهد قاسية ومؤلـمة هزّت ضمير الإنسانية جمعاء".

ولفت إلى أن مشاهد اقتحام سفن "أسطول الحرية" من قبل قوات "كوماندوز" البحرية الإسرائيلية لا تزال عالقة في أذهان أطفاله، ودائماً يتساءلون في الـمنزل ماذا فعل هؤلاء كي يُقتلوا بهذه الطريقة الوحشية.

وناشد الـمصري العالـم أجمع وأصحاب الضمائر الحيّة ومؤسسات حقوق الإنسان ومنظمة الأمم الـمتحدة للطفولة (يونيسيف) "التدخل العاجل لوقف الجرائم البشعة وإرهاب الدولة الـمنظّم الذي يمارسه الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وأطفاله الذين باتوا يتوقون إلى أن يحيوا حياةً هانئة ينعمون فيها بالهدوء والطمأنينة كباقي أطفال العالـم".

من جهته، اعتبر الطبيب النفسي فضل أبو هين أنّ "الجرح الـمعنوي وصل إلى نسبة مئة بالـمئة في صفوف كافة الـمواطنين وليس الأطفال فقط وقد يكون الرعب أشد بين الأطفال".

وأكـد أن كل ما يدور في الواقع الخارجي من ممارسات إسرائيلية "مرعبة للـمواطنين متمثلة في عمليات قصف جوي وبري وبحري، أصبحت جزءاً من شخصية ووعي وعقل الإنسان وخبراته"، مضيفاً إن "حالة الرعب والخوف التي تمّ إدخالها في شخصية الإنسان لها آثار كارثية عليه".

وتابع: "طبيعي أن ينسى الطفل الصورة الجميلة والـمفردات الهادئة، وتستبدل بأخرى عنيفة تحكي عن الدم و الحرب، فالطفل وليد بيئته ووليد ما يسمعه ويشاهده".

ولفت أبو هين إلى أن الطفل الفلسطيني من دون أطفال العالـم يتحدث بلغة أكبر منه، مشدداً على أن القصف والـمجازر الإسرائيلية الـمتواصلة ألقت بظلالها على لغتهم وألعابهم وحتى نظرتهم للـمستقبل.

وقال إن العالـم كلّه يركّز على حجم الدمار العضوي وعلى عدد الشهداء والجرحى، فيما لـم يتحدث أحد عن الآثار النفسية التي أصابت كل الـمجتمع الفلسطيني، وتركّزت بصورة خاصة بين الأطفال الذين لا ينامون ليلهم خوفاً ورعباً وهلعاً من أصوات القصف والغارات الجوية الـمرعبة.

وأشار إلى أن "كل شيء بات هدفا لقوات الاحتلال، الـمساجد والـمنازل وشواطئ البحر، والأطفال والنساء والشيوخ وحتى الـمعاقين... الكل مستهدَف وملاحَق وكل هذا من شأنه أن يزيد من القلق والتوتر النفسي عند الطفل".

من جانبه، أكد الدكتور أنور البنا رئيس جمعية الدعم النفسي الاجتماعي للشباب، أن ما نسبته 73% من الأطفال يعانون اضطرابات سلوكية ونفسية، "نتيجة للعدوان الإسرائيلي الـمتواصل وخاصة بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، ويحتاجون لترفيه وتفريغ نفسي".

وبين أن جمعيته تعاملت مع حوالي 664 أسرة وأكثر من 4000 آلاف مواطن اتضح أنهم يعانون من مشاكل سلوكية ونفسية.

وأكـد أهمية أن تواصل كافة الـمؤسسات الـمحلية والـمجتمعية فعالياتها ونشاطاتها للتخفيف من آثار ما خلفته الـمجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، داعياً إلى ضرورة تقديم الدعم النفسي بكافة مراحله خاصة لفئات الشباب والأطفال كونهم من أكثر الفئات تأثراً بتداعيات العدوان.

ودعا الدكتور البنا إلى ضرورة أن يقوم الوالدان بمراقبة أطفالهم ومحاولة توعيتهم وتوجيههم، موضحاً أنه "لا عيب في لجوء الوالدين للـمؤسسات الـمجتمعية لـمساعدتهم في التعامل مع أطفالهم الخائفين، وليس من الخطأ الدخول في دورات تأهيلية لكيفية التعامل والتفاهم مع الأطفال في ظل الظروف النفسية القاسية التي يعيشونه