خبر صراعات تهدد مسلّمات إسرائيل: الحريديون الأشكناز يسجلون انتصاراً

الساعة 05:28 ص|19 يونيو 2010

صراعات تهدد مسلّمات إسرائيل: الحريديون الأشكناز يسجلون انتصاراً

كتب حلمي موسى:

وجدت إسرائيل في اليومين الأخيرين نفسها أمام معضلة كبيرة في ظل تصاعد الاعتراض الحريدي على قرار المحكمة العليا بشأن إجراءات الدراسة في مدرسة «بنت يعقوب» في مستوطنة «عمانويل». وبالرغم من أن ظاهر المعضلة هو الصدام بين حكم القانون وحكم الشريعة والحاخامات، فإن باطنها متعدد الأبعاد: اجتماعي واقتصادي وديني وسياسي. ويمكن القول إن «استعراض العضلات» الذي تجلى في تظاهرات الحريديين أمس الأول، وذهاب بعضهم «منتصبي القامة» إلى السجن، أشار إلى الشرخ المتعدد الوجوه القائم أصلا في المجتمع الإسرائيلي.

فقد أوصى المستشار القضائي للحكومة، في محاولة لتقليص الأزمة، بوجوب التخلي عن اعتقال الأمهات والاكتفاء فقط باعتقال آباء الطالبات. كما أن الملتمسين ضد المدرسة والذين أثاروا القضية أصلاً طالبوا بالإفراج عن الآباء بل وحاولوا سحب الالتماس الأصلي والتراجع عنه. وهكذا فإن الأمهات لن يدخلن السجن بعدما سحبت النيابة العامة طلبها باعتقالهن. ولكن ذلك لم يغير من الأمر شيئا: لقد نال الحريديون الأشكناز مرادهم وسجلوا ضد الدولة اليهودية أبرز احتجاج على سلوكها إزاءهم.

ولا يمكن فهم ذلك من دون العودة إلى ما يعرف بـ«الأمر الواقع» وهي السياسة التي أقرها دافيد بن غوريون حول العلاقة بين الدولة والدين، وشكلت أساساً لاعتراف الأمم المتحدة بإسرائيل. وتقوم هذه السياسة على تعهد للحريديين باستقلاليتهم التعليمية والدينية وأن تحافظ إسرائيل الرسمية على الطابع اليهودي للدولة من خلال عطلة السبت ومنع المحرم دينيا من التسيد في المؤسسات الرسمية والعامة.

وفي السنوات الأخيرة تعاظمت قوة ميْلين متناقضين في المجتمع الإسرائيلي: قوة الحريديين، حيث غدوا شريحة لا يستهان بها من السكان وفي تزايد مستمر وصاروا غالبية في العديد من المدن وبينها القدس الغربية، وقوة المحكمة العليا والقانون. وكثيرا ما حدث تصادم بين هاتين القوتين اللتين تؤمن أولاهما بأولوية الشريعة على القانون في حين تؤمن الثانية بأولوية القانون على الشريعة. ومن الجلي أن التصادم بين المرجعيتين تزايد بشكل كبير في السنوات الأخيرة ليس فقط في الجانب التعليمي وإنما في الكثير من الجوانب وبينها المساس بالقبور لأسباب تتعلق بحفريات أثرية أو عمرانية.

ولكن هذا وحده لا يبرر ما جرى مؤخراً. ففي داخل تيارات المجتمع الإسرائيلي تحدث تفاعلات وتغييرات مهمة. وبين أهم هذه التفاعلات ما جرى على صعيد الحريديين أنفسهم. فقد انتهى في العقدين الأخيرين ما كان من خضوع تام لدى الحريديين الشرقيين لحاخامات الحريديين الأشكناز. ورغم نجاح حركة شاس في إنشاء تيار تعليمي مستقل للشرقيين إلا أن الريادة ظلت للتيار التعليمي الأشكنازي بمدارسه المختلفة والمتناقضة أحياناً.

وهناك الكثير من الدلائل على أن قضية التمييز العنصري شائعة جداً في الوسط الحريدي. وجاءت قضية هذه المدرسة لتفجر تقريباً وضعية تاريخية ولتظهر حجم ونوعية التناقضات القائمة. فالخلاف هنا لم يكن فقط بين الأشكناز والشرقيين وإنما أيضا داخل الشرقيين مثلما هو داخل الأشكناز. وللشرقيين حزب اسمه «شاس» وهو يتمتع بقوة كبيرة في الحلبة السياسية الإسرائيلية. كما أن للأشكناز أحزاباً حريدية مثل «يهدوت هتوراة» التي هي اتحاد بين حزبين متصارعين، «ديغل هتوراه» و«أغودات إسرائيل» يضم كل منهما تيارات متصارعة.

وليس صدفة أن من فجر هذا الصراع هو الحاخام يعقوب ابن المرشد الروحي لحركة «شاس» الحاخام عوفاديا يوسف. فقد أراد من خلال الصراع على التمييز العنصري في المدرسة الأشكنازية محاربة «شاس» التي لا ترفع، حسب رأيه، راية هذا الصراع وتخضع هنا وهناك لأهواء كبار الحاخامات الأشكناز.

ووجد الحاخام يعقوب ضالته في قضية هذه المدرسة الدينية التي تتلقى مصاريفها من الدولة وتميز بين الشرقيين والأشكناز. وفي البداية، عند إثارة القضية قبل ثلاث سنوات، كان التمييز علنياً وعلى رؤوس الأشهاد. فقد كان هناك سياج داخل المدرسة يفصل بين الأشكناز والشرقيين فأمرت المحكمة أولا بإزالته فعمدت المدرسة إلى الفصل بين الطالبات داخل الصفوف. وبعد ذلك أمرت المحكمة بإلغاء التمييز داخل الصفوف فانتقل التمييز إلى إجراءات القبول. وعندما أمرت المحكمة بإزالة كل مظاهر التمييز عمدت 43 عائلة لإخراج بناتها من المدرسة وعدم إدخالهن إلى أية مدرسة أخرى احتجاجاً على قرار المحكمة. أصرت المحكمة على عودة الطالبات للدراسة وفي حالة الرفض اعتقال أهاليهن لمدة أسبوعين لانتهاك قرار المحكمة. وهكذا تفجرت الأزمة.

الجمهور الحريدي الأشكنازي قاوم قرار المحكمة بأمر من كبار حاخاماته. الجمهور الحريدي الشرقي وجد نفسه في مأزق، أيهما أشد كراهية في نظره: المحكمة العليا أم التمييز العنصري؟ حركة «شاس» لم تفلح في أن تحسم موقفا. وجدت نفسها تحاكم أحد أعضاء الكنيست في كتلتها لأنه أعلن وقوفه إلى جانب الالتماس، ولكنها طلبت من أعضائها عدم المشاركة في التظاهرات. لم يرق لها التفاف الحريديين بهذه القوة خلف القيادة الأشكنازية.

بأشكال مختلفة غاب مظهر الصراع الداخلي داخل التيارات الحريدية وحضر الصراع ضد الدولة «العلمانية». قلة في الأحزاب الصهيونية تجرأت على اتخاذ موقف علني إلى جانب المحكمة العليا وضد الحاخامات. بين هذه القلة كانت زعيمة حزب «كديما» تسيبي ليفني التي حاولت تحميل حكومة بنيامين نتنياهو المسؤولية عما حدث. ولكن هناك أيضاً في الأحزاب الحريدية من حمل المسـؤولية لنتنـياهو ووزيــر التعليم لأنهما لم يفلحا في منع وقوع الأزمة.