خبر هم حريدون (قلقون) حقا..يديعوت

الساعة 11:37 ص|18 يونيو 2010

بقلم: ناحوم برنيع

تسفيا فاينبرغ في الثامنة من عمرها، طفلة حلوة على نحو عجيب. لها شعر شيطاني موفور، مجموع في ضفيرة طويلة على ظهرها وعينان زرقاوان رماديتان، ووجه أبيض واسع، وصوت ناعم خجول. تلبس مريولا طويلا، بلا تصميم، أسود، ذا خطوط بيضاء دقيقة على طوله، وقميصا أبيض طويل الكمين وجوربين ثخينين أسودين هذا هو اللباس الرسمي للبنات في الاتجاه الحسيدي، الاشكنازي، في مدرسة البنات "بيت يعقوب" في عمانوئيل. اللباس أمر مهم جدا. أمر مقدس. إن الناس البالغين الجديين، مستعدون في الفرق بين الجوربين حتى الركبة والجوربين حتى الخصر أن يمضوا الى السجن بل أن يقتلوا.

        تسهل السخرية منهم، وتسهل كراهيتهم، لكن من المهم جدا أن نحاول فهمهم. كان الوسط الحريدي مشاركا هذا العام في عدد من الصراعات العامة التي فشلت. كتب غير قليل ها هنا في هذه الصراعات. كان الصراع المضاد لفتح المجمع التجاري في القدس، وكان الصراع في قضية المجوعة، وكان الصراع في مواجهة اخلاء القبور في مشفى برزيلاي في عسقلان. أخفقت هذه الصراعات لأنه قادتها قلة متطرفة، وعنيفة، ومنطوية على نفسها وفاسدة جدا داخل الوسط الحريدي ولأن تعليلاتها كانت داحضة. لم يكن موقف كارتا قرب حائط المبكى حقا؛ ولم تكن الأم المجوعة ضحية في الحقيقة؛ ولم تكن القبول في عسقلان لآباء آبائنا في الحقيقة. لم يقبل العلمانيون هذه الحيلة. وكذلك لم يقبلها أكثر الحريديين.

        لست على ثقة من أن القضية في عمانوئيل مشابهة. يبدو أنها تمس مخاوف حقيقية في الوسط الحريدي كله. أرادت المحكمة العليا أن تحارب العنصرية ودفعت الى حرب على القوة. وهي تريد ارغام الحريديين على الاختيار اختيارا قاطعا، فاما المحكمة واما حاخامتهم. وهي تفعل ذلك بعد سنين تراجعت فيها الدولة الى الوراء وانطوت أمام كل مجموعة أقلية والحريديون في المقدمة.

        تثير هذه القضية سؤالا صعبا معذبا: إن جهاز القضاء الاسرائيلي يقدس قيمة المساواة. المساواة، المساواة، المساواة، هذا ما تمليه على سلطات الدولة كل يوم. ربما حان وقت أن نسأل ما هو جوهر هذه المساواة، هل هي مساواة حقيقية، وهل هي حكيمة، وهل هي مجدية على سلامة المجتمع. لكن لنعد الى تسفيا ابنة الثامنة. كان يفترض أن يمضي أبوها، ايتسك فاينبرغ الى السجن أمس بتهمة تحقير المحكمة. التقيته أول من أمس في عمانوئيل. سألني فاينبرغ هل اريد ان اجري لقاء مع ابنته وقلت هذا يسعدني. جلسنا في غرفة مدير دراسة التوراة "يسودي هتوراة" التي تتبع حسيديته، "حسيدوت سلونيم". أقعدها على ركبتيه. كان هو مجري اللقاء الرئيس وحاولت مساعدته.

        ما الفرق بين مدرستك ومدرسة البنات، سألناها.

        "تسمى مدرسة مع قدر أقل من التربية"، همست بأذن أبيها.

        ما الذي تقصدين، سألنا.

        "يتحدثون هناك على نحو أقل لطفا".

        مثلا؟

        "عندما تشاجر بنت بنتا تدعوها "مجنونة"".

        وكيف تسمين بنتا تشاجرينها أنت؟

        "أقول، ليس حسنا ما تفعلينه".

        أنت تضعين قرطين. أيحل ذلك؟

        "أجل، لكن بشرط ألا يكونا طويلين".

        وكيف الحال في المدرسة الثانية؟

        "في  المدرسة الثانية يفعلون ما يشاؤون".

        ما الذي تعتقدين في البنات هناك؟

        "نحن لا نحبهن".

        أتعلمين التفريق بين اليهود الغربيين والشرقيين؟

        "أجل. انهم زنوج".

        غضضت عيني الى الدفتر الذي أكتب فيه.

        ليمض الى السجن

        أتعلمين ما هو التلفاز؟

        "انه يشبه الحاسوب".

        ماذا يرون في التلفاز؟

        "الذي صوره الناس".

        لماذا لا يوجد عندكم تلفاز في البيت؟

        "لأنه حرام".

        من حرمه؟

        "الحاخام".

        اذا أردتم أن تنتقلوا عن شقة، فمن الذي تسألونه عن الوجهة؟

        "الحاخام".

        واذا ولد طفل فمن تسألون أي اسم يسمى؟

        "الحاخام"

        لماذا؟

        "لان فيه روح القدس".

        ما هو أفضل أن يمضي ابوك الى السجن أم أن يمضي الى الحاخام ويطلب اليه التنازل؟

        "أن يمضي الى السجن".

        أتعلمين ماذا يفعلون في السجن؟

        "يدرسون. طول النهار. ولا يمكن الخروج".

        ماذا قالوا للبنات اليوم في الاجتماع؟

        "قالوا اننا نقدس اسم الرب".

        قبل ذلك بين لي فاينبرغ وصديقه،  ابراهام – شلوم لوريا، ان حسيدي سلونيم لا يتميزون فقط من أبناء الطوائف الشرقية. انه يتميزون من الجميع. فهم يمتنعون مثلا من النكاح مع بنات وبني حسيديات أخرى. فالتراث متناقض. ففي "بعلاز" يجب على امرأة متزوجة أن تحلق شعرها برغم أنها تغطي رأسها بقبعة مشبكة. وفي "سلونيم" تضع النساء المتزوجات على رؤوسهن جمما (باروكات) أجنبية. وما يعد فريضة دينية في بعض "الحسيديات" يعد خطيئة حكمها الطرد في حسيديات أخرى.

        عندما يحين زواجك، سأل فاينبرغ ابنته من ستتزوجين، أشابا من سلونيم أم شابا من بعلاز؟

        دست الطفلة رأسها عميقا في كتفه. "لا أعلم"، قالت بهدوء.

        ما الذي لا تعلمين، تساءل الأب.

        "حارت البنت. "واذا لم يجدوا لي عروسا من سلونيم؟" صعبت الأمر.

        بقينا بلا جواب.

        الدولة ستدفع

        إن اريئيل شارون الذي أنشأ عمانوئيل قبل 25 سنة، وعد بأن تكون عاصمة السامرة. أصبح الوعد فشلا ذريعا. أكبر فشل في مشروع الاستيطان. فالتأليف بين الشهوة، وطمع المقاولين، والادارة الفاشلة، ومنافسة المدن الحريدية الأخرى التي نجمت في يهودا والسامرة، أقرب من الخط  الاخضر، والعمليات الدامية في الانتفاضتين هربت من عمانوئيل السكان الحريديين الاغنياء. هذه هي المستوطنة الوحيدة التي يوجد فيها قدر كبير من الهياكل المبنية التي يحل اكمال بنائها برغم التجميد. لكنها واقفة في سكون.

        يسكن عمانوئيل اليوم 600 عائلة حريدية أي نحو من ثلاثة آلاف نسمة. تنتمي 150 عائلة الى "حفاد" ولها تراث يخصها. وتنقسم 150 عائلة أخرى في أربع ساحات هي أربعة كنس – سلونيم، وغور، وبرسيليف والاخرين؟

        حسيدوت سلونيم أقل اهتماما بالسياسة من غيرها وأقل ضجيجا وأكثر تمايزا، القائد الديني، شموئيل برزوفسكي، في الرابعة والسبعين لا يجلس في مجلس كبراء التوراة. فحسبه قيادة الحسيديم الذين يتبعونه – أي نحوا 1200 عائلة، كثرتها الغالبة في اسرائيل. تدخل مرة واحدة فقط في السياسة: فقط غضب جدا على "يهدوت هتوراة" لأنها ظلت تجلس في الحكومة برغم الانفصال، وأمر "حسيدييه" بمقاطعة انتخابات الكنيست في 2006.

        يرسل هذا الرجل  الى عمانوئيل أزواجا شابة. والباعث اقتصادي: إن ابراهام لوريا، وهو أشقر في الثامنة والعشرين، وطالب عام، ومتزوج وأب لأربعة، يسكن عمانوئيل في شقة ذات أربع غرف، مع مدخل مستقل ومنظر طبيعي. لو "بقيت في بيتار العليا لدفعت عن شقة كهذه 3500 شيكل كل شهر"، يقول "أنا ادفع في عمانوئيل 800 شيكل".

        وتوجد افضالات أخرى سخية جدا من الدولة.

        ما هي نظرتكم الى الدولة، سألته

        "لا أجعل نفسي مجنونا كي لا أخدم في الجيش"، قال لوريا. "نحن لا نرفع علم اسرائيل، لكننا نحترم يوم القدس – فنحن نرى أنه حدثت معجزة كبيرة أعادت الى شعب اسرائيل الحائط الغربي".

        أتى مكان العائلات الثرية التي غادرت تائبون أكثرهم من الطوائف الشرقية. يقول لوريا "إنهم فقراء اقتصاديا وفقراء روحانيا، وهم أقل خوفامن المشكلة الأمنية لأن أكثرهم من خريجي الجيش. إن البعث عن بني براك وعن القدس يريحهم. وبهذا أصبحت عمانوئيل  اكثر البلدان فقرا في البلاد. فنصف سكان البلدة يعتنى به في القسم الاجتماعي".

        توجد حلقات في الوسط الحريدي تنقض بابتهاج على تحديات كهذه، مثل حفاد. إن حفاد حركة تبشيرية. في سلونيم يبتعدون عنها كالبعد عن النار. يقول لوريا "كانت حفاد مستعدة طوال الأجيال لتعريض اشخاصها للخطر من أجل أن يتوب آخرون. أما نحن فلا. لن أقف في محطة مركزية، مع جميع بنات الهوى اللاتي يجلن هناك، وأدعوا الناس الى لبس رداء الصلاة. نحن نخاف حقا نخاف على مصيرنا".

        تعلمت البنات في عمانوئيل طوال السنين معا في "بيت يعقوب" وهي شبكة مدارس تنتمي الى التيار المستقل. قبل ثلاث سنين استقر رأي حسيديو سلونيم على الاعتزال. يقول لوريا: "حدثت مشكلة، فبناتنا صادقن بناتهم. ليس عندي مذياع في البيت، ولا حاسوب ولا تلفاز. بل إن حاخامنا يحرمها. ليس عندي في الهاتف المحمول حتى رسائل نصية. أنتم تتحدثون عن اليهود الشرقيين. في مدرسة سلونيم الدينية لا يدرس "ليتواني" واحد".

        قلت: لا يمدحكم هذا

        "يمكن ذلك"، قال "لكن يوجد تراث استمر منذ 400 سنة. فمن أكون أنا فيه؟ لا أكاد أكون لولبا. يجب الحرص على التراث في اخلاص شديد".

        في سنة 2008 عينت المديرة العامة لوزارة التربية شلوميت عميت، موتي باس من كبار مسؤولي مكتب مراقب الدولة السابق محققا أوحد لقضية عمانوئيل. "قسمت المدرسة لا كما ينبغي". كتب في تقريره، "مع المس بأوامر القانون، لكن هذا الانقسام، مع جميع الجوانب السلبية فيه، لم يتم عن قصد التمييز بين الطالبات على خلفية طائفية".

        باس، وهو صهيوني متدين، حاول أن يبين للمديرة العامة العلمانية ما حدث في عمانوئيل. "انضم الى البلدة مجموعة جديدة، من التائبين الجدد، يبدو سلوك حياتهم في نظر القسم المتمايز ليس غير مناسب فحسب بل يعرض للخطر تربية بناتهن. والحديث عن عادات سلوك وكلام أتى بها الجدد معهم من عالمهم السابق وهي لا تحتمل في نظر المتمايزين . أثبت لي حديثي الى أناس المجموعة الجديدة، جيدا أن هذا الزعم ليس هاذيا وليس مأخوذا من الهواء.

        "يبدو لنا، نحن الذين  نعيش في القرية العالمية، حيث يتعرض أبناؤنا الصغار كل يوم وساعة في وسائل الاعلام، يبدو لنا غريبا أنه يوجد أناس، ويوجد جمهور، يفعلون كل ما يستطيعون من أجل سد العالم الخارجي، بخيره وشره، عن أن يصل الى ابنائهم. لكننا اذا حاولنا أن نتخلى للحظة عن شكل  تفكيرنا وحاولنا أن نفهم الغير، فاننا نستطيع احترام تصورهم وان لم نوافقهم".

        اعتقدت وزارة التربية ومحكمة العدل العليا اعتقادا مختلفا. وهما لم تقضما حبة البطاطا الساخنة هذه بحماسة. إن القاضي المتدين ادموند ليفي، الذي قاد بحث هذا الملف في محكمة العدل العليا، بحث مدة أسابيع عن حل للقضية يريح الجميع لكنه أخفق في ذلك.

        بعد أن انفجرت المداولة في محكمة العدل العليا، وأصدرت بحق آباء في الاتجاه الحسيدي، والشرقيين بينهم أيضا أوامر اعتقال، بدأت ها هنا حرب أهلية صغيرة. تنافس الساسة الخائفون في التصريحات الحماسية. وتحمس أيضا العلمانيون الذين تعد مشاجرة الحريديين عندهم خشبة قفز الى الحياة المهنية. وكان الذين تكمشوا خوفا هم الحريديون الشرقيون وحدهم، أناس شاس وأناس الحاخام يعقوب يوسف الذين رفعوا الاستئناف. يربي قادة شاس أبناءهم في مدارس دينية غربية. كل ما يريدونه هو أن يتحولوا غربيين وأن ينضموا الى الحريديين "الشكناز"، وأن يقلدوا عاداتهم ويذوبوا فيهم. فما علاقتهم بأولئك العلمانيين الذين يكرهون السود لأنفسهم سواء أكانوا شكنازا أو شرقيين.

        أخمن أن يرفض جزء كبير من القراء باحتقار السطور التالية، لكن قد لا يكون جذر المشكلة تطرف "حسيديي سلونيم" بل طموح محكمة العدل العليا، وعلى أثرها الجهاز القضائي كله، الى ادخال الجميع – اليهودي والعرب، والعلمانيين والحريديين، والشكنازي والشرقيين تحت جناح مساواة موهومة. لا  تريد المحاكم أن تظلم أي ولد في اسرائيل. هذا جميل بل قد يد يكون بطوليا. لكن قراراتهم مع الصفقات التي أتمها الجهاز السياسي مع الحريديين تفضي الى أن جميع مجموعة الآباء التي تشتهي أن تربي أبناءها على طريقتها، تحصل على تمويل كامل – كامل –  من الدولة ومن السلطات المحلية. أتريد أن يحصل ابنك على تربية عجيبة غريبة؟ تفضل. فالدولة ستدفع وتدفع. هل أنت أب متدين من رعنانا تريد تربية دينية خاصة لابنائك؟ الدولة ستدفع وتدفع. أأنت حريدي غير مستعد أن تدرس  ابنتك في فصل دراسي واحد مع بنت حريدية ذات قرطين طويلين؟ الدولة ستدفع وتدفع. أأنت شيخ من أم الفحم تريد أن تربي أبناءك على وضع شحنات ناسفة في الحافلات. الدولة ستدفع وتدفع.

        يبدو هذا ليبراليا، ويبدو حديثا لكنه يقود المجتمع الاسرائيلي الى انقسام خطر  ينتهي الى الانحلال. إن جهاز التربية هو أبرز الضحايا لكن الأمر يصح أيضا على أجهزة أخرى (ما عدا محكمة العدل العليا كما ذكروا لي في عمانوئيل حيث كان من المباح هناك مدة سنين الحفاظ على حصة للنساء وحصة للشرقيين وحصة للعرب).

        لن تهزمونا

        في المستوى العملي، مشكلة حسيديي سلونيم في عمانوئيل هي عددهم: فليس عندهم ما يكفي من البنات لملء مدرسة. لا تحل هذه المشكلات بالحروب الدينية فحسب ولا بالمظاهرات ولا بالأزمات السياسية. إنها تحل بأسفار الى المؤسسات الدراسية في الساحة في القدس وبني براك. وفي أسوأ الحالات تستطيع العائلات التحول عن الشقة. بل ان تسفيا فاينبرغ ابنة الثامنة تدرك ذلك، فعندما سألتها أين كانت تفضل السكن في عمانوئيل ام في القدس، أجابت من الفور: "في القدس، فسيكون لي هناك عدد أكبر من الصديقات".

        يفضل والدها العودة بالحديث الى تقديس اسم الرب. ويقول: "لكل واحد مستوى اخلاقي، فثمة أناس يحبون كرة القدم وهم مستعدون لبذل نفوسهم من أجل فريقهم، فكيف تكون الحال عندما يكون الحديث عن اقامة التوراة والشرائع على حسب ما ربونا عليه. أرى ان هذه ساعة الحسم. بلغت الى وضع أقتل ولا يجوز هذا. لست مستعدا فقط للموت من أجل ذلك بل أريد الموت من أجل ذلك". قال بعض الكلام في القضاة ليفي وأربيل وملتسار، وفي مفوضة وزارة التربية شموئيلي، الذين يشكون في حساسيته للنقاء اللغوي للبنات في عمانوئيل.

        تحدث لوريا عن زيارة القائد الديني لسلونيم في عمانوئيل قبل ثلاثة أسابيع. شبه هذا الرجل الآباء في عمانوئيل بالحاخام عكيفا الذي تلقى بفرح فرصة أن يموت في سبيل الله. "لم تولد بعد قوة في العالم تحركنا"، قال. "لهذا لن تهزمونا أبدا".

        ظلوا في الخارج

        قبل أن نضرب على صدور الحريديين، هلم نتذكر خطايا حركة العمل. في الخمسينيات انقسمت أكبر الحركات الكيبوتسية، أي الكيبوتس الموحد. وفي الحال انقسمت هناك أيضا مؤسسات التعليم. لم يستطع أبناء كيبوتس فار – غلعادي أن يدرسوا في مدرسة "هار فيغاي" في دفنا واضطروا الى أن يسافروا الى المدرسة في كفار – بلوم. ولم يستطع أولاد حولتا السفر الى كفار بلوم واضطروا الى السفر الى "هار فيغاي". وهكذا كان في جميع البلاد وهذا ما حدث أيضا لابناء كيبوتسات "هشومير هتسعير" الذين درسوا في مؤسسات تخصهم. وأبناء القرى الزراعية وبلدات التطوير، الذين ظلوا في الخارج ونظروا بحسد الى المؤسسات المطورة للكيبوتسات والى الصفوف الصغيرة في حلقات الاغناء.

        قريبون ومتباعدون

        في يوم الثلاثاء الماضي التقى قادة الحركة المحافظة نائب وزير الخارجية داني ايالون في نيويورك. المحافظون هم الحركة الثانية في كبرها في الطائفة اليهودية في امريكا الشمالية – فهم أقل من الاصلاحيين وأكبر من الارثوذكس. وهم يعدون نحوا من مليون نسمة بحسب حسابهم. وقد فاجأهم ان دخل الغرفة 15 شخصا – وزير الخارجية افيغدور ليبرمان ومساعدوه وحراسه. سافر ليبرمان الى امريكا كي يؤيد حملة اسرائيل الدعائية بعقب قضية الاسطول. كانت المنظمات اليهودية مستعدة للقائه لكنها تهربت من اعطائه منبرا للظهور العام. لا بسبب الرحلة البحرية بل بسببه هو نفسه. وانضم ليبرمان الى لقاء أيالون. احتج المحافظون على اقتراح القانون الذي يدبره "اسرائيل بيتنا" حزب ليبرمان، في الكنيست. يرمي الاقتراح الى تسهيل تهويد المهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق. وعوض ذلك سيثبت بالقانون احتكار الحاخامية الارثوذكسية للتهويد. كانت "الحاخامة" جولي شونفيلد، المديرة العامة للحركة المحافظة هناك. "بدأت احدى النساء ويبدو انها احدى مساعدات ليبرمان الحديث. قالت: تفهمين أنه لم تكن لكم حتى الان حقوق تهويد. ما الفرق؟ سيكتب هذا الآن في القانون.

        "لكنكم تخرجون من الشعب اليهودي 85 في المائة من يهود أمريكا"، قلت.

        "لوحت المرأة بيدها استخفافا، وجميع الجالسين في الغرفة، وفيهم ليبرمان هزوا رؤوسهم موافقين. وكأنما قالوا، لماذا تجعلين من هذا قضية، فالحديث في المحصلة عن دقيقة صغيرة". مكث ليبرمان ومساعدوه في الغرفة خمسة دقائق. واعتقدوا أنهم قاموا بتفضل جميل. كانت شونفيلد هذا الاسبوع في البلاد في محاولة يائسة لاقناع القيادة السياسية ان اسرائيل في وضعها الحالي يمكن فيها لدقيقة صغيرة أن تبلغ مدى بعيدا. إن يهود أمريكا، لا سيما الشبان، والليبراليون اولئك الذين يأتون الى الكنس المحافظة والاصلاحية يبتعدون عن اسرائيل. ليس هذا وقت سن قانون يميزهم تمييزا سيئا. "نحن نتوسل للاسرائيليين"، قالت شونفيلد. "نحن نناضل كي لا يدير الشبان ظهورهم لاسرائيل. من يتحدث من أجل اسرائيل في الأحرام الجامعية اذا لم يساندكم شباننا؟ نحن جيش دعايتكم، وأنتم تجعلوننا نشعر بأننا لا نساوي شيئا".

        من هؤلاء  الشبان، سألت.

        "جيل جديد"، قالت. "انهم لا يشعرون بالذنب لانهم يعيشون في أمريكا. وهم لا يعتقدون أنه يجب عليهم قبول ما تمليه عليهم اسرائيل".

        "تعتقد القيادة الاسرائيلية اننا ننتمي الى اليسار الامريكي. والحقيقة هي ان 50 الى 60 في المائة من الحاخامات المشاركين في الايباك هم حاخاماتنا". قلت: طائفتكم تتقلص.

        قالت: "صحيح، وتشيخ. لهذا أسأل من سيحضر مؤتمرات الايباك بعد عشر سنين؟ . الاسرائيليون غاضبون على اليسار  الامريكي. ويقولون ان اليسار لا يدرك التهديد الذي يواجه اسرائيل. وأقول لكم انكم لا تدركون التهديد الواقع عليكم. ستستيقظون ذات يوم لتواجهوا عالما مختلفا. لا نفقد قاعدة قوة اسرائيل فقط بل امتياز اليهودية – منطقها وتسامحها. لا تعتقد أنه يسهل علينا أن نرى صورا من اسرائيل تجلس فيهها النساء في الجزء الخلفي من الحافلة. سار الزعيم التاريخي لحركتنا مع مارتن لوثر كنيغ احتجاجا على تمييز كهذا. لا تعتقد أنه يسهل علينا أن نرى الاسرائيليين يخضعون لقلة صغيرة. هؤلاء الحاخامات أيضا يبعدون اليهود في أمريكا عن اسرائيل. يعتقد الاسرائيليون أننا لا نستطيع العيش كيهود بغير اسرائيل، ولهذا فان تأييد يهود أمريكا مضمون. وهذا مضلل. فهذا القطار غادر المحطة منذ زمن".

        لماذا هذا الاذلال، سألت عضو الكنيست دودو روتام، من اسرائيل بيتنا، والد القانون. روتام، وهو محام فصيح الكلام أسعده الجواب فقال: "المشكلة المركزية في اسرائيل هي أن 400 ألف اسرائيلي يخدمون في الجيش، لكنهم عندما يأتون للزواج يقولون لهم أنتم لستم يهودا.

        "كتبت اقتراح قانون يخرج التهويد عن الحاخامية الرئيسة وينقله الى حاخامات المدينة. عارض الحريديون. اتفقت معهم على أن يكتب أن للحاخامية مسؤولية عن شؤون التهويد.

        "عندما بدأ الاصلاحيون والتنقيحيون الهجوم سافرت الى امريكيا لأبين لهم. فقد اعتقدت انه ليس عندهم ما يعتمدون عليه. وقد هددوني بالكف عن تأييدهم لجماعة الضغط اليهودية، وبالكف عن شراء سندات الدين. قلت لهم، اذا كانت علاقتكم باسرائيل متعلقة بقانوني فان وضعكم سيء. وقالوا لي أنت تقسم الشعب اليهودي. قلت لهم، القانون لا ينطبق على الولايات المتحدة. وطلبوا أن يعطوا صلاحية التهويد في البلاد. قلت لهم يحتاج من أجل ذلك الى ائتلاف".

        إن السخرية هي أن 400 ألف من غير اليهود يدبرون أمورهم في هذه الاثناء على نحو غير سيء بغير الحاخامية. فلتسن الكنيست ما شاءت من قوانين، لأن العلمانيين فقط يعترفون في هذه الاثناء بالتهويد الحاخامية. بل ان الحاخامية لا تعترف به. فقد صدر عنها في المدة الاخيرة توجيه الى ان من يسجل للزواج وليس معه عنوان والديه يجب ان يتحول عن المحكمة.

        علامات اعتزال

        "ليعتزلوا"، قال منذ وقت غير بعيد رئيس الائتلاف زئيف ألكن.

        "اعتزال حزب العمل هو في تقديري مسألة شهور. لا يعتقد نتنياهو ذلك لكنني أقول لك – الأفضل ان يعتزلوا في أسرع وقت".

        الحساب الذي يجريه ألكين يبدأ وينتهي بالمصالح: ان جميع أعضاء كتلة العمل الموجودين خارج الحكومة، ما عدا واحدة، يريدون الخروج، كل واحد ومصالحه. اذا كان شلوم سمحون يمضي الى الكيرن كييميت، ودخل شكيب سنان الدرزي فسيريد الخروج هو أيضا. يخطط الوزيران بريفرمان وهرتسوغ للخروج هما ايضا: فهما لا يسألان هل يجب بل متى، وحتى لو أراد براك فلن يستطيع وقف الطوفان.

        على حسب تحليله، لن يسقط اعتزال العمل للحكومة حكومة نتنياهو. سينضم حزب الاتحاد الوطني أو يؤيد من الخارج وعند ذلك سيستقر وضع الحكومة وينضم اليها المظلومون من كاديما. سيكون عند نتنياهو وظائف جيدة يعطيهم اياها – الأمن ووزارة الصناعة والتجارة، والرفاهة، ونواب وزراء. سيكون المهر كله لهم لأنه اذا دخل الاتحاد الوطني فلن يتوقع الحصول على أكثر من وزير واحد ضئيل الشأن.

        في مقابلة ذلك اذا أجل الاعتزال، فسيبدأون التردد في الاتحاد الوطني وكاديما. فالجميع سيشمون رائحة الانتخابات. وسيصعب على الحكومة أن تجتاز الاعتزال بسلام. لو كان الأمر متعلقا برئيس الائتلاف لوقع التغيير في أيلول. ستكون لنتنياهو حكومة ضيقة ويكون لاسرائيل وزير أمن جديد. ويكون للتوقيت معنى آخر – فسيسهل على نتنياهو أن يفي لليمين بوعوده وأن يجدد البناء في المستوطنات بكامل سعته.

        ألكين على قناعة أن المرشح الآخر للاعتزال أي ليبرمان لن يسقط الحكومة. اذا وقع قرار تقديم لائحة اتهام عليه، فستكون عنده جميع أسباب البقاء. وقد يسقط الحكومة فقط اذا اغلقوا ملفه الجنائي.

        لا يأخذ تحليل ألكين في حسابه لاعبا نشيطا آخر هو الادارة الامريكية. قد لا يكون لباراك قاعدة تأييد في حزبه – فلم يبق له سوى سمحون وفلنائي واوريت نوكيد – لكن بقي له اوباما. هذا ما يعتقده نتنياهو على الأقل. باراك على ثقة من أن أهم مادة في برنامج نتنياهو هي الحاجة الى ان يغير العلاقات بادارة اوباما من الاساس. ولن يبلغ ذلك اذا لم يضع خطة سياسية على مائدة الادارة. والخطط السياسية تأتي مع ايهود باراك.

        ولما كان لا يوجد سبيل لاجازة خطة سياسية في الائتلاف الحالي، فان باراك يقترح توسيعه ليصبح 105 أعضاء في الكنيست. وسيكون هذا المرحلة الاولى. بعد ذلك عندما يرى اليمين الموجود في الخطة سيستقيل.

        ليس باراك على ثقة من أن هذا ما يريده نتنياهو. فكيف يعلم اذا كان نتنياهو لا يعلم أيضا. إن الأمر المضمون هو أن باراك يدرك أنه اذا لم يقع هنا اجراء سياسي حتى الخريف، فلا بقاء لحزبه في الحكومة. وقد كتب باراك قائمة مؤيدي الاعتزال التي كتبها ألكين.

        أثرياء غزة

        يحرص وزير الاقتصاد الفلسطيني، حسن ابو لبدة على عدم لقاء نظرائه الاسرائيليين، لكنه يلتقي اسرائيليين كثيرا. لقد مكث هذا الاسبوع في فندق الامبسادور في شرقي القدس على بعد خطوتين عن المقر القطري لشرطة اسرائيل، وبعد خطوة ونسف عن المستوطنة في الشيخ جراح. سألته لماذا تعارض السلطة الفلسطينية الحصار الاسرائيلي لحماس، فاسرائيل تقول من جملة ما تقول ان الحصار يرمي الى مساعدة أبي مازن.

        قال: "الحصار سياسة مخطوءة، فهو يقوي سلطة حماس في غزة".

        قلت: لكن اسرائيل طلبت أن تبين للفلسطينيين الفرق بين الحياة في الضفة والحياة في غزة.

        قال: "كانت هذه هي الفكرة لكنها لم تنجح. من المهم الان ازالة الحصار لمساعدة السكان، ولاخراج السيطرة على الاقتصاد من يد حماس ولفتح غزة في الاساس على العالم الحقيقي. فسيدركون شدة الدكتاتورية".

        سألته: ألن يعطي هذا حماس انتصارا؟

        "أؤمل ألا نكرر خطأكم بالانفصال"، قال.

        سألته: ما الذي  تعتقده في المقالة التي نشرها دوف فايسغلاس في صحيفة "يديعوت احرونوت". فقد اقترح نقل رقابة الحمولات في السفن الى السلطة الفلسطينية.

        حار أبو لبدة. وخاف أن يجعله جوابه متعاونا مع اسرائيل. ومن جهة ثانية لم يشأ التخلي من زيادة القوة. "لن نكون مشاركين في أي قرار على إزالة جزئية للحصار"، قال. "ولن نساعد في تغيير تجميلي، لكننا لن نرفض أية فكرة تحسين حياة السكان.

        سألته أيوجد جوع في غزة.

        "كلا. فالوقود في غزة أرخص من الوقود في الخليل. لقد مكن الحصار حماس من أن تنشىء اقتصادا مستقلا في غزة. توجد طبقة كاملة من الاثرياء الجدد أكثرهم مقربون من حماس. أن تستطيع مثلا ان تستثمر في  نفق – وأن تشتري مقابل مئات آلاف الدولارات 10 في المائة من حركة البضائع في نفق ما او 20 في المائة".

        سألته: ماذا تستطيع اسرائيل ان تفعل في رأيك. لتشجيع النمو في الضفة.

        قال: "شيئا واحدا بسيطا أن تسمح للمستثمرين الأجانب بالدخول".

        تحدث عن واحد اسمه محمد سباوي، وهو كندي فلسطيني، استثمر 40 مليون دولار في أعمال شتى في الضفة. قبل ثلاثة أشهر أتى مطار بن غوريون من كندا وطرد في اليوم نفسه. وبعد أن كلم رئيس الحكومة سلام فياض ايهود باراك بالهاتف فقط سمحوا له بالعودة. وتحدث عن آخر هو أكرم عبداللطيف، رئيس بنك القدس، الذي وصل مؤخرا الى جسر اللنبي وأعيد.

        فوجىء ايهود باراك بسماع أن للفلسطينيين شكاوى. "نحن نفعل كل شيء لتشجيع النمو هناك"، قال لي هذا الاسبوع.

        قلت لأبي لبدة أربما يكون ذلك بسبب ذلك الجندي الغاضب في الحاجز. "ربما"، قال. "اذا اقنعتموه فسنستطيع مضاعفة اقتصادنا سريعا جدا".

        كانت أيام

        عندما أجازت الحكومة هذا الاسبوع تعيين شفتاي روزان عضوا في لجنة التقصي في قضية الرحلة البحرية الى غزة، كانت الكتب الاولى التي أنزلتها عن الرف هي المذكرات الشخصية لموشيه شريت. في النصف الاول من الخمسينيات كان شريت وزير الخارجية، ورئيس الحكومة جزءا من تلك الفترة. اليوميات التي كتبها هي وثيقة كاشفة. يوجد نصف عزاء في قراءتها: صحيح أن وضعنا اليوم غير جيد لكن قراءة اليوميات تدل على أن وضعنا في الماضي كان سيئا حقا.

        عمل روزان في سنوات الدولة الاولى مستشارا قانونيا لوزارة الخارجية. يكثر شريت من ذكره. كانت احدى القضايا المؤسسة عملية رد الجيش الاسرائيلي في قرية قبية في تشرين الاول 1953. أجيزت العملية ردا على قتل امرأة وولدين في يهود على أيدي متسللين من الضفة. كان قائد العملية اريئيل شارون. والجنود من أفراد الوحدة 101. وقتل في العملية نحو من 60 مدنيا. أنكرت الحكومة برئاسة بن غوريون مسؤوليتها. كانت عندها رواية للتصدير: فقد حاولت أن تقنع العالم بأنه ليس الجيش الاسرائيلي هو الذي شارك في العملية، بل قرويون يشتهون الانتقام من سكان بلدات خط التماس. وعارض شريت هذا الاختلاق.

        في نقاش أجراه شريت في مكتبه شارك شفتاي روزان. تناول النقاش قضية الدعاية. يكتب شريت: "جرى التعبير عن الفكرة الخصبة أنه اذا حدد رسميا رواية أن المهاجمين في قبية كانوا العاملين في الزراعة في خط التماس فانه ينبغي أن يصحب هذا النبأ المنشور عمل مقنع يقنع آخرين بصدق الرواية. اقترح شفتاي روزان العزيز، مثلا، أن نستعمل قانون العقوبات الكيبوتسي في بلدات التماس أو أن نظهر استعمالا كهذا على الاقل".

        انضم آخرون الى روزان. غضب شريت: لم يتوقع أن يساعد أشد الناس قربا منه في الاكذوبة التي لن يصدقها أحد في العالم.

        وفي فصل آخر من اليوميات يعبر شريت عن تقديره لمواهب روزان القانونية. يكتب أن "شفتاي فخر للوزارة وذخر غال للحكومة. تتوجه اليه جميع الوزارات بالمسائل والمشكلات، مع الثقة بصلاحيته كخبير رفيع المستوى بالقانون الدولي. فكيف نتخلى عنه؟".

        المشكلة الوحيدة في هذه المدائح أنها كتبت في نيسان 1956، قبل 54 سنة. تدل التجربة التي جمعت في لجان التحقيق على اختلافها على أن العبء على أعضائها كبير جدا. فمن المفروض عليهم أن يهضموا كمية كبيرة من الأوراق في زمن قصير، ومساءلة الشهود والتوصل كل يوم الى قرارات في مواجهة انتقاد لاذع في البلاد وفي العالم أيضا. اذا كنت عضو لجنة ، فاما ان تعمل عملا مضنيا ليلا ونهارا مدة شهور وإما أن تتخلى وتوقع بالموافقة على جميع ما أعده لك الآخرون. وكان عندنا في اللجان في اسرائيل أعضاء من هذين النوعين.

        تخلت الحكومة تخليا كبيرا لم يسبق له مثيل بسبب الضغط الدولي: فقد أدخلت في التحقيق في قضية اسرائيلية ذات سيادة قضاة أجانب. ونقلت بذلك برسالة التعيين واختيار الاعضاء رسالة عكسية تقول إن اسرائيل لا تنوي التحقيق في الحقيقة. اذا كانت هذه اللجنة كافية لارضاء المؤسسات الدولية فان نتنياهو يستطيع أن يفخر بانجاز جميل واذا لم تكن كافية فماذا فعلنا.