خبر منذ متى القومية هي قومانية بالضرورة؟-إسرائيل اليوم

الساعة 11:34 ص|18 يونيو 2010

بقلم: دافيد بارون

الاكاديمية، على نحو مثالي، هي المكان الذي يجب أن ينشأ فيه تفكير مستقل مدروس مستنير. إن أفلطون الذي سمى المدرسة ا لتي أنشأها "الاكاديمية"، استمد الالهام من معلمه وبطل كتاباته سقراط، الرجل الذي بقي ذكره في الثقافة الغربية كالشخص الذي علم كيف يقوض الاعتقادات العمياء باسم الحكمة والحقيقية الواحدة. لم يجر القليل على مفهوم الحقيقية منذ سقراط، لكن السعي الى الحقيقي والى انتقاد الواقع بقي من علامات تمييز المثقفين الذين صعبوا أكثر من مرة الحياة غير المبالية.

        إن المجتمعات التي أحلت محل الشعور النقدي والحذر الغوغائيين والانبياء جلبت الكوارث على أنفسها. وعلى ذلك لا يمكن العيش بغير انتقاد ولا يحل كم الأفواه، حتى عندما تقول هذه الأفواه ما لا يلذ الأذن سماعه. هذا أيضا روح الليبرالية وروح التسامح والنفس الذي تتنفسه الديمقراطية. وتلخص ذلك جيدا المقالة التي نسبت الى فولتير الذي قال: "قد لا أوافقك في الرأي لكنني سأناضل حتى الموت من أجل حقك في أن تقول ذلك".

        لكن لقطعة نقد الانتقاد وجه ثان ايضا: ففي الاكاديمية أيضا يعمل أشخاص ذوو آراء واتجاهات ومواقف يصعب الانصراف عنها أحيانا. وعلى هذا النحو، النقد ايضا كتوجه او عقيدة قد يصبح دوغمائية، عندما يستعمل النقد بلا انقطاع باسم مثال سام يعمي المنتقد عن الواقع. وكان من نتيجة ذلك أن الاكاديمية غير بريئة من الدوغمائية. كنت أود أن أمس الكلام الذي قاله أخيرا البروفسور يهودا شنهاف والمتعلق بالتوجه النقدي: "إن العلوم الاجتماعية تلتزم قيما كونية، لكن ثمة أناس يفهمون الكونية كما يفهمون الخيانة". هل العلوم الاجتماعية تلتزم القيم الانسانية العامة فقط؟ أم أن لها التزاما بقيم محددة – محلية أيضا، أي كتلك التي تتعلق بجماعات محددة كالاسرائيليين مثلا؟ إن الفرض المخبوء في كلام البروفسور شنهاف هو أن القيم الانسانية العامة فقط هي "حقيقية" أو "طبيعية". وبهذا، كتب علماء الاجتماع والمؤرخون والمفكرون الموالون لليسار كتابة كثيرة في أن القومية نتاج مصالح خارجة عنها (اقتصادية مثلا) أو أنها اختلاق في واقع الأمر. ومن هنا فأن الشعور بالانتماء الى قومية ما يصحبه التضليل والوعي الكاذب. بيد أنه يمكن أن نحل القيم الكونية أيضا الى عناصرها وأن نبين تاريخها وأن نمثل كيف تم بناء مكانتها "الطبيعية" او "الحقيقية". فهل العائلة، او اللغة، او  التاريخ المشترك، او الذاكرة المشتركة أقل "طبيعية" من الجناسة، او الطبقة الاجتماعية او مجرد كوننا بشرا؟ هل رسم حدود "طبيعية" هو أقل من اجتياز الحدود؟ وهل الرغبة في الانتماء الى مجموعة هي أقل "طبيعية" من الرغبة في أن تكون متميزا؟

        باختصار سيكون من الاختيار غير النزيه بل الساذج أن نقول إن العلوم الاجتماعية تلتزم قيما كونية فقط. هي في الحقيقة تلتزم ذلك لكن لا أكثر من التزامها قيما غير كونية.

        يقول البروفسور شنهاف إن "هناك أناسا يفهمون الكونية كما يفهمون الخيانة". هذا صحيح، فثمة أناس يثير فيهم المصطلح المشحون "حقوق الانسان" عدم الارتياح وهذا مؤسف. لكن يوجد في الآن نفسه اولئك الذين عندما يرون "القومية" يفكرون من الفور بـ "القومانية" وعندما يسمعون بكلمة "شعب" يفهمون منها "الفاشية". ومن نتيجة ذلك أن طلاب الجامعات في اسرائيل يتعلمون في الأكثر أن الافكار المشايعة لليمين فقط جلبت الخراب على الانسانية. أهذا حق؟ لا يفترض أن ينسى أحد الفاشية والنازية، لكن ماذا عن ضحايا التطرف اليساري؟ ماو، او ستالين؟ او بول بوت؟.

***

        ازاء الاستقطاب الذي أخذ يتعمق في اسرائيل، وعلى خلفية آلية الردود والعنف المادي الذي يطغى في أماكن كثيرة عندنا من المهم أن نؤكد وأن نقول أنه من غير المتأخر أن نتحدث أو أن نصغي في الأساس الى الطرفين. ينبغي أن ننشىء حوارا عاما خلاقا، لا أن نرى من يخالفنا خائنا أو ارهابيا أو فاشيا. لكن حرية التعبير أيضا في مقابلة ذلك والتي لا تعرف حدودها ليست حرية بل فسادا. كما أن الحق الذي لا يوجد الى جانبه واجبات ليس حقا بل قوة مجردة. وبهذا المعنى لا تختلف الديكتاتورية والأنرخية بعضهما عن بعض. وتعلمون ان الضوء يمكن أن يعمي على قدر لا يقل عن الظلام.