خبر الحريديون وسط صراع الدين والدولة.. هل يفجّرون إسرائيل من الداخل؟

الساعة 08:40 ص|18 يونيو 2010

الحريديون وسط صراع الدين والدولة.. هل يفجّرون إسرائيل من الداخل؟

حلمي موسى

تفجرت أمس في شوارع بني باراك والقدس المحتلة، إحدى أكثر المشاكل الإسرائيلية تعقيدا. فقد خرج إلى الشوارع في القدس المحتلة ما يزيد على 100 ألف متظاهر حريدي في «أم التظاهرات» ضد المحكمة العليا الإسرائيلية.

ورافق هؤلاء في احتفالات مدوية، 86 والدا ووالدة ممن رفضوا إرسال بناتهم إلى مدرسة دينية أشكنازية، احتجاجا على قرار المحكمة العليا إلزام المدرسة بقبول فتيات شرقيات.

والقصة في ظاهرها وباطنها قــصة صــدام بين الدين والدولة، بين الشرقيين والغربيين في المجتمع الحريدي، وبين المجتمع الحريدي والمجتمع الإسرائيلي برمته.

وقد بلغت هذه القصة نقطة الغليان بإقدام حاخامات شرقيين على تشجيع رفع التماس إلى المحكمة العليا ضد مدرسة دينية أشكنازية رفضت قبول فتيات شرقيات في صفوفها. وبين الحاخامات الشرقيين هؤلاء يعقوب، ابن المرشد الروحي لحركة شاس، عوفاديا يوسف.

وجاء الالتماس على خلفية العنصرية التي يعاني منها الحريديون الشرقيون في المجتمع والمؤسسات الحريدية الأشكنازية. وكانت هذه العنصرية ملموسة على الدوام ولا حاجة لإثباتها، بل ان نشوء حركة شاس نفسها كان التعبير الأبرز عن ذلك. فقد خرجت هذه الحركة من رداء الأحزاب الحريدية الأشكنازية وخلقت نوعا من التماثل والتقارب بين الحريدي الشرقي والتقليدي الشرقي. وأنشأت إلى حد ما مرجعية دينية وسياسية مغايرة لتلك التي سادت في الوسط الحريدي حتى ذلك الوقت.

ورغم ذلك، فإن حركة شاس لم تقف إلى جانب ابن الحاخام عوفاديا، واعتبرته متمردا، لأنها لم تكن تطمح لحل خلافاتها مع المؤسسة الأشكنازية في المحاكم الدنيوية. وكثيرون يعتبرون شاس الخاسر الأكبر من هذه المواجهة بين الدين والدولة، لأن أحدا من الأشكناز لم يقتنع تماما بأن عوفاديا يوسف لا يقف خلف ابنه.

كما أن أحدا من الشرقيين لم يقتنع بتلعثم وامتناع شاس عن الوقوف إلى جانب محاولة إزالة ظلم تاريخي واقع على الشرقيين.

وفي كل الأحوال أقرت المحكمة العليا وجوب إدراج فتاتين شرقيتين في المدرسة الدينية المسماة «بنت يعقوب». لكن أهالي الطالبات في الصف، الذي ستلتحق به الفتاتان قرروا ألا يرسلوا بناتهم إلى المدرسة، في إجراء اعتراضي على قرار المحكمة.

ووقف الجمهور الحريدي الأشكنازي بكل تياراته إلى جانبهما. بل ان الحريديين وجدوا فرصتهم في التصدي للمحكمة العليا عبر قضية، يعتبرون أنها من صميم حياتهم وهي منع المحاكم الدنيوية من التدخل في شؤونهم التعليمية.

ويرفض الحريديون الأشكناز اتهام الدولة لهم بممارسة العنصرية ضد الشرقيين في مدارسهم. ويضيفون أنه خلافا لهذا الاتهام هناك الكثير من الشرقيين في هذه المدارس. غير أن المطلعين على الأمور في المجتمع الحريدي، يقررون أن مدارس النخبة الحريدية تخصص حصة محددة ومحدودة للشرقيين في صفوفها، وأن هذه الحصة محصورة لذوي الحظوة من الشرقيين أو ممن تخلوا عن طبيعتهم الشرقية.

وينظر كثيرون باهتمام كبير إلى تصدي الحريديين الواسع للمحكمة العليا هذه المرة. ويعتقد هؤلاء أن كبار الحاخامات الأشكناز وجدوا في هذه القضية فرصة لإثبات الحضور من ناحية، ولتصفية الحساب من ناحية أخرى مع المحكمة العليا. ومن الجائز أنهم استغلوا ضعف الحكومة الإسرائيلية الحالية الراغبة في إظهار أكبر قدر ممكن من التلاحم الداخلي، لإعلان تحديهم.

فقد عرض الحريديون أنفسهم كأنهم ضحايا تنكيل ديني مقصود. وجرى التحريض كأن الدولة العبرية، التي أصدر قضاتها أحكاما كهذه بالسجن على آباء وأمهات حريديين، ليست دولة يهودية، وإنما دولة سيئة، وأن الحريديين على استعداد لمجابهتها حتى لو نصبت «أفران الغاز»، بحسب قول أحدهم.

ورغم أنه لا توجد لهذه المشكلة الكبيرة، حتى الآن، أبعاد سياسية، إلا أن تفاعلها مع الوضع الراهن الذي تعيشه إسرائيل، قد يسهم في أن تمتلك قريبا أبعادا سياسية. وقد حذر معلقون من الخضوع لابتزاز الحريديين، واعتبروا أن موقف الحاخامات الأشكناز ضد قرار المحكمة العليا هو نوع من الحرب الفكرية ضد الدولة.

لكن آخرين حذروا من أن قرار المحكمة العليا يقود إلى تفجير إسرائيل من داخلها، بسبب مساسها بالمتدينين، الذين تعتبر توراتهم، المبرر الأول لقيام الدولة.

لقد تدخل الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز والعديد من قادة الأحزاب، في سبيل التوصل إلى تسوية ومخرج من الأزمة الراهنة. لكن الأزمة دخلت، على ما يبدو، في مفترق طرق مهم، ينطوي على احتمالي التصعيد والاحتواء. فالحريديون، شرقيين وغربيين، يعارضون المحكمة ويرغبون في استغلال الدولة. ورغم أن الصراع بدأ أشكنازيا وسفاراديا، إلا أنه تحول إلى صراع بين الدين والدولة.