خبر إخفاق إسرائيلي.. نظرة عليا

الساعة 08:22 ص|16 يونيو 2010

 

إخفاق إسرائيلي.. نظرة عليا

بقلم: هيرش غودمان

مرت مدة تراوح بين 12 ساعة الى 14 ساعة حتى نشر الصور التي  تظهر جنودا اسرائيليين مضروبين مصابين بهجوم منسق مخطط له على متن سفينة "مرمرة". لو نشرت هذه الصور قبل ذلك لربما غيرت تغييرا حاسما شكل فهم العالم وتفسيره لما حدث على متن السفينة. ولربما كانت الصورة تستطيع ان تكون مختلفة تماما لو تلقى الاعلام معلومات سلفا عن هوية الركاب، وعلم الحقيقة عن طابع وهوية المنظمات التي وقفت وراء الرحلة البحرية، والحقيقة عن هوية "نشطاء السلام" اولئك – وهي معلومات استخبارية يحتمل افتراض ان اسرائيل كانت تملكها وهي التي تعقبت من قريب هذا الاسطول مدة 6 أشهر.كان يجب على اسرائيل أن تستعمل هذه المعلومات استعمالا ناجعا حتى قبل ان يخرج الاسطول من الميناء، وربما أن تضعف ريحه الخطابية والمسرحية. لكن كل ذلك لم يحدث. فالصورة التي حصل عليها العالم بالفعل كانت العكس المطلق للحقيقة، أي الصورة التي أراد منظمو الرحلة ان يصدقها العالم. وكان من نتيجة ذلك أن وقفت اسرائيل أمام اخفاق دعائي آخر، ذي تأثيرات استراتيجية ثقيلة الوزن هي اختلال العلاقات بتركيا وتوتر جديد في العلاقات بأوروبا بل بالعالم العربي وحتى بالولايات المتحدة.

        في مركز هذه الحادثة، كما في الهزيمة العامة الاسرائيلية بعد عملية "الرصاص المصبوب" في قطاع غزة (كانون الأول 2008 – كانون الثاني 2009)، وجد الفرق بين الأشخاص الذين يملكون المواد لتأسيس "الرواية" الاسرائيلية من الجماعة الاستخبارية، وبين الاشخاص الذين يجب أن يبينوها للعالم أي الجماعة الدبلوماسية العامة. بطبيعة الأمر لا يمكن أن ينشر على الملأ جميع المواد الاستخبارية اذا كان هذا النشر قد يعرض للخطر مصادر المعلومات او المهمة. لكن في حالة الرحلة البحرية المحددة، ليس واضحا البتة هل أخرت المواد التي تعرض الهجوم الوحشي على جنود الوحدة البحرية الاسرائيلية لهذه الاسباب. يبدو أن السبب الرئيس لتأخير نشر الصور كان خوف الجيش من أن يفضي نشرها الى خفض الروح المعنوي في صفوف الجيش فضلا عن الانتقاد العام. وهكذا أخر الجيش، بموافقة مناسبة من الحكومة، نشر مقاطع الصور، وهو قرار ربما كان صحيحا من وجهة نظر الجيش، لكنه مخطوء من وجهة نظر علاقات الدولة الخارجية. ليس الجيش مسؤولا عن الدبلوماسية العامة للدولة – أما الحكومة في مقابلة ذلك فهي مسؤولة عنها. لقد عرفت بالمواد، لكنها قبلت كما يبدو منطق الجيش الذي ينظر الى العام بمنظار يختلف تماما. كانت الحكومة عالمة ايضا بهوية الركاب على متن السفينة وكانت عالمة ايضا بتعاون الحكومة التركية في هذا الشأن، وبمسؤولي حماس الكبار على متن السفينة (قائد حماس في اوروبا مثلا)، وبالارهابيين المعلوم انهم مسلمون متطرفون، أرادوا الوصول الى غزة قصدا الى تدريب حماس على استعمال تقنيات متقدمة وانتاج قنابل. بعد أيام من الحادثة عندما أطلقت هذه المعلومات للنشر، بدأ الرأي العام العالمي يميل الى جانب اسرائيل، لكن الضرر الذي وقع كان عظيما.

        إن الكشف عن صبغة المعتقلين في الحادثة، وعن تاريخ المنظمات الاسلامية المشاركة، وعن القسوة ("عودوا الى اوشفيتس") للردود شبكة اتصال السفينة على النداءات الاسرائيلية التي تحذرها من التقدم نحو غزة، ودور تركيا، والعنف المنظم الذي يعرض حياة الجنود للخطر ممن نزلوا فوق متن السفينة، كان يمكن أن يخلق وجهة نظر تختلف تماما للرواية التي صدرت الى العالم لو كانت هذه المعلومات حاضرة امام المسؤولين عن الدبلوماسية العامة الاسرائيلية. وللأسف الشديد لم تكن هذه المعلومات حاضرة. وكان من نتيجة ذلك أن اندثرت شهور من الاعداد لوزارة الخارجية وديوان رئيس الحكومة لطرائق الرد على تحدي الاسطول.

        يقع قلب المشكلة ومصدرها، وعلى نحو غير مفاجىء، في الجماعة الاستخبارية. لا ينبع ذلك معاذ الله، من نية سيئة، بل من جوهر وطبيعة تلك الجماعة أي: من السرية والتمسك بهدف واحد فقط هو مساعدة قوات الجيش الاسرائيلي على تنفيذ مهمتها. لا يعني هذا أن أجهزة الاستخبارات عمياء عن حاجات الدبلوماسية العامة الاسرائيلية؛ بل الأمر ببساطة غير موجود في مكان مرتفع في برنامج عملها. ومن هنا  كان الصمت عن "النشطاء" على متن السفينة، وعن غايتهم النهائية للخروج الى غزة.

        يجب ان يتغير هذا الوضع. في هذه الفترة وهذا العصر، وفي واقع نشرات أنباء تذاع فيما لا يحصى من القنوات، 24 ساعة في اليوم، وحيث أن السرعة والتفوق على المنافسات هو المشهد العام – تسود الاشاعات و "الحيل الاعلامية" والتلاعب بالحقائق، كما بينت حادثة الرحلة البحرية على نحو حاسم، في عملية "الرصاص المصبوب" في قطاع غزة – التي أفضت الى انشاء لجنة غولدستون – وفي الحادثة الحالية، فان الحاجة الى مواد تساعد اسرائيل على تثبيت دعواها وأحقيتها مهمة على نحو لا مثيل له. لم يعد الحديث عن مسألة صورة، لكن في سياق الواقع بعد غولدستون والحملة المنسقة لوصم اسرائيل وسلب الدولة شرعيتها، يبدو الأمر مهما بنفس قدر أو أكثر المعارك التقليدية التي تواجهها اسرائيل. من نتيجة هذه الحملة الدعائية ان اسرائيل تواجه مقاطعات اقتصادية وفنية وجامعية، وهجمات لا تنقطع في الأمم المتحدة ومحافل عالمية أخرى. تسعى حملة الوصم هذه الى تقويض حلفائنا وبخاصة في العالم العربي حيث المشاعر المعادية لاسرائيل في ذروتها، وتحرج أصدقاءنا. حان وقت أن يبدل المسؤولون في الجماعة الاستخبارية والامنية اتجاههم في كل ما يتعلق بالشراكة في المعلومات. ثم وعي أخذ يزداد لكون هذا الأمر ضروريا لكن توجد حاجة عاجلة الى اتخاذ خطوات محددة في هذا الاتجاه. تملك اسرائيل أجهزة الدبلوماسية العامة المطلوبة كي تعرض روايتها على نحو ناجع. ودون ذخيرة فانها عديمة الحيلة.