خبر الحقيقة التي لا تحل رؤيتها -هآرتس

الساعة 08:53 ص|15 يونيو 2010

الحقيقة التي لا تحل رؤيتها -هآرتس

بقلم: اليكس ليبك

(المضمون: الرقابة التي تمارسها سلطات الجيش الاسرائيلي على التصوير الصحفي وبث الصور هي رقابة تخالف المعمول به في الدول الغربية الديمقراطية - المصدر).

برغم العصر الرقمي، الذي يمكن من اللعب بالصور، فان صدقها كشهادة ذو قيمة حاسمة. إن مقرري السياسات الاسرائيلية وصاغة الرأي العام هبوا الى التصريح عن نية التغطية على بث صور ووقفها عن الرحلة البحرية مؤملين ان تنتقل المعلومات من طريقهم فقط. مع ذلك كله كانت شبكة "الجزيرة" هي التي بثت الصور الاولى من "مرمرة" في لحظات الاستيلاء الحاسمة وحددت الحقائق.

في فيلم الفيديو القصير يبدو محاربو الوحدة البحرية المسلحون على متن السفينة. وفي بطن السفينة، جلبة عظيمة، وأناس كثيرون، اثنان منهم جريحان او ميتان، وامرأة تحمل حمالة مصبوغة بالدم. أحدثت هذه الصور عند المشاهدين انطباع عملية جماعية. بثت الصور مرة بعد أخرى في جميع شبكات التلفاز في العالم، بعد ذلك بساعات طويلة فقط أطلق متحدث الجيش الاسرائيلي الرواية الاسرائيلية الاولى: في مقابلة اللون وجودة الصور عند الجزيرة، كان كل ما يمكن رؤيته صور شاحبة بعيدة من أعلى وبالاسود والابيض، لنقط سوداء متحركة.

        بتأخر كبير أتت الرواية الاسرائيلية المحسنة. هنا أيضا يظهر بالاسود والابيض الاحداث نفسها من زاوية أخرى، وما تزال ذات جودة منخفضة: فهناك ظلال أفراد الوحدة البحرية ينزلقون على حبال من المروحية، يهاجمهم الركاب، ثم المشاهد المؤلمة للشخص الذي يرمى عن متن السفينة والاذرع المرفوعة بالهراوى التي تضرب شخصا ما.

        بين الدكتور اودي ليبل وهو محاضر في علم النفس السياسي من المركز الجامعي اريئيل، ان هذه الصور عززت صورة الذات الاسرائيلية – اليهودية – لقلة في مواجهة كثرة، وضعفاء في مواجهة أقوياء، وضحايا الكراهية والعنف. لا أشك في أن هذه الصور أحدثت زعزعة عند المشاهدين الاخرين. ان الترتيب الزمني الذي بثت فيه جميع صور الجزيرة للجرحى والقتلى، وبعد ذلك صور متحدث الجيش الاسرائيلي، هو الذي حدد الرواية العالمية وهي أن عنف الجنود قد سبق.

        عندما سئل العقيد عوفير كول المسؤول عن وحدة الاعلام في الجيش الاسرائيلي، لماذا لم يسمح لمصوري الصحف بتغطية الحدث من قريب، بين ان الجيش الاسرائيلي لا يريد أن يبث صورا لجنود يحاربون ويجرحون، لامكان أن تشاهد ذلك عائلاتهم. وكأنه لا يوجد تنقيح او امكان الطمس على الوجوه. لكن برغم ان الجيش الاسرائيلي لم ينقل صورا حقيقية، وصودر أكثر المادة التي صورها المشاركون في الرحلة البحرية ومحيت، مع ذلك كله نشرت الصور المؤلمة السيئة من وجهة نظرنا، للجنود الجرحى المكشوفي الوجه النازفين المهانين نشرت في العالم كله وبغير مناص عندنا أيضا. لا يمكن منع تسرب شهادات مصورة. لا يمكن اجراء الرقابة على اكثر من 600 شخص كان مع الكثير منهم آلات تصوير. توجد اليوم برامج قادرة على استعادة الصور التي محيت.

        ان محاولة السيطرة على المعلومات ليست جديدة على قوات الأمن. اذا كان كل قائد فرقة في السنين الاولى من نشوء الدولة قد اراد ان يضم اليه مصورا، ليخلدوا بطولته، فان مصورين "من قبل طرف ما" وتحت رقابة مشددة، يحل لهم اليوم دخول ساحات الاحتكاك. إن اولئك الذين يملكون صلاحية تقرير ما الذي يوثق وكيف وما الذي يبث للأمة، لا يريدون صحافة حرة. إن الصورة الغوغائية عن اعلام يساري كاره لاسرائيل تتغلغل في كل مكان. في الجيش – من آخر قائد صف في حاجز يصرخ "لا تصور" الى قائد المنطقة الذي يوقع على أمر يأمر بمنطقة عسكرية مغلقة أمام وسائل الاعلام – الى الشرطة والشاباك. وكل حارس في شركة حراسة خاصة، وكل مستوطن عنيف وكل مواطن في واقع الامر على ثقة من أنه يجب عليه ان يسد بيده عدسة المصور. إن شهادة الصحفي التي يمنحها مكتب رئيس الحكومة بعد تحقيق أمني قيمتها كقيمة قشرة الثوم بل تثير الكراهية في مرات كثيرة. أصبحنا نحن مصوري الصحف الاسرائيلية نفضل اكثر فاكثر، أن نعرض أنفسنا بأننا هواة للامتناع عن الاحتكاك. وفي حين ان شهادة الصحفي في كل ديمقراطية غربية تفتح الابواب، فانها عندنا تفتح أبواب المتاحف فقط. لا توجد جهة واحدة تهتم بحقوقنا ولا حتى اسر التحرير في الصحف. ولا حتى نحن. ان من يريد تغطية عيون الشعب سينتهي به الامر الى أن يعميها.