خبر موسى في غزة: « رفع الحرج » لا « رفع الحصار »..عريب الرنتاوي

الساعة 07:05 ص|15 يونيو 2010

موسى في غزة: "رفع الحرج" لا "رفع الحصار"..عريب الرنتاوي

 

هي زيارة "رفع الحرج" عن الجامعة وأمينها العام والنظام (أو بالأحرى اللانظام) العربي الرسمي، وليست زيارة "رفع الحصار" عن القطاع المنكوب كما صورها عمرو موسى...هي زيارة "تدارك ما يمكن تداركه" في ربع الساعة الأخير للحصار، وبعد أن اقتنع العالم عن بكرة أبيه باستحالة بقاء الحال على هذا المنوال بالنسبة للقطاع المجّوع...وهي الزيارة المضبوطة على إيقاع شروط رام الله وإملاءات القاهرة وحسابات واشنطن وتل أبيب...إنها الزيارة الدالة على هزال الوضع العربي حتى وإن غلّفها موسى كعادته بكثير من الشعاراتية اللفظية المفرغة من أي مضمون، والمصحوبة دائماً بأداء درامي رفيع و"لغة جسد" تليق بهوليوود ومدينة الإعلام في ضواحي القاهرة.

 

لو أنها زيارة "رفع الحصار" لوجب إتمامها قبل أزيد من ثلاث سنوات....ولو أنها زيارة "إتمام المصالحة" لتعين القيام بها منذ انهيار حكومة الوحدة وسقوط "اتفاق مكة"...ولو أنها زيارة إنفاذ القرارات العربية بكسر الحصار واستعادة الحوار وإتمام المصالحة، لتعين على الأمين العام أن تكون هذه هي زيارته العاشرة للقطاع وليس الأولى من نوعها...لهذا لم نأخذ، ولم يأخذ الفلسطينيون الزيارة على محمل الجد، ولماذا نأخذها كذلك طالما أن الجامعة العربية قد باتت ومن سنوات طوال، قرين الفشل والعجز والتخاذل، وائتوني بملف عربي واحد، نجت الجامعة في إغلاقه، حتى نتفاءل بقدرتها على إغلاق ملفات الحصار والمعابر والمصالح وغيرها من ملفات فلسطينية شائكة !.

 

أصدقكم القول أنه في كل مرة كان يُؤتى على وصف الزيارة كحدث غير مسبوق أو أنها الأولى من نوعها، كنت ازداد اقتناعاً بأنها زيارة رفع عتب لا أكثر ولا أقل، فالأمين العام كثير التسفار والتجوّال، جاب الكرة الأرضية جيئة وذهابا، ولم يكلف نفسه عناء الوصول إلى القطاع الذي لا يبعد أكثر من مرمى حجر عن مقر جامعته العربية. حتى في زمن الرصاص المسكوب على رؤوس نساء غزة وأطفالها، ظل الأمين العام "قاعداً"، لم يفعل شيئاً أو يحرك ساكناً، لأنه كان أسير المواقف العربية المتواطئة مع الحصار بل والشريكة في صنعه، ولم يتردد أو يرفّ له جفن وهو يصدر "الفتاوى القومية" التي تبرر حرب الجدران الفولاذية والالكترونية المزروعة فوق الأرض وتحتها التي تُشن على أبناء غزة المعذبين في وطنهم ومن أبناء جلدتهم وعروبتهم ودينهم.

 

دخل عمرو موسى إلى غزة وخرج منها من دون أن يحدث فرقا أو يترك أثرا، من دون أن يدرأ ضراً أو يجلب نفعا...ولعلي بأهل غزة من مختلف مشاربهم ومرجعياتهم، قد رحّبوا بالرجل من باب "أصول الضيافة وقواعدها" وعملاً بنظرية "الغريق والقشة"، لكن الضيف وقد أُخذ بحرارة الاستقبال وحمى المنابر على ما يبدو، تقمص بعضاً من ملامح جمال عبد الناصر، وأخذ بالقاء الخطابات التحريضية على الانقسام والمنقسمين، ويطلق الوعود يمنة ويسرة، ولم يخطر بباله وهو المهزوم المنتشي بحفاوة الاستقبال وحرارته، أن يتقدم من أهل القطاع بكلمات اعتذار أقلها: "تأخرنا عليكم".

 

وأحسب أن النبرة الخطابية التي ميّزت حديث الأمين العام، لم تدفعه للخروج عن "ضوابط الزيارة ومحدداتها" المعدة سلفاً، خارج أروقة الجامعة العربية، فـ"دفتر الشروط" الذي وقّعه موسى قبل أن يشرب "حليب السباع" ويقرر زيارة القطاع، تضمن جملة من المعايير والضوابط أهمها: (1) الحرص أشد الحرص وأتمه على عدم منح حماس أية ميزة خاصة جراء هذه الزيارة، ولهذا كان لافتاً اختيار منزل رئيس الحكومة المقالة في مخيم الشاطئ مكاناً للقاء موسى هنية بدل مكتبه في مجلس الوزراء...(2) ربط رفع الحصار بإتمام المصالحة، وفيما يشبه "الشروط المسبقة" والاعتراف المتأخر بأن الحصار استخدم ورقة ضغط على حماس من قبل، ويجب أن يظل كذلك من بعد، ولهذا لم يكن صدفة أبداً أن يسبق زيارة موسى لغزة حديث فيّاض عن فتح المعابر وفقا لاتفاق 2005، وتقرير هآرتس عن رفض الرئيس عباس رفع الحصار بالكامل وإصراره على عدم تمكين حماس من تحقيق نصر من أي نوع، وهو موقف قيل أن مصر تتبناه بالكامل....(3) تبرئة النظام العربي بالكامل من أوزار الحصار المضروب على القطاع، وتحميل الفلسطينيين (بعد إسرائيل) المسؤولية عن استمرار الحصار بفعل انقساماتهم، لكأنه لم يرى الأبراج والجدران الالكترونية والألواح الفولاذية وهو في طريقه إلى معبر رفح، او لكأنه لم يلتق بأي من الخبراء الأمريكيين والفرنسيين الذين يشرفون على بناء "خط ماجينو" الجديد نيابة عن إسرائيل وإمعاناً في طمأنتها، فضلا بالطبع، عن تبنيه غير المباشر، وبطريقة تهريجية ظاهرة، لموقف القاهرة ورام الله من مسألة توقيع الورقة المصرية، وتحت شعار "الإرادة بالمصالحة أهم من أي توقيع".

 

عمرو موسى أنجز زيارة الساعات العشر لقطاع غزة، وهي "عشر ساعات لم تهز أحداً" على الإطلاق، توقيتها مفضوح، وبرنامجها مضبوط بدقة على وقع الشروط الدولية والإقليمية، التي طالما حذرنا منها وفي هذه الزاوية بالذات، عندما قلنا في غير مرة، بأن الحصار سيرفع أو يخفف عن القطاع، بيد أنه سيستمر وقد يشدد على حماس، أو هكذا تريد بعض الأطراف أن يتم الأمر، وأن يستخدم كورقة ضغط على حماس بدل أن يكون ورقة بيدها، فيتحول رفع الحصار (تخفيفه) من ذخر لحماس ومكسب لها، إلى عبء عليها ينتقص من رصيدها.

 

ولهذا دعونا إلى الاستنجاد بلاعبين دوليين وإقليميين لقطع الطريق على محاولات التوظيف الانتهازي التي تقوم به دوائر فلسطينيية وعربية، تسعى في جرف مسيرة أسطول الحرية وتداعياتها عن سكتها، وتحويلها إلى وسيلة لتسوية بعض الحسابات، سواء كانت فلسطينية داخلية أو عربية – فلسطينية.