خبر إسرائيل تدمر نهر الأردن

الساعة 04:17 م|14 يونيو 2010

إسرائيل تدمر نهر الأردن

فلسطين اليوم: رام الله

عادت أوساط إسرائيلية تلوح مؤخرا بأن الجزء الجنوبي من نهر الأردن مهدد بالجفاف، وتدعي تلك الأوساط بأن "إنقاذ" النهر يتطلب، على وجه السرعة، أن يضاف إليه 400 مليون متر مكعب من المياه، كحد أدنى.  وتزعم أيضا بأنه من خلال عمل مشترك بين إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية يمكن توفير 500 مليون متر مكعب سنويا يتم صبها في النهر.  هذا ما قاله، تحديدا، بحثان إسرائيليان جديدان عُرِضا في مؤتمر خاص بترميم نهر الأردن، عقدته في أيار الماضي بعمان، المنظمة الإسرائيلية "أصدقاء الأرض-الشرق الأوسط" التي تهدف إلى تعميق التطبيع الإسرائيلي–العربي–الفلسطيني تحت أغلفة بيئية.  فما هي حقيقة "الحماسة" الإسرائيلية "لإصلاح" نهر الأردن، وهل من بواعث سياسية – استراتيجية وأمنية مستترة خلفها؟

بداية، لا بد من الإشارة إلى أنه، حتى أواسط الستينيات، كان نحو مليار و300 مليون متر مكعب من المياه يصب سنويا على طول الجزء الجنوبي من النهر، في جريان سريع، علما بأن عرض النهر كان يتراوح بين 40-60 متراً.  أما اليوم، فلا يصب في ذلك الجزء من النهر سوى كميات هزيلة جدا من المياه، لا تتجاوز 20 – 40 مليون متر مكعب، بينما يتراوح عرض النهر بين نصف متر إلى ستة أمتار فقط!  أي أن كميات المياه التي كانت تجري تاريخيا في النهر انخفضت بنحو 98%.  وحاليا، لا تتجاوز المياه الطبيعية التي تصب في الجزء الجنوبي من النهر 2% من المياه التي كانت تصب فيه في الماضي. 

السؤال الجوهري المطروح هو:  ما سبب هذا الاستنزاف والدمار الذي أصاب نهر الأردن؟

من المعروف أن إسرائيل حجبت جريان المياه العذبة نحو النهر؛ بل إنها عملت، منذ الستينيات، ولا تزال، على تحويل أكثر من نصف كميات الجريان المائي إلى وجهات أخرى.  ويعد الجزء الجنوبي من نهر الأردن أحد أكثر المسطحات المائية تلوثا في فلسطين؛ إذ إن إسرائيل حولته إلى نهر فقير بالمياه مشوه المعالم ومرتع للنفايات السائلة الإسرائيلية.  كما أنها جففت منابعه وروافده التقليدية التي دأبت على سرقتها وتحويلها إلى صحراء النقب، لأغراض استيطانية.  والجريان المائي البارز الذي يمكن ملاحظته في الجزء الجنوبي من النهر هو تدفق المياه العادمة.

ولدى إنشائها ما يسمى "ناقل المياه القطري"، في عام 1964، أقامت إسرائيل سدا، في منطقة تبعد نحو كيلومتر واحد من موقع خروج النهر من بحيرة طبريا، وذلك لمنع تدفق مياه بحيرة طبرية في النهر.  كما أقامت العديد من السدود على طول النهر؛ مما منع تدفق المياه المغذية له، فضلا عن وقف جريان مياه الفيضانات إليه.   وفي المقابل، أصبحت التجمعات الاستيطانية اليهودية في طبرية وغور الأردن وبيسان من أكبر ملوثات الجزء الجنوبي من النهر، حيث تعمد هذه التجمعات إلى صب كميات هائلة من المياه العادمة المنزلية والصناعية غير المعالجة فيه، مما حول لون مياهه إلى الأخضر، وانتشرت الروائح الكريهة في مختلف أنحائه.  وتقدر وزارة البيئة الإسرائيلية كميات المياه العادمة التي تتدفق سنويا في الجزء الجنوبي من النهر بنحو 3 ملايين متر مكعب.

وأفاضت إسرائيل عليه كميات ضخمة من مياه المجاري؛ فحولته إلى مستنقع مائي خطر على الصحة العامة وملوث بالنيترات وبمستوى مرتفع من بكتيريا الكوليفورم (القولون)؛ مما يشكل دلالة على أن المياه ملوثة بنسبة عالية من المخلفات البشرية والجراثيم المسببة للأمراض، وذلك بعد أن كان النهر، عبر العصور، من أكثر أنهر العالم اختزانا للقيم التربوية والدينية والبيئية والسياحية. 

وبالرغم من ذلك، لا يزال الحجاج المسيحيون يغطسون في النهر وتحديدا في الموقع المسمى "قصر اليهود" المحاذي لأريحا.

 

انقراض التنوع البيولوجي

وبسبب جريان المياه العادمة والمالحة في النهر، فقد انقرضت أكثر من 50% من أحيائه ونباتاته، خلال الخمسين سنة الأخيرة، كما أن جميع الأنواع الحساسة للتلوث والملوحة اختفت، وبقيت بعض الأنواع التي تتحمل الملوحة.  وفي ظل استمرار الوضع الحالي، هناك خطر قائم بأن تجف كليا أجزاء كبيرة من النهر، تماما كما هو حال الجفاف الزاحف في البحر الميت، والذي تسببت فيه إسرائيل أيضا، و للأسباب ذاتها.

وتُغَيَّب المنظمة تماما المسئولية الإسرائيلية الأساسية في تدمير جزء كبير من حياة النباتات والأحياء في النهر، وبالتالي دورها في عملية انقراض التنوع البيولوجي، علما بأن السبب الأساسي للتدمير الحاصل يكمن في حقيقة النهب الإسرائيلي الهائل، خلال العقود الأخيرة، لمياه بحيرة طبرية التي تعد أهم مغذّ للنهر.  الأمر الذي أدى إلى هبوط نحو 98% من كميات المياه العذبة المتدفقة في النهر.  وبدلا من ذلك، فإن معظم المياه التي تصب في النهر حاليا عبارة عن كميات ضخمة  من المياه العادمة الإسرائيلية.  

وفي بحث أجرته مؤخرا منظمة "أصدقاء الأرض-الشرق الأوسط"، وقدمته لمؤتمر عمان، زعمت بأنه يمكن،  بواسطة عمليات بسيطة، توفير 500 مليون متر مكعب من المياه سنويا، وصبها في النهر.  ومن بين تلك العمليات التي تنصح الإسرائيليين بتنفيذها:  تقليل الفاقد المائي من الأنابيب، تقليص كمية المياه الضائعة من الخزانات من خلال تغطيتها لمنع التبخر، جمع مياه الأمطار على أسطح المنازل وفي ساحاتها، تقليل كميات مياه ري البساتين، والاستعاضة عن النباتات البستانية والمحاصيل الزراعية بأخرى لا تستهلك الكثير من المياه، فضلا عن إعادة استعمال المياه الرمادية في الري وفي غسل المراحيض.

 

كذب وتضليل

يحاول معدو البحث من المنظمة الإسرائيلية المذكورة، الإيحاء بأن هناك "مساواة" في المشاطأة على النهر بين إسرائيل والفلسطينيين.  لذا، و"لإنقاذ" النهر، يطالب "الباحثون" السلطة الفلسطينية بأن تعمل على تقليص استهلاك المياه، وبخاصة في الزراعة، فضلا عن وقف الفاقد المائي الناتج عن تسرب المياه من الأنابيب، وترشيد عمليات الري، وجمع مياه الأمطار على أسطح المنازل.

والمفارقة، أن منظمة "أصدقاء الأرض-الشرق الأوسط" تطالب الفلسطينيين بأن يساهموا في "إصلاح" النهر، وكأن للأخيرين "مشاطأة" على النهر.  وهذا، بالطبع، غير صحيح إطلاقا، لأنه لا يوجد للفلسطينيين أية سيطرة أو سيادة أصلا على أي جزء من نهر الأردن، بل إن الفلسطينيين محرومون من حقهم في استخدام ثروتهم المائية في النهر والتي كانوا يستخدمونها جزئيا قبل حزيران عام 1967.

كما تتجاهل ذات المنظمة ما  تمارسه إسرائيل من سياسة تعطيش ضد الفلسطينيين، بل إن عوزي لانداو وزير البنى التحتية الإسرائيلي هدد مؤخرا بإنزال أقصى العقوبات الجماعية ضد فلسطينيي الضفة الغربية، والمتمثلة بتقنين كمية المياه التي تعطيها إسرائيل للسلطة الفلسطينية، تلك المياه المقننة أصلا.

إذن، بالرغم من كون الإسرائيليين هم المسبب الأساسي في استنزاف وتدمير نهر الأردن؛ فالمطلوب من الفلسطينيين أن يشاركوا الإسرائيليين في مشروعهم الهادف إلى إصلاح ما أفسده الأخيرون بشكل منظم، من خلال ما قاموا به من تجفيف الروافد المغذية للنهر، وتحويلها إلى قنوات مياه عادمة بأبخس الأثمان.

والمثير للسخرية والاشمئزاز هنا، أن بعض الفلسطينيين الناشطين في المنظمة الإسرائيلية، خولوا أنفسهم المشاركة في مشاريع إسرائيلية "سيادية" تهدف أصلا إلى تثبيت الوجود الصهيوني الاستيطاني في فلسطين بعامة، وفي الأغوار وصحراء النقب بخاصة، علما بأن الفلسطينيين يفتقرون إلى الحد الأدنى من أشكال السيادة السياسية على الأرض والموارد المائية الفلسطينية التي تقع بالكامل تحت هيمنة الاحتلال.

وستجني إسرائيل من ما يسمى مشروع "إصلاح" نهر الأردن، ومن خلال الدعم العربي والغربي، تنمية اقتصادية وسياحية واجتماعية واستيطانية للأغوار وصحراء النقب المحتلين، وبالتالي، تثبيت الوجود الاستيطاني فيهما. 

ولا تنبس منظمة "أصدقاء الأرض-الشرق الأوسط" بكلمة واحدة عن الحل الجذري لمشكلة تراجع النهر وتدهوره، وبالتالي "جفافه"، وهو أن تتوقف إسرائيل عن حجبها لتدفق مياه بحيرة طبرية في نهر الأردن (نحو 650 مليون متر مكعب يتم نهبها سنويا من حوض نهر الأردن).  وهذا يعني توفير مئات ملايين الأمتار المكعبة سنويا من المياه المنهوبة مباشرة من النهر أو من الروافد المغذية له، وهذه الكمية أكبر مما يحتاجه النهر لحل ما يسمى خطر جفافه.

أي أن وقف تدهور نهر الأردن، وبالتالي البحر الميت، يكمن في إعادة الحياة إلى نظام الجريان الطبيعي لسلسلة بحيرة طبرية – نهر الأردن – البحر الميت، الأمر الذي سيساهم في إعادة أكبر قدر من التوازن البيئي الطبيعي الأصلي لحوض نهر الأردن، وبالتالي تقليص المخاطر وعدم اليقين.

وختاما، من المفيد التذكير أن إسرائيل تعتبر مساحات شاسعة من النهر والأراضي المحيطة به منطقة عسكرية مغلقة، بل إن مناطق معينة منها لم تطأها قدم الإنسان الفلسطيني منذ أكثر من ستين عاما.  وبالرغم من هدوء الحدود الإسرائيلية الأردنية، منذ عشرات السنين، إلا أن حظر الدخول إلى مساحات كبيرة من محيط النهر لا يزال ساريا، بسبب انتشار الألغام الأرضية.

*جورج كرزم