خبر وطن في رجل/ بقلم الصحفي محمد ناصر عسليه

الساعة 04:10 م|14 يونيو 2010

وطن في رجل/ بقلم الصحفي محمد ناصر عسليه

 

عشق تراب وطنه, فعشقه أبناء غزة, وذاع صيته بين ظهرانيهم فكان مثالاً للشجاعة والوطنية والتضحية..

في حي الزيتون - أقدم وأعرق أحياء غزة - كان مولده, وفلسطين كانت عشقه الأبدي, أما الحرية فكانت مطلبه, فاتخذ العدل منهجاً له, ليصبح كالنجم يضيء سماء الوطن في محياه وبعد مماته.

ولأننا لا ننسى شهداءنا أبداً , فقد آثرت أن أتحدث اليوم عن ( توفيق أحمد السيد عايديه), الفدائي الفلسطيني الذي عاش ثائراً, مصلحاً, مناضلاً, شاعراً ومات فدائياً شريفاً.

ولمن لا يعرفه, فقد ولد هذا البطل في بيت متواضع معروف لدى سكان غزة في حفاظه على الأخلاق والقيم الفلسطينية الأصيلة , وقد زرعت أسرته في قلبه وروحه حب الأرض والوطن.

 

تميز شهيدنا بذكائه الشديد, كما كان يمتلك ملكة الحفظ, مما ساعده على حفظ أجزاء كبيرة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وسير الصحابة الكرام والتي ظل يعمل بها حتى لقي ربه شهيدا .

 

وبعد أن أصبح شاباً قرر الالتحاق في صفوف الشرطة المدنية , وذلك في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين, وجاء التحاقه بناءا على طلب جيرانه وأهله ومعارفه الذين أعطوه ثقتهم , وقد كان مميزاً ولفت أنظار مسؤولية فحصل على رتبة نقيب نظراً لجهوده في خدمة أبناء شعبه , وشجاعته وشهامته.

 

ولم يكن ذلك كافياً بالنسبة له, فانشغاله بهموم أبناء وطنه جعله يقضي معظم نهاره في العمل ما بين عمله العسكري والإصلاحي , حيث كان الرجل الأقدر على الإصلاح بين الناس وحل مشكلاتهم والتقريب بينهم لما امتلكه من قدرة على الإقناع.

 

فما إن ينتهي من دوامه الحكومي حتى يتنقل بين العائلات الفلسطينية , لينشر الحب والخير, ويذوب أي جفاء أو حقد قد ينشأ بينهم , في أسلوب راقي ودون أي محاباة , وبعيداً عن الكلام الزائف المنمق , فاكتسب ثقتهم واحترامهم .

 

انشغاله الدائم بين عمله الحكومي والإصلاحي لم يشغله عن الاهتمام بالضعفاء والفقراء واليتامى , فكثيراً ما كان يخفف عنهم , ويوفر لهم احتياجاتهم , ويحاول دمجهم بالمجتمع, ومساعدتهم على إيجاد عمل شريف يكفل لهم العيش بكرامة.

 

ولا يزال سكان حي الزيتون يذكرون مواقفه تجاه الفقراء إلى يومنا هذا , ولا تزال سيرته تستحوذ على مجالس العائلات الفلسطينية ليس في حي الزيتون فحسب , وإنما في جميع أرجاء القطاع .

 

ومن خلال بحثنا في سيرة المناضل , تفاجأنا أنه كان يمتلك القدرة على تأليف الشعر أيضاً , والذي كان يهدف من ورائه إلى تقويم سلوك الأفراد وتعليم الأطفال والشباب القيم والعادات العربية الإسلامية السليمة, وله عشرات القصائد والمقاطع النثرية التي تعتبر حكم , وتعبر عن مجتمعنا الفلسطيني في تلك الفترة , وتعكس واقعه الاجتماعي والسياسي والثقافي والأخلاقي.

 

وما إن انتهى الانتداب البريطاني على فلسطين وتمكن اليهود من أرضنا الفلسطينية واستولوا عليها, حتى تنبه شهيدنا البطل إلى هذا الخطر , وأيقن وقتها أن الجهاد والبندقية هما السبيل لتحرر الأرض والإنسان , فالتحق في صفوف جيش التحرير الفلسطيني ( ما كان يعرف بجيش الشقيري) وحصل على رتبة ضابط آنذاك .

 

وحارب الضابط الثار الاحتلال الإسرائيلي مع رفاقه في كل زاوية وحارة وزقاق في قطاع غزة, وذلك بالتوازي مع بث روح الجهاد والمقاومة في صفوف المواطنين , وحثهم على محاربة المحتل والانضمام لجيش التحرير .

 

ولم ينال الاحتلال منه رغم محاولاته المتكررة , إلى أن فتك به المرض ,وتمكن من قلبه الشجاع , لتنفذ إرادة الله , فيدفن في التراب الذي عشقه , ولكن سيرته الطيبة لم تمت فهو واحد من رجالات فلسطين الذين سطروا تاريخنا بالمجد والعزة.