خبر العمر والمناورة- يديعوت

الساعة 08:38 ص|14 يونيو 2010

العمر والمناورة- يديعوت

بقلم: ناحوم برنياع

ماذا يفكر الاسرائيليون برئيس وزرائهم في اعقاب قضية الاسطول؟ حسب استطلاع اجراه معهد "ديالوغ" ونشره يوم الجمعة يوسي فيرتر في "هآرتس"، فان الرضى عن أداء بنيامين نتنياهو ارتفع على نحو شاهق، من 41 في المائة قبل ثلاثة اشهر الى 52 في المائة الاسبوع الماضي. وبالمقابل، سجل انخفاض دراماتيكي في معدل غير الراضين من 51 في المائة الى 40 في المائة.  57 في المائة من بين المستطلعين قالوا انهم يثقون الان بقيادة الحكومة اكثر مما كانوا في الماضي. الرضى عن باراك واشكنازي انخفض قليلا، ولكن وضع ليبرمان بالذات تحسن.

من تابع اتخاذ القرارات من قبل، في الوقت الحقيقي وبعد قضية الاسطول، فرك عينيه دهشة. ظاهرا، واضح لكل مشارك تلفزيوني، لكل قارىء صحيفة، بانه كان هنا قرار متسرع، استنادا الى معلومات جزئية، تعقد تنفيذه واضراره هائلة.

ظاهرا فقطا. للرأي العام توجد طرق خاصة به، وتيرة خاصة به، لهضم الاحداث. كل قرار للقائد، حتى لو كان القرار محملا بالمصيبة، يولد فورا موجة تأييد. كل ضائقة وطنية، حتى لو كانت ضائقة القائد هو المسؤول عنها، تولد موجة من المشاعر الوطنية. الناس يتمسكون بجيشهم، يتمسكون بزعيمهم، يتمسكون الواحد بالاخر. وهم أقل صبرا تجاه الانتقاد. هذا صحيح ليس فقط بالنسبة للشعب في اسرائيل، هذا صحيح ايضا بالنسبة لشعوب آخر، ديمقراطية وانتقادية بقدر لا يقل عنا.

ولكن بعد الموجة الاولى تأتي الموجة الثانية والثالثة والرابعة. هذا ما هو جميل في الديمقراطية: الناس مفتوحون على التغيير. في كيبوتس عرفته، عندما يمر كلب أو ثعلب من الجدار، فان الخراف في الحظيرة تنحشر في الزاوية البعيدة منها. ولم ينجح أي ثعلب في التسلل الى الداخل، ولكن من شدة الحشر فانها تخنق الواحدة الاخرى.

لشدة الحظ الناس ليسوا خرافا. وهم لا يفترض بهم ان يكونوا كذلك.

في وسائل الاعلام أكثروا من البكاء في الايام الاخيرة على قرار اعضاء فرقة الفكسز عدم القدوم الى اسرائيل الان. فقط في وسائل الاعلام: مع كل الاحترام للفرقة، كان هناك شيء سليم في اللامبالاة التي ابداها معظم الاسرائيليين تجاه قرارات الفنانين. تدبرنا أنفسنا بدون الفكسز في مواسم الصيف القادمة: وسنتدبر أمرنا هذه السنة ايضا.

أكثر اقلاقا بكثير هو ما حصل لنا في مجالات اخرى، فوق وتحت السطح. لقد سبق أن قيل ولعله لا مفر من القول مرة اخرى، ان الحكومة الحالية ليست اكثر صقرية في افعالها من حكومات سابقة. في بعض المجالات - سياسة الاستيطان مثلا – توجد في هذه اللحظة على يسار سابقاتها. ولكن في ظل غياب مسيرة سياسية، مع رئيس وزراء ووزير خارجية غير محبوبين في العالم، مع تعب متراكم من اسرائيل ومن مشاكلها، مجال المناورة لاسرائيل آخذ في الضيق. على كل فنان يلغي بصخب كبير مجيئه توجد شركتان دوليتان تتراجعان بصمت عن قرارهما الاستثمار هنا. الخطر هو في المقاطعة المتواصلة، غير المرئية. من الصعب كشفها، بل ومن الاصعب من ذلك مهاجمتها.

الهوة التي فغرت فاهها بين اسرائيل وبين الرأي العام في الغرب عميقة ومهددة. وهي تهديد لا يقل خطرا عن حماس في غزة.

في هذه الظروف، تعلق اسرائيل بالولايات المتحدة ازداد فقط. نتنياهو وشتاينتس وحاشيتاهما سافروا الى باريس، للاحتفال بقبول اسرائيل الى منظمة الـ OECD كل واحد منهما تباهى بالانجاز الكبير. عليهما كليهما أن يعرفا انه لو لم يرفع قادة الادارة الامريكية الهواتف، لو لم يستخدموا الضغوط على خمسة دول مترددة، ما كانت اسرائيل لتقبل في المنظمة.

التعلق بالامريكيين ملموسا أكثر في كل ما يتعلق بجهاز الامن. كل رئيس وزراء جديد يكتشف لمفاجأته بل ولربما لقلقه، حجوم تعلقنا بامريكا. استنتاج كل واحد منهم بدوره، هو ان هذا الحبل مسموح شده، ولكن محظور باي حال قطعه.

في 1975 طلب وزير الخارجية الامريكية كيسنجر من رئيس الوزراء اسحق رابين سحب الجيش الاسرائيلي، في اطار تسوية انتقالية مع المصريين، الى معبري المتلة والجدي في سيناء. رابين رفض، واعلن كيسنجر عن اعادة تقويم للعلاقات بين الدولتين. ارساليات السلاح توقفت. الاموال تجمدت. الرأي العام في اسرائيل وقف في معظمه – ان لم يكن بأسره خلف رابين. شعبيته ناطحت السماء.

بعد عدة اسابيع تراجع رابين. فقد فهم انه لا يمكنه ان ينتصر على ادارة امريكية مصممة وحازمة. ولانه لا يمكنه أن ينتصر، فان الرأي العام في اسرائيل ايضا لن يؤيده لزمن طويل. الاسرائيليون يكرهون الخسارة بل ويكرهون أكثر دفع الثمن.

الان، عندما نجح نتنياهو في ارضاء معظم الاسرائيليين، لم يتبقَ له سوى الوصول الى تفاهم مع الرئيس اوباما، مع المستشارة ماركيل، بعد عدة رؤساء دول اخرى كانوا حتى وقت قريب مضى من المؤيدين الواضحين لاسرائيل. عميق في قلبه يعرف، بانه اذا لم يعرف كيف يتدبر أمره معهم، فان الاسرائيليين ايضا سيديرون له ظهر المجن.