خبر أين وكيف ستعاقب تركيا.. إسرائيل وأمريكا معا ..أيمن خالد

الساعة 10:13 ص|12 يونيو 2010

أين وكيف ستعاقب تركيا.. إسرائيل وأمريكا معا ..أيمن خالد

صحيفة القدس العربي

العقل السياسي الذي يحكم إسرائيل وصل مرحلة متقدمة من الشيخوخة، وبالتالي أصبح الخرف، واضحاعلى هذه السياسة، فإسرائيل فقدت البعد الاستراتيجي للتخطيط، وأصبحت تعيش السياسة يوما بيوم، وساعة بساعة، فالقادة في إسرائيل يعتبر الثابت الوحيد لديهم هو، أقتل الفلسطيني أو استولي على بيته، وغير ذلك فالسياسة الإسرائيلية تشبه السياسة في دول العالم الثالث، فالزعيم يصحو من النوم وأول سؤال له، هل الأمن مستتب، وهل حدث انقلاب ما؟ وكذلك قادة إسرائيل يصحون من النوم وأول سؤال لهم، هل لا نزال بأمان؟

الأتراك يريدون استثمار الغباء الإسرائيلي بشكل جيد، والعقاب الذي سيكون لإسرائيل سيكون بمثابة استدراج لهذا الغباء لكي ترتكب إسرائيل أخطاء قاتلة، يساهم ذلك في عزلتها، ويفرض متطلبات جديدة على أجندة السياسة الدولية، ويمكنني أن الخص الخطوات القادمة بأنها على صعيدين، الأول: إنساني والثاني هي خطوات ذات طابع امني.

ففي الجانب الأول ستقتصر المسألة الإنسانية على تعبئة الرأي العام للوقوف خلف قافلة جديدة وأظن ان توقيت القافلة القادمة سيكون في رمضان، وأظن أن المنظمات الإنسانية ستوزع الدور على خطين، فهي سترسل السفن عبر البحر، وسترسل أيضا حملة برية إلى مصر عبر ميناء نويبع المصــري الذي سبق وان منعت مصر دخول قافلة شريان الحياة منه.

وأما اختيار المعبر البري واختيار رمضان، فالأتراك يريدون إرسال عشرات الآلاف من المتضامنين، ويريدون أن تتحول غزة إلى مزار لكافة القوى والأطياف الشعبية، ويريدون أن يصبح الطريق البري متاحا للجوار العرب وغيرهم، بمعنى إعادة وصل غزة عربيا بشكل طبيعي، مع التوجه أيضا إلى الميناء وما يعنيه ذلك من حقوق في المياه.

هكذا ستسير الأمور خلال الأشهر الثلاثة القــــادمة، وستـــكون مصـــر في مواجهة العرب من البر، وتكون إسرائيل في مواجهة العالم من البحر.

بالنسبة للجانب الأمني من المعادلة، وهنا لا أريد الحديث في المسائل الاقتصادية المتعلقة بإسرائيل لان الأتراك يدركون، أن الذي يؤلم إسرائيل هو الحصار والطوق الأمني أكثر من بقية الجوانب الاقتصادية التي تستطيع الاستعاضة عنها من حلفائها العرب والأمريكان، فالخطوة التركية بدأت مباشرة وقبل دفن شهداء المجزرة، وكانت بالزيارة التي قام بها رئيس إقليم كردستان العراق، إلى أنقرة وهي الزيارة التي لم تكن لتعزية، وإذا كانت بالطبع قد أخذت عنوانا واحدا وهو حزب العمال الكردستاني فان الزيارة كان لها عنوانها الأمني الخطير جدا على إسرائيل.

بالتحديد، فالقصف الذي جرى قبل ساعتين من اقتحام السفينة على معسكر الجيش التركي في منطقة خارج نفوذ حزب العمال الكردستاني، جعلت الصحافة التركية تشير بالاتهام لدور إسرائيل في العملية وتم وصفها بأنها عملية ذات طابع امني، أرادت منها إسرائيل صرف أنظار الجيش والشعب نحو حزب العمال الكردستاني، وإدخال تركيا في قلق، لأنها أصيبت في العمق الاستراتيجي، غير أن الأتراك التقطوا المسألة وكان الهدف من استدعاء رئيس كردستان العراق محصورا بالرد على إسرائيل بالذات.

معلوم ان هناك علاقات إستراتيجية معلنة بين كردستان العراق وإسرائيل ومعلوم ان هناك مواقع أمنية واستخباراتية إسرائيلية تحت واجهة مراقبة التحركات الإيرانية، وهي قواعد ترفع الاعلام الامريكية لكن أنشطتها إسرائيلية خالصة، وما أرادته تركيا هو رسالة موجهة إلى كردستان العراق، لأن النفط من كردستان يمر عبر تركيا فقط، وإذا أرادت حكومة كردستان العراق إرسال النفط عبر أي طريق آخر فهناك ثمن سياسي باهظ، ولذلك فان المعادلة الأمنية الخالصة، تتمثل في فتح شريان اقتصادي ينعش كردستان العراق، بمقابل استجابة كاملة لمتطلبات تركيا، وهي عمليا لعبة ذكية جدا وخطرة بآن معا، لأن تركيا توجه هنا رسالة إلى أمريكا وتدخل لاعبا مهما في الملف العراقي، وتعيد تركيب السياسة في المنطقة بشكل جديد، وهو ما يقلق الآن إسرائيل، التي تفقد دورها كمؤثر استراتيجي في جوار إيران.

بالتالي هذا الملف الأمني الصغير من وجهة نظر البعض، سيتحول إلى قضية محورية كبيرة في المنطقة، لأن تركيا وإيران لديهما رؤية واحدة لهذه المنطقة، وعنوان هذه الرؤية بات إخراج إسرائيل منها، وهو يعني بالتأكيد إخراج الأمريكان، لان الأمريكان لا يستطيعون تلبية احتياجات كردستان العراق، وبالتالي فان مصلحة كردستان العراق ستكون بين محور تركيا إيران، وهو الذي سيخنق حزب العمال الكردستاني، وسيفرض على سكان هذه المناطق مواجهة أمريكا ورفضها لان وجود أمريكا في شمال العراق لم يعد بالإمكان أن يحل مشاكلهم الاقتصادية.

هناك عملية معاقبة وتنظيف للمنطقة بهدوء، وطرد للأمريكان وإسرائيل من شمال العراق ويبدو أن إسرائيل لا تزال لا تعي ان غزة هذا الملف الذي تتشبث بخنقه، هو الذي بات يخنقها.

 

' كاتب فلسطيني