خبر لا بد من الأمل والعمل..علي عقلة عرسان

الساعة 07:35 م|11 يونيو 2010

لا بد من الأمل والعمل..علي عقلة عرسان

 

يتساءل المرء وهو في خضم الدهشة: أيهما أشد خطراً على المعرفة والعدالة، على القيم والحقيقة، على الأفراد والمجتمعات.. ذاك الذي يتخذ من الكذب، بتصميم ومنهجية، سبيلاً لقلب الوقائع وجعل الأكاذيب حقائق، وهو يعي أنه إنما يقوم بعملية تزوير فظيعة للحوادث والوقائع والتاريخ.. أم ذاك الذي يسكت على أكاذيبه، ويساهم في تغطية أفعاله، ويشجعه على المضي قدما فيما هو فيه من قول وعمل وسلوك، ويمنع تعرضه للمساءلة والعقاب.؟ أظن أن الخطر الناتج عنهما هو بدرجة واحدة من الضرر، وأنهما شريكان في المسؤولية وفي المحصلة النهائية للفعل ونتائجه.. والبحث عن فروق بينهما يفضي إلى مقاربة الفرق بين الجاني وشاهد الزور في جريمة وحدة، فكل منهما يعي ما يفعل، ويدرك ما يلحقه من ضرر بالعدالة والناس، وأنه حين يتخذ من ذلك سبيلاً في الحياة، يضر بكل شيء فيها، مهما كانت انعكاسات فعله عليه هو ذاته، فدورة الحياة أوسع من عمر جيل أو حتى أجيال.

وهذا هو ما يقوم به الكيان الصهيوني الذي يشكل اليوم أقذر دولة في التاريخ، وأشدها خطراً على الحقيقة والمعرفة والأمن والعدالة والسلام.. وهذا هو أيضاً شأن من يحميها ويشجعها ويشاطرها منهجها، ويشاركها في جرائمها من الغربيين عامة وأصحاب القرار والنفوذ والرأي في الولايات المتحدة الأميركية خاصة. وليس ما جرى لأسطول الحرية الذي حمل رسالة إنسانية عادلة لكسر الحصار الظالم المفروض على غزة، ليس ما جرى له في عرض البحر الأبيض المتوسط، هو شاهد ذلك فقط، بل كل ما قامت به الدولة القذرة المسماة "إسرائيل"، منذ إنشائها بالدم والجريمة والإرهاب والكذب والتزوير على حساب شعب وأرض وحقائق وتاريخ.. حتى اليوم.. هو كذلك، وسوف يستمر هذا الوضع الذي يزري بكل ما هو عادل وتاريخي وإنساني، ما لم يتم تغيير هذا الواقع الفاسد المفسد، في طول الأرض وعرضها. ولا يمكن تغييره إلا من خلال امتلاك قوة مبصرة ملتزمة بالعدالة والحقيقة، ومستعدة للتضحية من أجل التقدم الحضاري الإنساني.. ويكاد التطلع إلى هذا الهدف يدخل في أبواب الأحلام وتمنيات النيام.. ولكن لا بد من الحلم والأمل.. ولا بد من العمل بمواجهة السكين بيد مجرم يذبح الناس والحقائق من الوريد إلى الوريد.. ويتربع قاضياً "تفيض منه الفضيلة" ويعلم الناس الأخلاق والحكمة؟! 

  إن الخوض في الرد على الأباطيل، وتفنيد الأكاذيب وفضح المزورين.. مفيد، بل هو ضروري جداً، أمام عدالة مستقلة رادعة، لكن عندما يتم أمام مجرم هو القاضي، وأمام شاهد زور متواطئ مع المجرم.. فإنه يتحول إلى لغو واجترار كلام، وإضاعة وقت، وغباء، ونوع من السَّفه.. إنه يتحول إلى " كرنفال" أقنعة ملونة ويفضي إلى تشييع الحقيقة إلى مثواها الأخير، في تظاهرة عدالة مزيفة ومفرغة من كل معانيها ومضامينها.. ومع ذلك فلا منقصة من القيام به إلا إذا اكتفي بذلك عن يقين بأنه يوصل إلى الحق والعدل.

وإذا كان لا بد من تمثيل دور الغبي في " محافل" من هذا النوع، متلونة القوانين والقواعد والقيم والضمائر والأحكام، تحكم وفق المصالح، وحسب جنسية المجرم والشاهد والضحية، مثلما هو حال عالمنا اليوم مع مجلس الأمن الدولي والهيئات والمنظمات الدولية الأخرى التي تشبهه في تسلط القوة العمياء والمصالح الصماء عليها.. فإن على من يضطرون إلى تمثيل دور الأغبياء أمامها.. وعلى الضحايا ومن هم في حكمهم، أن يفكروا في البدائل المنقذة، وأن يبحثوا عن خطوط أخرى موازية يعملون فيها ليصلوا في المستقبل إلى تغيير المعادلات وقواعد التعامل والمعايير المزدوجة، وصيغ اللعب الضار تلك.. ومن ثم تغيير الواقع، وهو تغيير تفرضه وتقود إليه قوة عادلة ذات مفاهيم ووسائل وأدوات وتوازنات: معرفية واقتصادية واجتماعية وعسكرية..إلخ تجعلها قادرة وحاكمة، وتفضي إلى فضاء بشري حضاري، رفيع المستوى، يسمي المجرم مجرماً والمزوِّر مزوراً، وشاهد الزور شاهد زور وشريكاً في طمس العدالة أو تضليلها.. وتضع حداً لعبث المجرمين بالعدالة والأمن والناس، وتجعل المجرمين يمثلون أمام المحاكم ولا يجلسون في مواقع القضاة.

إن عالم اليوم مختل، بدرجة شديدة الخطورة، لمصلحة العنصريين والمجرمين والمحتلين ومن ينهبون الشعوب، ويزيفون الوقائع والتاريخ، ويستخدمون القوة بعمَه شديد.. وليس أدل على ذلك من موقع " إسرائيل" ومكانها وما تقوم به، وما تلقاه من تشجيع يدفعها إلى المضي قدماً في التزوير والإرهاب والإجرام.. إنها القوة العنصرية الوحيدة الباقية في العالم، و" الدولة" المحتلة التي لا تردع عن جريمة ولا يطلب إليها أن تنهي الاحتلال، والكيان الذي يمارس الإبادة الجماعية ضد شعب آخر واقع تحت احتلالها من دون سؤال عن شيء من ذلك، والدولة التي تملك السلاح النووي وتحاسب الآخرين وتعتدي عليهم بالقوة المسلحة، وتعاقبهم على التفكير بامتلاك طاقة نووية للأغراض السلمية، وهي الجهة الوحيدة في العالم التي تحاصر شعباً حتى الإبادة الجماعية من دون أن يقول لها أحد: كفى، هذا مخالف للقانون، وخارج عن حدود أية شرعية من أي نوع، وأمر غير مقبول إنسانياً ولا يسمح به أخلاقياً.!! إن "إسرائيل"، كما يعرف كل منصف ذي عقل سوي، ومعايير سليمة، وضمير حي، هي دولة إرهاب واحتلال وعنصرية، دولة من خارج العصر والحضارة والقيم، دولة ملوثة من قمة رأسها إلى أخمص قدميها.. وإنها.. وأنها.. ومع ذلك فإن شاهد الزور الغربي الذي يناصرها، يقف في المحافل المختلفة بصلف ومن دون حياء، ليدعم كيانها وعنصريتها وإرهابها وإجرامها، ويرسخ أكاذيبها حقائق، ويحميها من العقاب، ويكرسها دولة خارج القانون والمساءلة؟!.. وإذا احتج أحد على ذلك النوع من الممارسات الهمجية البشعة، توجهت نحوه قوى التزييف والاتهام والكذب والقتل، لتسكته بأي شكل، وتمسخه على أية صورة، وتدينه بأية وسيلة، وتمنعه من قول الحقيقة أو الدفاع عن نفسه؟! وهذا منتهى الفجور الذي لا يمكن أن يغيره الاستسلام له وانتظار يقظة الضمير وصحوة من نوع ما تجعل صاحبه يرتدع ويكف عنه.

هذا غريب وعجيب بمنطق من يستند إلى عدالة وقيم وحرية ومساواة، ولكنه بنظر من يستند إلى القوة العمياء والمصلحة الصماء والمادة الخرساء، وإلى تاريخ طويل من الاستعمار والقتل واستعباد الآخرين.. فعل من أفعال التقدم والحضارة؟! 

هذا ملمح من ملامح عالمنا اليوم، وهو عالم بغيض إلى النفس، والوضع فيه لا يطاق، وتحكمه أمور  لا يمكن أن تستمر، ولا يجوز لأحد من الضحايا الحاليين أو المحتملين في وطننا العربي وعالمنا الإسلامي على الخصوص، ولا في العالم كله بأسره، بصورة عامة، أن يجعله يستمر.. وإن مجرد تجاهله، أو السكوت عليه، شراكة في جرائمه واستمراره وتعاظم أمره وطغيانه وقوته الغاشمة، وعنصر مساعد ل ارتكابه لمزيد من الجرائم والأكاذيب.

        فهل إلى حلف إنساني من نوع ما، حلف ضحايا ينشد العدل والرحمة والحقيقة، حلف دول وهيئات ومؤسسات وشخصيات تستيقظ وتتكاتف وتتعاون وتعمل على تغيير الواقع أو التخفيف من حدته على الضحايا؟ حلف إنسانيين ينادي بتغيير عالمنا بوسائل موازية للمثول الغبي أمام هيئات ومحافل ومحاكم فيها مجرمو هذا العالم هم قضاته، ومن يدلون بشهادات الزور لمصلحة المجرمين ويحمونهم من العدالة والعقاب، هم الحكام والقضاة والسجانون؟

لا نفقد الأمل، فالحياة لا بد من أن تُعاش، ولا بد للإنسان فيها من أمل.. وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسول والمؤمنون.