خبر الى أين يسعى..هآرتس

الساعة 11:39 ص|11 يونيو 2010

بقلم: تسفي بارئيل

        "ما حصل لعلاقاتنا مع اسرائيل محزن جدا"، كتب لي هذا الاسبوع مواطن تركي يسكن في ازمير، "هناك أتراك يؤمنون باننا اصبنا بلعنة تتمثل برئيس وزراء مثل اردوغان، ولكن يبدو أن اسرائيل تعاني أكثر منا ولا تنجح في ان تجد سياسيين محترمين يمكنهم أن يقودوها".

        هذا لم يكن رد فعل وحيد. الطريقة التي يحكم فيها رئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان الدولة يبعث أكثر من  حاجب على أن يرتفع عجبا، وليس فقط في تركيا. محرر الصحيفة السعودية الهامة الصادرة في لندن "الشرق الاوسط" طارق الحميد، أشار الى الخوف العربي من آثار سياسة اردوغان. "فجأة اصبح اردوغان عربيا أكثر من العرب ودفع ايران الى أن تحاول ان تستعيد لنفسها الدور الذي سحب منها (مساعدة حماس) إذ أنه في المسألة الفلسطينية اللعبة هي اسم اللعبة".

        كخطر حقيقي يعرض الخميني التدخل الايراني في ما يجري في الشرق الاوسط وتصريح علي شيرازي، مستشار الزعيم الروحي لنظام ايات الله علي خمينئي، عن استعداد ايران لمرافقة الاسطول القادم بسفن عسكرية. وكتب الحميد يقول: "انتبهوا الى أن حتى حماس فهمت الامر ورفضت المرافقة العسكرية الايرانية".

        محللون عرب آخرون ايضا غير المعروفين كمؤيدين لاسرائيل يحذرون من مغبة "الفرح الزائد" من السياسة التركية. بل ان احدهم ادعى بان تركيا ستكون العضو القادم في محور الدول المتطرفة، والذي يضم سوريا وايران. وهذا من شأنه على حد قوله ان يعقد حل المشكلة الفلسطينية، وذلك لان مثل هذا المحور لن يسمح للدول المعتدلة بالوصول الى حل وسط مع اسرائيل.

        مصر لا تنسى

        الادعاء بان اسرائيل هي دولة عنيفة ومجنونة، لا تضع حدودا لقوتها ليس جديدا، كما يكتب بعض المحللين، وعليه ليس في عرضها هكذا "انتصارا حقيقيا". السؤال الحقيقي هو اذا كان "السلطان العثماني الجديد" كما يسمى اردوغان، يمكنه أن يحل مشاكل العرب. حتى لو لم يكن لهذا جواب واضح، فان اردوغان نجح منذ الان في أن يحقق شيئا واحدا: اصبح منافسا لمصر والسعودية، اللتين تشدان على الاسنان في ضوء المكانة الجديدة التي حققتها حماس بفضل تركيا.

        كما أن مصر لا تنسى المناورة التركية العام الماضي، التي كادت تجبرها على ان تسمح لقافلة المساعدة التركية الى غزة بالعبور في اراضيها. مصر اصرت في حينه على موقفها واوضحت لتركيا بان حتى لـ "سياسة المساعدة" توجد حدود. صحيح أن الرئيس حسني مبارك أكثر كياسة تجاه تركيا من رئيس وزراء اسرائيل، ولكن هو ايضا خرج عن طوره للثناء على تركيا على "كفاحها ضد اسرائيل".

        رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (ابو مازن) الذي زار هذا الاسبوع تركيا بمناسبة مؤتمر اقليمي، وجد نفسه في وضع محرج. ومثل الجميع شجب السيطرة على الاسطول وواسى اردوغان والشعب التركي على قتل المواطنين؛ وتحدث كما كان متوقعا عن الحاجة الى رفع الحصار، ولكنه لم يحظَ بذات الاستقبال الفاخر والعلني الذي حظي به الرئيس السوري، الذي وصل الى ذات المؤتمر.

        السبب واضح: اردوغان يفضل ان يقف الى جانب غزة وليس الى جانب رام الله، التي تعتبر معتدلة أكثر مما ينبغي.

        الاحداث الاخيرة تدفع عباس الى أن يشعر كمن فقد الصدارة السياسية في صالح حماس. انجازه الوحيد في هذه الزيارة كان تشكيل لجنة مشتركة بين رام الله وأنقرة هدفها تعليم الفلسطينيين كيفية ادارة الدبلوماسية.

        شجب غير متوقع

        قضية الاسطول وجهت لاردوغان الاضواء في تركيا ايضا. والان يحظى سلوكه بالانتقاد من مصدر غير متوقع: فتح الله غولان، الذي يدير في بنسلفانيا في الولايات المتحدة مركزا دينيا – اجتماعيا يؤثر على ملايين الاتراك في تركيا وفي العالم. غولان يقف على رأس حركة دينية تحتفظ بعدة صحف في تركيا، تؤثر جدا على طبيعة تصويت ملايين الاتراك وساعدت اردوغان وحزبه "حزب العدالة والتنمية" ليفوز في الانتخابات الاخيرة.

        اردوغان يرى نفسه تلميذ غولان، الذي يروج للاسلام الليبرالي، في ظل الحفاظ على مبادىء الدين. وها هو، غولان بالذات وجد من السليم، في المقابلة مع "وول ستريت جورنال" ان يشجب الطريقة التي جرى عليها الاسطول. وقال: "كان ينبغي لمنظمي الاسطول ان يحصلوا على إذن اسرائيل. فشل المنظمين في الحصول على مثل هذا الاذن يدل على نهج غير مستعد لان يقبل بالصلاحيات فيؤدي الى  نتائج غير مرغوب فيها".

        كان هذا بالنسبة لاردوغان صفعة رنانة. فالحديث لا يدور عن خصم سياسي، بل عن شخصية أب تقريبا. واذا لم يكن هذا بكاف، فان نائب اردوغان، بولانت ارينتش، الذي لا يعتبر من مؤيدي اسرائيل وانتقد بشدة الاجتياح للاسطول، صرح بان "حجة افندي (لقب غولان) قال الحقيقة كما يفعل دوما".

        هذا الخلاف بين اردوغان وارينتش بعث أصداء فورية تقريبا. رئيس حزب الشعب الجمهور التركي الذي في المعارضة، كمال كليج دار اوغلو، الذي اتهمه اردوغان بخدمة مصالح اسرائيل سارع الى الرد عليه بحدة. فقال: "لست من مجموعة ضغط في صالح اسرائيل بل في صالح الجمهور. اذا كان رئيس الوزراء يريد أن يفهم من هو من مجموعة الضغط في صالح اسرائيل فيجمل به أن ينظر الى يمينه نحو نائبه، الذي يطلق تصريحات تتعارض وسياسة الحكومة".

        رئيس المعارضة هاجم اردوغان، قال انه يجعل سياسة الخارجية سياسة داخلية وبالعكس، وادعى بانه كان ينبغي ادارة الخلاف مع اسرائيل بوسائل دبلوماسية. وقال كليج دار اوغلو ان "اردوغان كاد يعلن لحرب على اسرائيل في جلسة حزبه. بالمقابل، حزبنا يعرض موقفا اكثر اعتدالا وحذرا. لا يمكن لسياسة الخارجية ان تتم انطلاقا من البطولة بل من المنطق. على وزير الخارجية ان يكشف على الملأ مراسلاته مع اسرائيل بحث نعرف جميعنا اذا كانت اسرائيل قد حذرت تركيا ام لا".

        الخلاف بين حزب المعارضة وحزب السلطة ليس نتيجة الاسطول بل رفعت الاحداث الاخيرة مستوى اللهيب بقدر غير قليل. بين الحزبين يدور صراع مرير في مسألة رزمة الاصلاحات التي يقترحها اردوغان، وتتضمن ضمن امور اخرى تغيير بنيوي للجهاز القضائي. باردوغان يتطلع الى أن يمنح الحكومة صلاحيات أكبر في تعيين قضاة المحكمة الدستورية، فيعزز بذلك نفوذه في المعقل الذي حتى الان عرقل مبادراته في مجالات اخرى.

        المعارضة، التي تخشى هذا بالذات، رفعت التماسا ضد شرعية الاصلاحات. وهذا الاسبوع قررت المحكمة الدستورية البحث في الالتماس، الذي اذا ما اخذ به قد يدفع الى الانهيار مدماكا هاما آخر في حملة اردوغان لتعزيز مكانته ومكانة حزبه. الى داخل هذا الصراع القي باسرائيل، وذلك لان اتهام المعارضة بـ "تأييد العدو" او خيانة الوطن هو دوما ورقة قوية في المواجهة السياسية الداخلية.

        حتى قبل اسابيع معدودة اتهم اردوغان المعارضة بمقاومة الديمقراطية وافشال عملية انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي، بسبب اعتراضها على الاصلاحات التي اقترحها. اما الان فقد قام الاخرون بمهمته.

        هل الانتقاد العربي والداخلي كفيل بان يغير موقف اردوغان؟ "لدى اردوغان كل شيء شخصي"، يقول رجل حزب المعارضة. "وهو يحتاج الان الى سلم كي ينزل عن الشجرة التي تسلق عليها ويفضل أن يقدم له هذا السلم بسرعة وذلك لان للرجل فتيلا قصيرا وهو قادر ايضا على أن يدفع بالسياسة الخارجية التركية الى الانهيار. آمل أن تكون اسرائيل هذه المرة اكثر حكمة منه".