خبر رجل السلطة إذ يبرر حصار أهله في غزة

الساعة 07:13 ص|11 يونيو 2010

رجل السلطة إذ يبرر حصار أهله في غزة

كتب : حلمي موسى

كثيرة هي الأحداث والتصريحات والمواقف التي تثير الشجن وتعيد للذهن صورة البؤس الذي تعيشه الحالة القيادية الفلسطينية العاجزة عن الارتقاء بنفسها إلى مستوى المسؤولية ومتطلبات اللحظة الراهنة. وكثير من الفلسطينيين العاديين أجازوا لأنفسهم التلذذ بنعمة النسيان والقفز عن محفورات الذاكرة والتلهي بأن مظاهر التعاطف العالمي مع غزة ومعاناة أهلها قد تسهم في إعادة توحيد الموقف الفلسطيني. لكن يأبى بعض أعضاء القيادة الفلسطينية ترك الأمور تسير في الاتجاه المعقول ويصرون على إخراج القطار عن السكة.

فوزير خارجية السلطة الفلسطينية الدكتور رياض المالكي هو الذي ذهب إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب للبحث في «كسر» الحصار المفروض على غزة. وكثيرون يعلمون أن الحصار على غزة، وإن كان إسرائيليا، إلا أن بعض مظاهره كانت فلسطينية وعربية. وإذا كان لأحد في الجانب الفلسطيني أن يتفاخر بسجله في تبرير الحصار على غزة، فإن المالكي سيكون المنافس الأول. إذ لم تكفه تبريراته السياسية لإغلاق معبر رفح، فألحقها في مستهل ولايته كوزير في حكومة «الطوارئ» بتبريرات أمنية. هل يذكر أحد من أين جلب في حينه رقم 79 عالقا فلسطينيا «تدربوا» في إيران وسوريا وحتى في قطر؟ وبعد ذلك كان أشد الأصوات جلاء في تبرير أزمة تزويد محطة الكهرباء في غزة بالوقود. لكن «الدبلوماسي الفلسطيني الأول» ذهب إلى الجامعة العربية ليدلي بدلوه في أهمية وضرورة «كسر» أو «رفع» الحصار عن غزة.

والواقع أن ما يدفع لهذا الكلام ليس موقف المالكي أو مواقفه، وإنما موقف ومواقف من يقفون خلفه. فقد نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن رئيس كتلة فتح في المجلس التشريعي الفلسطيني عزام الأحمد قوله ان لا أزمة غذائية في قطاع غزة، وإن السلطة (يقصد في رام الله) تؤمن له كل شيء يوميا. ومن الجائز أنه كان بالوسع فهم هذا الكلام لو أنه أطلق بعد أيام من سيطرة حماس على غزة، لكنه يجاور حدود الحماقة عندما يأتي على خلفية المجزرة الإسرائيلية ضد أسطول الحرية وسفينة مرمرة.

فالسيد الأحمد، خلافا لكل نشطاء الحرية المتضامنين مع غزة في العالم، يستطيع أن يقول، وفق ما نشر على لسانه، «بملء فمي ان غزة ليست بحاجة لإمدادات من المواد الغذائية أو الانسانية، فالسلطة تتولى توفير كل هذا، ويوميا هناك 200 شاحنة ترسلها السلطة لا عبر رفح ولكن عبر المعابر الاخرى».

وهكذا، فإن السيد الأحمد، الذي كثيرا ما تولى تمثيل حركة فتح في «مفاوضات» المصالحة مع حماس، يرى أن غزة ليست بحاجة لإمدادات غذائية وإنسانية لأن السلطة في رام الله «كافية وافية» كما يقال. والواقع أن هذا هو الكلام الذي تحاول إسرائيل تسويقه للعالم من أجل التزام الصمت على جريمة حصار غزة، والأدهى أن الأحمد ذهب أبعد من الإسرائيليين وليس قليلا.

ولا يخفي الناطقون بلسان الجيش الإسرائيلي حقيقة أنهم يحاصرون غزة وأن لديهم مقياسا للحيلولة دون نشوء أزمة إنسانية. ويتمثل هذا المقياس في العمل على توفير الحد الأدنى من المواد الغذائية الأساسية التي تحول من جانب دون إحساس الفلسطيني بالشبع وتمنعه من الموت. وإلى جانب ذلك إبقاء الفلسطيني في غزة مهتما طوال الوقت بتأمين قوت يومه الأساسي لليوم التالي لأن إسرائيل لا تسمح بتخزين أي مادة حتى لا يشعر أحد بعدم حضور الإسرائيلي في كل وجبة طعام.

والناطقون بلسان الجيش الإسرائيلي اضطروا لتوزيع معلومات حول ما تسمح إسرائيل بإدخاله من مواد وكميات إلى قطاع غزة. ورغم ميل الإسرائيلي المتهم بمحاصرة غزة للمبالغة في أرقامه إلا أنها تكاد تبلغ نصف ما أشار إليه الأحمد. ففي العام، لا يدخل قطاع غزة، في السنوات الثلاث الأخيرة، أكثر من 30 ألف شاحنة من دون حساب النوعية حيث لا يدخل أكثر من مئة صنف من بين أربعة آلاف صنف كان مسموحا إدخالها في الماضي. وبحساب بسيط فإن الأمر يقل عن تسعين شاحنة يوميا. كما أن الإسرائيليين يبلغون أنصارهم في العالم أنهم زادوا مؤخرا من دخول الشاحنات وصار العدد ثلاثة آلاف شهريا أي مئة شاحنة يوميا. لكن الأحمد، لأسبابه الخاصة، يعلن أنه يرسل للقطاع 200 شاحنة يوميا.

إن تصريحات كهذه من الأحمد والمالكي، وغيرهما، تعيد للأذهان حقيقة أن السلطة الفلسطينية كانت، ولا تزال، شريكا في محاصرة شعبها في قطاع غزة. غير أن أسوأ ما في الأمر هو أن هذه التصريحات تمنح إسرائيل، بأثر رجعي، تبريرا لما تقوم به. فالحصار على غزة، لم يكن بسبب حماس، كما يزعم كثيرون في السلطة وسواها. الحصار على غزة كان مفروضا قبل سنوات من فوز حماس في الانتخابات وتشكيلها الحكومة أو سيطرتها على غزة.

لكن ذاكرة البعض قصيرة. مشكلة البعض الآخر أنه لا يجيد النسيان.