خبر لماذا الآن يخفف الحصار عن غزة؟ .. د. أسامة عثمان

الساعة 03:47 م|09 يونيو 2010

بقلم: د. أسامة عثمان

فَشِلَ الحصار المفروض على قطاع غزة، منذ سيطرة حماس عليه، في يونيو 2007م، في الإطاحة بحكم الحركة، وإن لم نعدم تغيُّرات مسَّتها، على صعيد قضايا جوهرية، من قبيل الموقف من "إسرائيل"، وقاربت بذلك نفسها خطوة، أو أكثر، من متطلبات الاعتراف الدولي، وقد أثبتت قدرة واضحة على ضبط الأمن في القطاع، والتحكم في إطلاق الصواريخ، ومطلقيها.

ومن البدهي أن الولايات المتحدة، في سبيل إنجاز حل الدولتين، محتاجةٌ إلى إنضاج الظروف، على الجانب الإسرائيلي، كما الفلسطيني، ولما كان الأول مستعصيا، في ظل اليمين المتشدد؛ فإن واشنطن تعمل على إحراز تقدم على الجانب الفلسطيني، وقد قطعت شوطا طويلا في بناء السلطة، ولا سيما، في مؤسساتها الأمنية، والمالية، وهي لا تستطيع الاستمرار في تجاهل القوة السياسية القابعة في القطاع؛ وقد جرَّبت- عن طريق الذراع الإسرائيلية- الإطاحة بحكم حماس، بالحصار، والعدوان العسكري الذي كان أوجه في الحرب الأخيرة نهاية 2008م، وفي هذه الحرب استهدفت "إسرائيل" قيادات من الصف الأول من حماس، كان منهم سعيد صيام الذي كان يلقب بالرجل الحديدي، ونزار ريان الذي كان يعد من أبرز قيادات حماس المؤيدة لمواصلة العمليات الاستشهادية، ضد "إسرائيل"، كما اغتالت من قبل كلا من الشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وإسماعيل أبو شنب، وصلاح شحادة، قائد كتائب القسام، وحاولت غير مرة، اغتيال الدكتور محمود الزهار؛ لتحقق بهذه التصفيات، عدة أهداف منها: التخلص من تلك القيادات القوية، والمؤثرة؛ فتضعف من معنويات أتباع حماس، وتخوِّف بهم من يتبقى من القادة، كما أمّلت منها: التخفيف من مستوى "التشدد" في مواقف الحركة السياسية.

وبرغم العزلة السياسية التي فرضتها الولايات المتحدة على حكومة حماس، ودون مخالفة عربية، تُذكر، فإن الحركة الحاكمة للقطاع لم تعدم جهات دولية- ولو على مستويات متباينة- تتواصل بها، وتتحاور معها، وحتى الولايات المتحدة كان لها مع الحركة اتصالات- ولو غير رسمية، أو مباشرة.

واليوم، وبعد الزخم الدولي الذي أحدثه "أسطول الحرية" والتعاطف العالمي الذي راكمه؛ فقد بات العالم أقل احتمالا، وأكثر ضيقا بهذا الحصار الظالم، وبمنفذيه، من دولة الاحتلال، إلى دول عربية أسهمت في تنظيمه، واستبقائه.

وقد تبلورت مواقف مهمة في هذا الصدد، وليس أقلها أهمية ما جاء بالصيغة القانونية، إذ أكدت نافي بيلاي مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن الحصار الذي تفرضه "إسرائيل" على قطاع غزة غير قانوني، ويجب رفعه. وقالت:"إن القانون الإنساني الدولي يحظر تجويع المدنيين كوسيلة حرب... كما يحظر فرض عقوبة جماعية على المدنيين".

وفي هذه الظروف جاءت التصريحات من واشنطن عن مقاربة جديدة لهذا الحصار, بأن يسمح بإيصال كميات أكبر من المساعدات الإنسانية إلى القطاع. ثم تبعه الاتحاد الأوروبي، ممثلا بوزير الخارجية الإسباني، ميغيل موراتينوس الذي عرض قوة بحرية أوروبية؛ لمواكبة قوافل السفن إلى ميناء غزة؛ لتحقيق هدفين هما: منع تهريب الأسلحة، وضمان وصول المواد الغذائية والبضائع، إلى سكان القطاع.

وبقدر ما يعبر هذا الموقف عن استشعار أمريكي بالضغوط الدولية والإنسانية التي تتطلب الاحتواء؛ فإنه أيضا، واقعٌ بعد المواقف "الإيجابية" التي أعلنتها قيادة حماس، من قبيل التعهد بوقف الهجمات على "إسرائيل" بعد التوصل إلى دولة في حدود الرابع من حزيران، وتَعَهُّد حماس بالموافقة على الاعتراف بـ"إسرائيل"؛ إذا كانت هذه رغبة الغالبية في الشعب الفلسطيني، في استفتاء يُجرى، بعد نيل الفلسطينيين استقلالَهم، وتحصيل السيادة.

ويؤكد إعلانُ الجامعة العربية عن زيارة عمرو موسى القريبة للقطاع وجودَ تغيُّرٍ في التعامل الأمريكي مع حكومة حماس، بتخفيف درجة الحصار، ودرجة العزلة السياسية عن الحركة، ولكن المرجح أن يكون هذا الاقتراب بقدر "الاقتراب الحمساوي". وفي هذا السياق أيضا جاءت الخطوة المصرية بفتح معبر رفح، أمام المرضى والحالات الإنسانية والطلاب.

حماس ومعركة الشرعية:

الحصار المفروض على قطاع غزة اقترن، أو تسبَّب، عن سيطرة حماس عليه؛ فهو تعبير عن موقف سياسي تجاه حكومة حماس؛ وهو حصار سياسي، إلى جانب كونه استُخدم لتأليب الناس في غزة، ضد حماس، لما جرَّه حكمها لغزة على مواطنيها، من تعطيل في جوانب حياتهم الحيوية.

وإذا صح أن المعركة الآن هي في المقام الأول معركة نيل حماس الشرعية الدولية؛ فإن البحث يتجه صوب آفاق التحول الأمريكي تجاه حماس. وتشير الاتصالات التي أجرتها أمريكا، ومنذ فترة، وكانت غير مباشرة،( ومنها لقاءات الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر) ثم ارتقت إلى مباشرة على مستويات متوسطة... إلى محاولات جس نبض، أو استدراج، أو محاولة للتأهيل المطلوب؛ للمشاركة "الحمساوية" في إدارة الحياة الفلسطينية، بقدر لا يصل إلى التفوق على مكانة التيار المتنفذ في السلطة، والمنخرط في المشروع الأمريكي لحل الدولتين.

وهنا سؤال: هل تتطابق الرؤية الأمريكية لحماس مع رؤية "إسرائيل"، واليمين المتشدد فيها؟

الإدارة الأمريكية الحالية التي تقدم الحوار على الصدام، وتتقدم بخطوات حثيثة نحو سوريا, والتي دشنت عهدها بدعوة إيران للحوار حول ملفها النووي، خلافا للإدارة السابقة التي حاولت عزل سوريا، وتشددت مع إيران، حتى شيطنتها، ربما تبدو هذه الإدارة - بهذه الصفة- أقرب، أيضا إلى محاورة حماس، بعد "تهذيب بعض مواقفها".

وفق هذا المنظور يمكن الإجابة عن التساؤل الذي طرحه الكاتب "ريتشارد دبليو. مورفي "الخبير بمعهد الشرق الأوسط" حين قال: "في العراق أجرت الولايات المتحدة حوارًا مع السنة المتشددين، وقد ساعد الحوار معهم في حل عديدٍ من المشكلات المستعصية مع تنظيم القاعدة في العراق، وفي أفغانستان تحاول الولايات المتحدة محاورة بعض عناصر حركة طالبان، في محاولة منها لمعرفه سبل إقناع مثل هذه الحركات بنزع سلاحها، والانضمام إلى العملية السياسية، فلماذا يختلف الأمر مع غزة؟"

كما يحق لنا أن نسأل، على وجه المقاربة: لماذا غضت الولايات المتحدة الطرف عن مشاركة حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية، بالرغم من التناقضات الواضحة بينه وبين أمريكا، ولا تغض الطرف كذلك عن مشاركة حماس، أو قبول دمجها في السلطة الفلسطينية، وفي المؤسسات الفلسطينية؟

ولا نحتاج إلى عناء كبير؛ لنعرف أن العقبة الأولى أمام تجريب التعاطي مع حماس بعد تخفيف بعض مواقفها، إنما يكمن في القوى اليمينية الصهيونية في "إسرائيل"، ومن يناصرهم في المؤسسة السياسية الأمريكية، ولا سيما الكونغرس.

وبالرغم من أن حماس ما تزال تصر على رفض الاعتراف بـ"إسرائيل"؛ ولا تصرح بقبول الشروط الباقية للرباعية الدولية؛ فإنها قد قاربت ذلك، هذه الأيام أكثر، فقادتُها يصرون على أن الاعتراف في الوقت الحاضر، دون انسحاب من الأراضي المحتلة مرفوض، قطعا، لكنهم يتركون الباب مفتوحا له، ولو بمبادرة من غيرهم تتبعها موافقة صريحة منهم؛ وحماس إذ تقبل بدولة في حدود الرابع من حزيران، وتتعهد بوقف الهجمات على إسرائيل؛ إذا تحقق ذلك؛ إنما تفي، أو تكاد بشرط «نبذ الإرهاب»؛ فهل تفي حماس بكامل الثمن؟.