خبر عندما يعترف الإعلام العبري بانتصار الجزيرة../ زهير أندراوس

الساعة 11:27 ص|07 يونيو 2010

عندما يعترف الإعلام العبري بانتصار الجزيرة زهير أندراوس

الإسرائيليون سبقوا الحكومة في التطرف، والصحافة العبرية في الآونة الأخيرة تغلبت على التحريض المؤسساتي الرسمي، وباتت صهيونية أكثر من هيرتسيل مقارنة مع صنّاع القرار في تل أبيب، وهذا لا يعني بأيّ حال من الأحوال أنّ الساحر انقلب على السحر، بل نقول إنّ وسائل الإعلام العبرية، المتطوعة أصلاً لصالح ما يُسّمى بالإجماع القومي الصهيوني، فازت في ماراثون العنصرية المنظم في دولة الاحتلال.

 

يكذبون ويُصدّقون أنفسهم، وهذا التطور هو قمة العنجهية والاستعلاء والتعامل مع الأخر على أنّه دوني، دون المستوى، والمستجدات الأخيرة على الساحة تؤكد بما لا يدعو للشك، بأنّ الإعلام العبري اجتاز جميع الخطوط الحمراء، ومارس وما زال يمارس بخبثٍ شديدٍ عملية التحريض ضدّ كل ناطق بالضاد، وضدّ كل من يقول لا إله إلّا الله، محمد رسول الله.

 

إنّهم، بمراسيلهم ومحلليهم ونجومهم انتقلوا من مرحلة النظر بازدراء للأخرين، إلى مرحلة نفي الأخر، وهنا تكمن الخطورة، إذ أننّا، شئنا أم أبينا، نُقّر بأنّ الإعلام الإسرائيلي باللغة العبرية يلعب دوراً هاماً في صناعة الرأي العام، وبكل حسرةٍ نقول إنّه يستطيع إسقاط رئيس وزراء، الذي يملك جميع المقومات للدفاع عن نفسه، فما بالك عندما يُكشّر هذه الإعلام المجنّد عن أنيابه وينقض على الفريسة السهلة، الفلسطينيون في الدولة العبرية، ويختزلهم من المعادلة، وهذا النهج برز بشكلٍ واضحٍ بعد الفشل الإسرائيلي في عملية الكوماندوز للسيطرة على أسطول الحرية، فقنوات التفزيون العبرية باشرت ببث برامج مفتوحة ومتواصلة، واستضافت العديد من المحللين والمستعربين والخبراء، وكان لافتاً، أو ربما ليس لافتاً، عدم دعوة فلسطينيي الداخل للمشاركة في البرامج والتعبير عن رأيهم في ما يحدث.

 

ووصلت الصلافة إلى حدٍ لا يُطاق عندما كان المتحدثون يدلون بدلوهم ويقولون دون أن يرف لهم جفن إنّ تسعين بالمائة من الإسرائيليين يؤيدون العملية العسكرية، ما معناه أنّ العرب في الداخل الفلسطيني، الذين يُشكّلون نحو عشرين بالمائة من السكان، لم يؤخدوا بعين الاعتبار، تعوّدنا أن يفتقر الإعلام الإسرائيلي إلى الموضوعية، درسنا على جلودنا عدم تمسكه بالضوابط المهنية، ولكن الأمر الجديد هو أنّ التحريض بات القاعدة وليس الاستثناء، في حين أُخفيت عن سبق الإصرار والترصد الأصوات العاقلة، وهي قليلة للغاية، في الشارع اليهودي الإسرائيلي.

 

وبمّا أنّ المؤسسة الإعلامية الإسرائيلية مرتبطة قلباً وقالباً مع المؤسستين السياسية والأمنية، نقول إنّ الإعلام العبري ما كان ليتصرف على هذا النحو، لو أنّه لم يحصل على ضوء اخضر من الحكومة الإسرائيلية، أي أنّه يقوم في هذه الأيام بتعبئة الرأي العام اليهودي، وتحضيره للمواجهة القادمة، ربما للحرب القادمة، ونأمل أن نكون على خطأ.

 

بن كاسبيت، أحد أبرز الصحافيين في الدولة العبرية، فبالإضافة إلى عمله في صحيفة (معاريف)، يُقدّم أيضاً برنامجاً يومياً في التلفزيون التربوي الإسرائيلي (عوسي سيدر)، الذي نقوم نحن أيضاً، ما العمل، بتمويله عن طريق ضريبة التلفزيون المفروضة علينا، قال يوم الثلاثاء الماضي في برنامجه إنّ الذين شاركوا في أسطول الحريّة هم كلاب، نعم بهذه الكلمات، وهذه ترجمة حرفية.

 

نقول بالعامية إنّ الصراخ على قد الوجع، وهذا ما كان في الإعلام العبري، لم يتركوا جانباً واحداً، إلّا وحرّضوا من خلاله على فضائية (الجزيرة) القطرية، اتهموها بشتى التهم، ولم يُكلّفوا أنفسهم عناء الحصول على تعقيبٍ، ولكن التحريض لم يجد نفعاً، الأمر الذي دفع القناة العاشرة التجارية في التلفزيون الإسرائيلي إلى تخصيص برنامج كامل عن القضية كان عنوانه: الجزيرة انتصرت في المعركة على الإعلام العبري، وحاول المشاركون تبرير الفشل الإعلامي الإسرائيلي أمام القناة القطرية بإدعاءات واهية، باتت لا تنطلي على أحد، كما خصصت القناة الأولى الرسمية قسماً من برنامجها (بوليتيكا) لمناقشة الفشل الإعلامي الإسرائيلي في قضية أسطول الحرية، وخلال النقاش قالت محاضرة يهودية في جامعة بار-إيلان، وهي الجامعة التي كان يدرس فيها قاتل رئيس الوزراء الأسبق، إسحاق رابين، البضاعة التي لدينا فاسدة، ولا يُمكن لأيّ سياسي أو إعلامي تسويقها في العالم.

 

 

وغنيٌ عن القول إنّ الناطق الرسمي بلسان الجيش الإسرائيلي، أفي بنياهو، تحّول في الأيام الأخيرة إلى رئيس رؤساء التحرير في الإعلام الإسرائيلي على كافة مشاربه، كما أنّه لا حاجة لإرهاق القارئ العربي بمعلومات عن مقص الرقيب الإسرائيلي، الذي عمل ساعات إضافية بهدف حجب الحقيقة، ومحاولة تسويق الرواية الرسمية في تل أبيب، ولا حاجة أيضاً للتذكير مرّة أخرى بأنّ الدولة العبرية هي الدولة "الديمقراطية" الوحيدة التي ما زالت الرقابة العسكرية تسيطر فيها على النشر أو عدمه، ولكن نُنهي بالسؤال: ما الحاجة إلى رقابة عندما يكون فيها الإعلامي الإسرائيلي كاثوليكاً أكثر من قداسة البابا؟.

 

أما الصحف العبرية فقد كان بارزاً تطوعها لرفع معنويات أفراد الوحدة النخبوية (شايييطت 13) التي نفذّت الجريمة في عرض البحر، الأمر الذي دفع المحلل العسكري في صحيفة (هآرتس)، عاموس هارئيل، إلى نشر مقالٍ الاثنين السادس من الشهر الجاري، قال فيه إنّ من طالع صحافة نهاية الأسبوع توصل إلى نتيجة بأنّ الوحدة قامت بتنفيذ عمليةٍ ناجحةٍ.