خبر سفينة العلم..هآرتس

الساعة 12:02 م|06 يونيو 2010

بقلم: تسفي برئيل

"مثلما أسفنا لموت الناس بعد عمليات 11 ايلول في الولايات المتحدة وبعد ذلك في العمليات في لندن، مدريد واسطنبول، هكذا نحن نأسف على موت الناس في غزة"، صرح رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان، في البرازيل الاسبوع الماضي. ليس أقل. حسب اردوغان مكانة الضحايا في غزة مشابهة لمكانة ضحايا أعمال ارهاب القاعدة، ومن هنا مكانة منفذي "الارهاب" متشابهة: اسرائيل والمنظمة الارهابية العالمية بالمثل.

        المواجهة العنيفة في البحر في بداية هذا الاسبوع، والتي قتل فيها تسعة واصيب عشرات من مسافري سفن اسطول الاغاثة الى غزة، قدمت برأي اردوغان مجرد برهان اضافي على أن المقايسة بين اسرائيل ومنظمة الارهاب ليست مدحوضة. وكمن منحت الرعاية للاسطول، سارعت تركيا الى اعادة سفيرها في تل أبيب أحمد اوفوز تشيلكول، الى أنقرة. وكان تشيلكول على أي حال يوشك على انهاء مهامه في آب، بسبب فشل دبلوماسي آخر لاسرائيل: اهانة السفير من قبل نائب وزير الخارجية داني ايالون، الذي أجلسه على كرسي منخفض.

        بعد يوم من ايقاف الاسطول بادرت تركيا الى اجتماع عاجل لمجلس الامن في الامم المتحدة. ومرة اخرى بدا ان ليست تركيا هي ذات تركيا اياها، التي تبحث عن التقرب الى اسرائيل كي تدفع مصالحها في واشنطن الى الامام، بل تركيا قوية، تملي السياسة.

        شريان الحياة

        "اسطول الحرية"، ليس سوى جزءا من الجهد التركي الرسمي لمساعدة سكان غزة. وهو يستوي جيدا مع المفهوم السياسي التركي الجديد. وهذا يعتقد بان من لم يرغب في أنقرة كوسيط في النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني وانتقدها على أن قادتها التقوا قادة حماس، او وساطتها في المفاوضات مع سوريا، سيحصل عليها كسفينة العلم غير الرسمية في المساعي لكسر الحصار على غزة.

        ليست هذه هي المرة الاولى التي تعمل فيها تركيا على مساعدة غزة. في بداية السنة ساعدت حكومتها في حملة "شريان الحياة": قافلة من نحو 200 شاحنة معدات ومؤن، انطلقت من تركيا عبر سوريا وأخذت جنوبا حتى العقبة في الاردن. ومن هناك اعتزمت القافلة اجتياز نهر البحر الاحمر لتنقل شحنتها الى غزة.

        مصر رفضت في حينه السماح بعبور القافلة الى سيناء. ولم تجدي المكالمات الهاتفية الحثيثة التي اجراها اردوغان ووزير خارجيته احمد داود اوغلو مع الرئيس حسني مبارك. وعادت القافلة على اعقابها وابحرت في السفن من سوريا الى العريش. وعندها سمح المصريون فقط لـ 140 شاحنة بالدخول الى غزة. اما الباقي فاضطرت الى انزال شحناتها في ميناء العريش. ويدعي الفلسطينيون بان جزءا من البضائع لم تصل الى غايتها حتى اليوم. كما أن هذا هو السبب في أن منظمي الاسطول الحالي لم يرغبوا في المرور عبر العريش.

        مصر، التي لم تصرح رسميا عن سياستها تجاه الاسطول، بل اكتفت بالايضاح بانها "دائما تدعم الاغاثة الى غزة – تبعا للقواعد المعروفة"، اعلنت سلطات تركيا بان الاغاثة الى غزة من اراضيها ستقدم فقط بشروطها. وعلى الرغم من ذلك، وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية التركية اقترحت على اسرائيل "استخدام العقل السليم واعتبار الاسطول مهمة انسانية"، لم تطلق ولا كلمة نقد تركية واحدة على مصر.

        العلاقة بين النشاط الخيري والسلطة

        الدعم الرسمي الذي منحته تركيا للاسطور، ودور ممثليها الرسميين في ترتيب تصاريح الابحار، لا ينبعان فقط من أن المنظمة التركية IHH (صندوق حقوق الانسان والحريات) هو المبادر الرئيس. فهذه المنظمة، التي تعمل الكثير من أجل المحتاجين في تركيا، عضو في منظمة عليا اسلامية وتدعي "تحالف الخير"، التي تضم في عضويتها منظمات اسلامية اخرى. بعضها مشبوه بالعلاقة مع منظمات تعتبر منظمات ارهابية.

        رئيس المنظمة، بولنت يلدريم، يقيم علاقات دائمة مع قيادة حماس، ولكن بالذات شراكته مع منظمة "مغديلور" – منظمة خيرية تركية تعمل في المانيا – مثيرة للاهتمام على نحو خاص. ممثلو "مغديلور" ادينوا في المانيا على أنهم نقلوا بشكل غير قانوني أموالا خيرية جمعتها شركات تركية. وقبل نحو سنتين ونصف السنة افادت الصحف التركية بان قسما كبيرا من الاموال التي جندتها المنظمة انتقل بشكل غير مباشر الى "حزب العدالة والتنمية" لاردوغان والى ممثلين كبار فيه. وخرج اردوغان في حينه عن طوره عقب الانباء المنشورة ودعا الى مقاطعة الصحف التي "لطخت اسم الحزب واسمه".

        هذا الاسبوع قالت مصادر في تركيا انه الى جانب العطف الذي يبديه اردوغان نحو غزة، لا ينبغي تجاهل العلاقة المالية والسياسية لهذه المنظمات مع حزبه. "مرغوب فيه فحص من يمول حملة السفن هذه، والتي تكلف الملايين"، قال احد المصادر. "من يريد أن يساعد غزة كان يمكنه ان ينقل المال مباشرة الى غزة، او أن يشتري المزيد من البضائع".

        وحتى لو كان من الصعب حاليا اثبات العلاقة المالية لحزب السلطة بالاسطول، فان المكسب السياسي الذي يحققه اردوغان واضح ومكشوف. تركيا نجحت في أن تعزو لنفسها رعاية الاسطول وعرضه كجزء من سياستها العامة في الشرق الاوسط.

        وهذه سياسة بدأت طريقها بشعار: "صفر مشاكل مع الدول المجاورة". بفضل وزير الخارجية تطورت هذه الى سياسة تتطلع الى تثبيت محور استراتيجي جديد، تكون تركيا فيه العمود الفقري. العلاقة مع ايران وصفقة تبادل اليورانيوم التي نسجها داود اوغلو على مدى اسابيع طويلة – بترحيب من الرئيس الامريكي، كما تبين من كتاب كشف النقاب عنه رئيس البرازيل – هي استمرار شبه طبيعي للعلاقات الوثيقة بين أنقرة ودمشق.

        تركيا ترقص عمليا في كل الاعراس: فهي تبعث بقوة هامة للمساعدة في الحرب في افغانستان، وهي عضو في الناتو بل ووافقت، تحت الضغط على التوقيع قبل عدة اشهر على اتفاق تاريخي مع ارمينيا؛ وهي عامل مؤثر في دول القوقاز، وتعاونها الاقتصادي مع مصر يجعلها عاملا لا يمكن تجاهله في كل خطة استراتيجية اقليمية.

        منح الرعاية التركية لـ "اسطول الحرية" هو خطوة لازمة اخرى في اطار ذات الاستراتيجية، التي تتسلل فيها تركيا الى النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني بطريق التفافي لاسرائيل. ولعله ادق القول، بطريق يصطدم مع اسرائيل.