خبر خبرٌ عابر.. أسوأ من الخيانة!../ بسام الهلسه

الساعة 05:45 ص|06 يونيو 2010

خبرٌ عابر.. أسوأ من الخيانة! بسام الهلسه

*خبرعابر بثته إحدى الفضائيات العربية قبل أيام لمراسلها في استانبول..

لم يأتِ الخبر ضمن النشرات الإخبارية الرئيسة، ولا في إطار ندوة أو لقاء حواري، بل ورد في سياق التقارير الموجزة والقصص الإخبارية القصيرة التي يعدها مراسلو القناة الفضائية.

لو كنا في زمن عربي آخر يهتم بشؤون الأمة وأحوالها، لكان الخبر قد حظي بما يسميه الإعلاميون: المتابعة، اي: ملاحقة الخبر وتسليط الأضواء عليه بما يستحقه من أهمية.

لكن الخبر مر سريعا في ثنايا أخبار أخرى في آخر النشرة. وجرى بثه في وقت لا يحظى بنسبة مشاهدة عالية.

* * *

واضح أن الخبر ليس مهما في سياسة وعرف ادارة القناة الفضائية ومديري ومحرري برامجها.

فلو كان مهما، لتسابقت الفضائيات العربية الأخرى ـ ومعها وسائط الإعلام المرئية، والمسموعة، والمقروءة، والالكترونيةـ الى الحصول عليه وتقديمه لجمهورها.

لكن هذا لم يحدث، وظل الخبر عابرا..

* * *

- لماذا؟

لا يحتاج الامر الى شرح وتوضيح بالنسبة لنا ولمن يعرف أننا نعيش في الزمن العربي الرديء. ففي الأزمنة الرديئة يتدنى الوعي العام للبشر، فتنحصر اهتمامات أغلبيتهم الفقيرة بتلبية حاجاتها الأولية، وتنصرف اهتمامات أغلبيتهم الغنية إلى إشباع ملذاتها ولهوها وتسلياتها.

أما مؤسسات التواصل مع الرأي العام، فينحط دورها الى مستوى مخاطبة الغرائز وإثارتها، سعيا وراء توسيع قاعدتها الجماهيرية، إن كانت مملوكة للقطاع الخاص، أو تنهمك في الدعاية للمسؤولين وترويجهم، إن كانت مملوكة للحكومات.

* * *

ولأننا في زمن رديء بائس، فربما تقتضينا الحال أن نشكر القناة الفضائية التي فطنت للخبر دون غيرها، فأوردته على أية حال.

وإلا، فمن ذا الذي يهتم لحال اللغة العربية التي قال الخبر إنها تنتشر في تركيا، وإن الشباب والشابات الأتراك يقبلون على تعلمها بحماسة لافتة، بعد عقود طويلة من حظر أتاتورك لها ومنع الكتابة بحروفها؟

- وما شأننا بهذا الموضوع الذي يخص الأتراك وحدهم؟

- أو لا نفعل نحن مثلهم، فنتعلم لغات أخرى؟

في مثل هذه المحاججات تكمن المسألة والمشكلة.

فلو أن إقبالنا على اللغات الأخرى جاء من باب الاستزادة في التعلم، لكان مفهوما ومطلوبا وواجبا.

أما أن يترافق مع هجر لغتنا الأم، فهو مرفوض لأنه يدل على نظرة دونية للذات، وعلى شعور بالنقص تجاه الآخرين الذين نظن اننا نتماهى معهم حينما نتخاطب بلغاتهم فيما بيننا. وهذا إفصاح عن عمق نفاذ التبعية الثقافية وتغلغلها في عقولنا ومشاعرنا بما يهدد شخصيتنا الحضارية. فالعالمية لا تعني الذوبان في الآخرين، بل تعني الحضور معهم ومشاركتهم الشؤون الانسانية العامة، بذاتنا المستقلة المتفردة. والاستلاب اللغوي لا يقل خطورة عن أنواع وأشكال الاستلاب والتبعية الإلحاقية الأخرى التي نعانيها: السياسية والاقتصادية والمعرفية والأمنية...

وتزيد الخطورة مع إدراكنا للدور المتميز الذي قامت وتقوم به اللغة العربية في بناء الشخصية العربية منذ العهد الجاهلي. وهو الدور الذي عززه وطوره القرآن الكريم الذي جاء بلسان العرب. وفي ضوء واقع التجزؤ والانقسام العربي الحالي، لا يخفى على أحد مدى الدور الذي تنهض به اللغة العربية في حفظ هوية الأمة وتواصلها. ولندرك أكثر أهمية هذا الدور، فلنتخيل ما تكون عليه حال العرب لو تم إقصاء اللغة العربية لتحل محلها لغات أجنبية أو محكيات محلية في أقطارهم المختلفة.

* * *

الدفاع عن اللغة العربية وتعليمها وتعميمها، والإنتاج، والتعبير، والتخاطب بها، هو مهمة ملحة يجب أن تأخذ حقها ومكانها من الاهتمام، في المجال العربي العام، وفي مجال كل دولة عربية.

أما هجرها وتركها فريسة للاستباحة واجتياح اللغات الأخرى، فهو اهمال..

لكنه إهمال من ذلك النوع الذي قال عنه القائد الفرنسي شارل ديغول: أسوأ من الخيانة.