خبر يوم لشهداء حرية الضمير ..علي عقلة عرسان

الساعة 01:37 م|05 يونيو 2010

يوم لشهداء حرية الضمير ..علي عقلة عرسان

 

الدم الطهور الذي أراقه الصهاينة على سطح الباخرة التركية مرمرة، في المياه الدولية شرق البحر الأبيض المتوسط،، والمعانة والإهانة اللتان تعرض لهما أكثر من سبعمئة رجل وامرأة من اثنتين وثلاثين دولة، يمثلون الوجدان الجمعي للشعوب.. والهمجية والقرصنة المقرونتان بالإرهاب والافتراء والغطرسة العنصرية المعروفة لنا جيداً نحن العرب.. كل ذلك أصبح اليوم أقرب إلى عدد أكبر من الناس في العالم.. ولم تعد إدانة جرائم الكيان الصهيوني نوعاً من " التابو"، وأصبحت الولايات المتحدة الأميركية، شريك " إسرائيل" الأول في جرائمها، أصبحت مضطرة لاستخدام لهجة أقل حدة وهي تعلن انحيازها الأعمى لدولة الإرهاب وتناصر جرائمها.. ويبدو أن بعض الرسميين العرب استفادوا من دروس سابقة له مع حملات إنسانية اعترضها وضيق عليها وهي تحاول الوصول إلى غزة، لكسر الحصار الظالم عنها، فسارعوا إلى اتخاذ خطوات لتزيين صورتهم، لم تخف عوراتهم على الرغم من أنها تنشد "الستيرة" في الظاهر، لأنها كانت تصب في تقديم بدائل تستعين بها " إسرائيل" على تحويل خط سير أسطول الحرية من غزة إلى ميناء العريش.. بما يشبه التنسيق المتبادل. وهناك أنظمة عربية لفحتها الحماسة التركية الساطعة، فلم تتخلف عن اجتماع الجامعة العربية الذي لم يزد كثيراً على مواويل الشجب والإدانة والمطالبة وضيق الصدر التململ..إلخ.. وتجددت في العالم مسيرات ضد الكيان الصهيوني ذكرتنا بما كان من ذلك إبَّان العدوان الصهيوني الهمجي على غزة في مطلع العام الماضي..

كل هذا كتب بدم شهداء يستحقون أن تُعلِن البشرية يوم استشهادهم يوماً عالمياً لـ "شهداء الضمير"، وهو يوم لم يكن ليتحقق لولا أولئك الأحرار الشجعان ومن سبقهم إلى العمل والتضحية وركوب المركب الصعب، ورفع الصوت عالياً، ممن سيروا الحافلات والسفن في البر والبحر لكسر الحصار الصهيوني والتواطؤ الدولي الظالم المفروضين على غزة، في حملات " غزة حرة"، وفضح الطبيعة العنصرية للصهيونية وإرهابها ووجهها القذر، وممارساتها الوحشية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، منذ اثنتين وستين سنة من الاحتلال والجرائم والتشريد والمذابح الجماعية والاستيطان و إرهاب الدولة.

إن الذين سيروا أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة قدموا مبادرة إنسانية شجاعة تستحق أن تصبح يوماً عالمياً تحييه الشعوب، مثلما تحيي يوم العمال العالمي، ونحييه نحن العرب بحماسة أكبر مثلما نحيي يوم الأرض الفلسطيني.. يوم تحييه الشعوب وتستلهم منه مواقف لنصرة المظلومين، ومقاومة الاحتلال والعنصرية، وفضح الافتراء والادعاء وإرهاب الدولة وكل من يناصره أو يسكت عليه. إنه بفضل أولئك الأحرار الشرفاء يعرف العالم اليوم أكثر وأكثر عن الكيان الصهيوني، بوصفه دولة إرهاب، وقرصاناً فوق القانون، وعصابة محمية ومسلحة بكل الأسلحة ومنها أسلحة ذرية..

إن إدانة الجريمة التي ارتكبها الكيان الصهيوني العنصري، يوم الاثنين الحادي والثلاثين من أيار/ مايو 2010 بحق المناضلين من أجل الحرية وكسر الحصار المفروض على غزة، وضد سفنهم المحملة بمساعدات إنسانية، في المياه الدولية، لا تكفي ولا تشفي، ولا تضع حداً للحصار أو للجرائم الصهيونية المستمرة. وإن بياناً يصدر عن مجلس الأمن الدولي، تعطّله الإدارة الأميركية أو تمرره من دون أن تصويت عليه إضعافاً له، هو بيان لا قيمة له حتى لو صوتت تلك الدولة لصالحه.. وقرار من المجلس الأمن الدولي على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لن يصدر، وصدوره من رابع المستحيلات.. مع وجود إدارة أميركية خاضعة للنفوذ الصهيوني، وللعنصريين الأميركيين، ولمن يناصر " إسرائيل"، دولة العنصرية الصهيونية والإرهاب منذ أكثر من ستين سنة. ويثبت كل يوم أن مجلس الأمن الدولي ورقة بيد الأميركيين والغربيين ومن يتحالف معهم. ومن المفيد إعلامياً وسياسياً العمل على عقد اجتماع طارئ للجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة القرصنة وإرهاب الدولة الصهيوني، من باب الإعلام وإنارة الرأي العالم العالمي، على الرغم من أنها لا تقدم ولا تؤخر.

ولا يرجى شيء من الأنظمة العربية التي تشجع الكيان الصهيوني بسلبيتها أو بتواطئها معه، ضد المقاومة ومن يتعلق بحقه وأرضه وكرامته من الفلسطينيين، فقد كان لعدوان الصهاينة على المقاومة في لبنان عام 2006 وعلى غزة 2008ـ 2009 وجه عربي للأسف.. إن التوجه إلى أحرار العالم، وحشد رأي عام إلى جانب الشعب المحاصر في غزة، ودعم المقاومة ضد الاحتلال، وتركيز تهمة الإرهاب على الكيان الصهيوني الذي يمارسه بوقاحة، ووصم كل من يناصر عدوان الصهاينة بأنه يدعم الإرهاب ويقف ضد العدل، ويجعل المعتدي يفلت من العقاب.. والعمل في أوساط ومؤسسات وهيئات المجتمع المدني والتنظيمات المناصرة لحقوق الإنسان، ومن أجل دعم للمقاومة في الوطن العربي والعالم الإسلامي وبلدان العالم النامي، وفي أوربا والأميركيتين.. إن ذلك كله عمل يجب أن نركز عليه، ونستثمر فيه، ونعمل على تنظيم الجهود بين أطرافه وتنسيقها، ونشكر من يقوم به.

لا بد من تغيير أساليب المواجهة مع أقذر عنصرية في التاريخ، العنصرية الصهيونية، ولا بد من تقديم الصورة الحقيقية "لإسرائيل" بوصفها دولة إرهاب واحتلال وافتراء، وأنها ليست شرعية على الإطلاق حتى بموجب القرار 181 لعام 1947 الذي " اعترف بها" لأنها لم تطبقه ولم تطبق القرار 194 لعام 1948 اللذين اشترط من صوتوا عليهما تطبيقهما للاعتراف بها؟! وتناسوا ذلك.. ولا بد من التركيز على تعرية "دولة" الاحتلال والإخلال بالأمن، الدولة التي تملك أسلحة نووية تهدد بها الآخرين، وغواصات تحمل رؤوساً نووية توزعها في البحرين الأحمر والمتوسط، الدولة التي يضعها حلفاؤها فوق القانون، وفوق المساءلة والناس.. لأن هذا الوضع لا يمكن أن يحتمل أو يُقبل أو يستمر.

إن الجريمة الصهيونية الأخيرة ضد أسطول الحرية، تفتح الباب واسعاً أمام دعم المقاومة ضد الإرهاب الصهيوني والاحتلال المستمر لفلسطين، وأمام دعم حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه التاريخي فلسطين وتقرير مصيره فوق تراب وطنه المحرر، وتشكل مدخلاً للمناداة بخروج الأمم المتحدة من اللجنة الرباعية، لأنه لا يليق بها أن تكون في تلك اللجنة، فهي تمثل العالم وليست مساوية لأي من دوله، ولا هي جهة فيه مثل بقية الجهات أو الكتل العالمية لتدخل طرفاً وهي الحكَم، وإنها بعضويتها في اللجنة الرباعية تمارس الانحياز أو تُجبَر على ممارساته، وتُستخدم ضد قراراتها وشرعيتها وميثاقها، وضد حقوق الشعب الفلسطيني على الخصوص..

أن النضال ضد العقوبات الجماعية والإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان الصهيوني، يبدأ بمقاومة العنصرية الصهيونية و"الزعرنة" الدولية التي تمارسها " إسرائيل" في كل اتجاه، تحت نظر العالم وسمعه، بحماية وتشجيع من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا على الخصوص.

إن هناك وجهاً عربياً للحصار على غزة، يجب أن يسقط، ووجهاً عربياً للقضاء على المقاومة الفلسطينية يجب أن يعرى ويدان ويتوقف. إن تشكيل وحدات عمل عربية ـ إسلامية ـ دولية لكسر الحصار على غزة، وإطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين، ومناصرة الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني يجب أن يبدأ الآن، في كل المجالات، وفي كل الأوساط المعنية بالحقوق والحريات والعدالة في العالم.. ويبدأ بجهد منسق بين المناضلين الأحرار.. ضد الصهيونية والعنصرية، والنازية الجديدة، والطغيان والانحياز الأعمى للقوة العمياء التي تهدد الإنسان والأوطان في كثير من بقاع العالم وفي مقدمتها فلسطين. 

إن الإعلام المسؤول بوابات ومداخل إلى ذلك، والثقافة بوابات ومداخل، وجهود منظمات المجتمع المدني غير الممولة أميركياً وصهيونياً وغربياً.. إلخ هي مداخل، والعمل باتجاه المؤسسات الرسمية العربية والإسلامية والإفريقية ودول عدم الانحياز، وفي أوساط أحرار أوربا والأميركيتين من أهم المداخل.

فلنعمل على  رفض التواطؤ الأميركي ـ الصهيوني ـ الإمبريالي ضد الشعب الفلسطيني، وعلى رفض الحصار والعدوان وإرهاب الدولة، والقرصنة.. ولنطالب الدول العربية بسحب مبادرة السلام التي تزري بكل سلام، وتعطل الجهد العربي ـ الإسلامي لإحقاق الحق وحماية الأقصى، وصنع السلام العادل الذي لا يمكن أن يجيء أو يستقر مع وجود السرطان الصهيوني في المنطقة.. ولنرفض أسلوب الأنظمة العربية في التهرب من مسؤولياتها القومية عن قضية فلسطين وأهلها، ونرفض لجوءها إلى  الشجب والإدانة، لأنها مسؤولة عن قضية فلسطين ومعنية بها وليست شاهد زور على ما يجري فقط.

إن الكيان الصهيوني سُبَّة في وجه الإنسانية والحرية والعدل والعصر والقيم، ولا يمكن قبوله أبداً، ولا التعايش معه، ولا السكوت على احتلاله وجرائمه.. وإن الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال، وفي معازل عنصرية بغيضة، وفي سجون ومعتقلات كبيرة وصغيرة منذ أكثر من ستين سنة، وفي أوضاع تشرد وملاحقة وتجويع وتجهيل وإبادة جماعية بطيئة، وفي ظروف أسوأ من ظروف المعتقلات النازية بكثير جداً، وبما لا يقاس معها زمنياً.. يجب أن يُنصَف وينتصر على الظلم والقهر والعنصرية الصهيونية والنازية الجديدة التي تستشري في فلسطين.. كل فلسطين.

إن أسطول الحرية، وما سبقه من مبادرات لكسر الحصار عن غزة، يقرع أبواب الحرية بقوة وشدة ووضوح، ويجب أن يرتفع صوته، وتستمر حملاته، ويقف حشد بشري هائل من خلفه. ومن الأهمية بمكان اختبار مواقف الدول التي أعلن ممثلوها في الاجتماع الأخير لمجلس الأمن الدولي، وخارج إطار ذلك الاجتماع،  ضرورة رفع الحصار عن غزة.. وذلك بدعوتها للمشاركة عملياً في كسر الحصار براً وبحرا، فلتساهم في تسيير أسطول الحرية الثاني، أو في مسيرة شاحنات برية كبرى، وحضور بشري متميز في كليهما أو أي منهما لتكون هناك حملة أكبر وأشمل تحبر الكيان الصهيوني على كسر الحصار، وتثبت أن تلك الدول تملك مصداقية وتمضي إلى ما هو أبعد من الكلام، ولا تخاف الحركة الصهيونية العنصرية واتهاماتها الغبية الجاهزة مثل العداء للسامية، فأولئك هم أعداء البشرية والقيم الإنسانية ، أعداء الحياة والحرية والعدل. 

فليكن يوم تحية لشهداء هذا الأسطول، أسطول الحرية، ولكل من شارك فيه، "يوم حرية الضمير"، يسير فيه العالم نحو العدل والنور.. ويوم يعودفيه أسطول الحرية إلى الذاكرة بكل قوة وسطوع.

وتحية لكل ذي ضمير يعلن، من أية ساحة في العالم وبأية طريقة كانت، موقفاً شريفاً ضد القتل والحصار والقهر والعدوان والقرصنة والطغيان.. ضد الإرهاب الصهيوني ومن يناصره ويسكت على ممارساته، وضد من يضع دولاً وممارسات إجرامية فوق المساءلة والقانون.

تحية لتركيا المتقدمة في خياراتها ونضالها من أجل العدالة والحرية، من أجل غزة والقدس، من أجل فلسطين وحقوق الإنسان.

والحرية والأمن والغذاء لغزة حرة، والنصر للعدالة والقيم.. النصر للشعب الفلسطيني، ولخيارات الشعوب، ولكل أحرار العالم الذين يرفعون راية القضايا العادلة، ويعلون صوت المظلومين.