خبر دلالات القرصنة الصهيونية في ذكرى النكسة ..عوني فرسخ

الساعة 08:44 م|04 يونيو 2010

دلالات القرصنة الصهيونية في ذكرى النكسة 

عوني فرسخ

 

في الأسبوع الأول من يونيو/ حزيران 1967 أوقعت "إسرائيل" بثلاثة جيوش عربية هزيمة عسكرية، وفي اليوم الأخير من مايو/ أيار 2010 اقترفت القرصنة ضد "أسطول الحرية" الساعي لكسر الحصار عن قطاع غزة. والبون بعيد بين فعاليتها ومكانتها الإقليمية والدولية غداة نكسة 1967، وبين واقعها فجر اقترافها جريمة القرصنة في المياه الدولية، بحق سفن مدنية تحمل نشطاء عزل من أي سلاح سوى إيمانهم بالحرية ورفضهم العنصرية والعدوان غير المشروع. ذلك أنه على مدى السنوات الثلاث والأربعين بين التاريخين جرت متغيرات أحدثت تحولاً جذرياً في ميزان القدرات والأدوار في الصراع العربي - الصهيوني بحيث لم تعد "إسرائيل" في نظر العديد من المحللين السياسيين رصيداً استراتيجياً لرعاتها على جانبي الأطلسي بقدر ما غدت عبئاً تاريخياً، سياسياً وأمنياً وأخلاقياً، عليهم.

 

وفي ضوء واقع الكيان الصهيوني راهناً نذهب إلى أن جريمة القرصنة التي خطط رسمياً لاقترافها بحق "أسطول الحرية" إنما هي دليل ضعف التجمع الاستعماري الاستيطاني العنصري وليست دليل قوته. إذ يعيش مأزقاً وجودياً بعد أن أفقدته المقاومة اللبنانية قوة ردعه صيف 2006 وفشل مطلع 2009 في استعادتها بالمحرقة التي اقترفها على قطاع غزة المحاصر. وبالنتيجة فرضت عليه المقاومة ردعاً متبادلاً في شماله كما في جنوبه، بل وبات عاجزاً عن تنفيس أزماته الداخلية بالعدوان الخارجي. وعليه وجد صناع قراره بالعدوان على سفن مدنية في المياه الدولية السبيل الأيسر لاستعادة بعض مظاهر القوة التي كان يملكها.

 

ولا يجهل صناع القرار الصهيوني أن ما اقترفته قواتهم البحرية جريمة نكراء في القانون الدولي، وتقع تحت مساءلة الأمم المتحدة وفقاً لإحكام البند السابع، فضلاً عن مخالفتها لاتفاقية جنيف الرابعة. غير أنهم إنما اقترفوا ذلك وهم على قناعة تامة بأن لهم لدى الإدارة الأمريكية، وغير يسير من صناع قرار ما يسمى "المجتمع الدولي"، ما يجنبهم كل مساءلة. ذلك لأن الكيان الصهيوني، وإن افتقد قوة ردعه، لم يفقد الدور الاستراتيجي الذي أقيم لأجله على الجسر الواصل والفاصل ما بين جناحي الوطن العربي. وعليه فصناع قراره على قناعة تامة بأنهم، مهما اشتطوا في عدوانهم على القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان، لهم من دورهم الاستراتيجي ما يقيهم من كل مساءلة دولية.

 

ثم هل كان صناع القرار الصهيوني يقترفون جريمة القرصنة بحق نشطاء مدنيين يسعون لكسر الحصار عن مليون ونصف مليون مواطن عربي، ويغامرون بالتالي بعلاقاتهم السياسية والاقتصادية المتنامية مع عدد من أنظمة الحكم العربية وقطاع غير يسير من رجال وسيدات الأعمال العرب، لولا قناعتهم بأنهم في تصديهم لمنع كسر الحصار لا يتناقضون تناقضاً عدائياً مع الموقف الرسمي العربي في غالبيته تجاه الحصار المفروض على قطاع غزة منذ تفردت حماس بسلطة حكم الذات فيه قبل ثلاث سنوات؟ ما يعني أنهم أقدموا على جريمة القرصنة التي اقترفوها مطمئنين إلى أن علاقات الكيان المتنامية مع هذا القطاع من النخب السياسية والاقتصادية العربية لن تتأثر بتداعيات جريمة القرصنة لدى الشعوب العربية. ذلك لأن قوى المقاومة والممانعة العربية، برغم إنجازاتها في مواجهة العدوانية الصهيونية، لم تمتلك بعد قوة التأثير في صناعة القرارات الرسمية العربية. وعليه فإن أقصى ما قد يصدر عن الأنظمة مجرد بيانات إدانة وشجب لفظية. وما لا يجاوز استدعاء السفراء والقائمين بالأعمال الصهاينة في العواصم العربية ذات الصلة والاحتجاج لديهم بدبلوماسية غاية في الالتزام بالأعراف الدولية.

 

ولا خلاف أن نشطاء "أسطول الحرية" ينتسبون إلى أربعين دولة، بينها أكثر من دولة أوروبية مشاطئة للبحر الأبيض المتوسط. وهي إلى جانب ما طال مواطنيها المشاركين في الحملة الإنسانية لكسر الحصار الجائر على قطاع غزة، متأثرة باقتراف جريمة القرصنة في المتوسط الذي يهمها سلامة الملاحة الدولية فيه. وعلى ذلك فالقرصنة الصهيونية تلقي بظلالها على علاقات "إسرائيل" بهذه الدول، ولدى الرأي العام فيها المتنامى إدراكه، ان "إسرائيل" إنما هي الخطر الأكبر على السلام العالمي، وبخاصة أمن واستقرار المنطقة العربية، حيث لأوروبا علاقات تاريخية ممتدة ومصالح اقتصادية وثقافية لا يستهان بها. غير أن صناع القرار الصهيوني ما كانوا ليتطاولوا على حريات المواطنين الأوروبيين ويهددوا المصالح الأوروبية في المتوسط والوطن العربي، لولا أن لهم من الإدارة الأمريكية والقوى المؤثرة في صناعة القرارات الأوروبية ما يعصمهم من تداعيات عدوانهم. فضلاً عن فعالية جماعات الضغط اليهودية في العواصم الأوروبية في مواجهة كل ما فيه مساس بفاعلية "إسرائيل" ودورها الاستراتيجي في المشرق العربي.

 

والمؤشرات كثيرة على أن المستهدف من جريمة القرصنة الصهيونية بالعدوان على "أسطول الحرية" ليس فقط منع كسر حصار قطاع الممانعة والمقاومة والصمود، وإنما أيضاً فعالية تركيا الإقليمية المتنامية، وتزايد تعاطفها نظاماً ومجتمعاً مع حقوق الشعب العربي الفلسطيني. ما يعني في التحليل الأخير التقدم الحثيث في تحول تركيا من حليف استراتيجي ل"إسرائيل"، إلى نصير متنامي الدور للحقوق العربية المشروعة. وبالتبعية انكسار الطوق الذي أقامه بن غوريون من حول العرب في خمسينيات القرن العشرين، مقابل اشتداد طوق المقاومة العربية والإسلامية من حول الكيان الصهيوني.

 

صحيفة الخليج الإماراتية