خبر مازوخية باقٍ../ إياد برغوثي

الساعة 06:45 م|04 يونيو 2010

مازوخية باقٍ إياد برغوثي

أعدت خلال الأيام الأخيرة اكتشاف ميولي المازوخية السياسية، التي صقلتها تجاربي كفلسطيني يمارس العيش الغريب في الدولة العبرية ويفقه لغتها الخاصة، فقد استمتعت فعلاً من الغوص في مواقع الأخبار الإسرائيلية وقراءة التعقيبات الفاشية المبدعة واحدًا تلو الآخر، ومتابعة المحللين العسكريين عديمي الأخلاق واللياقة في النشرات الإخبارية المتلفّزة (هل يقبضون أجرهم من الجيش أم من سلطة البث الثانية؟ أم لا فرق أصلاً؟).

 

استمتعت من حبكة الأكاذيب غير الذكية ومن تصديق الإسرائيليين لها وترديدها، ومن تحويل "رامبو" إلى "تشارلي تشابلن"، لكن الذروة كانت عندما شاهدت فيلم المافيا على قناة الكنيست (لم أشاهد هذه القناة المملة منذ سنين طويلة)، فيلم عنف سياسي مجاني خلال ساعات النهار، أرضاني غباء الممثلين البرلمانيين وأخافتني عنصريتهم القبيحة والصريحة.

 

وجدت أيضًا أن أسئلتي أصبحت "بايخة"، وأن ردود رفاقي عليها أصبحت إهانة لوعيي وإدراكي للمستجدات والاستنتاجات القديمة والمتجدّدة، "مالك مستغرب؟ وين عايش إنت؟"، استمتعت أيضًا بملاحظات الرفاق، أهينوني إن كرّرت الاستغراب، فالقادم، كما يبدو، أغرب.

 

قرأت، خلال غوصي في المواقع العبرية محميًا بمعدّات التنّفس المنطقي والأخلاقي، الرواية الإسرائيلية "الملخومة" حول الاعتداء على أسطول الحرية في البحر الأبيض (الأحمر) المتوسط، وتابعت تطوير كتّاب السيناريو العسكري لفصولها وأحداثها، مفكّكًا لنصّها باحثًا عن تراكم المعاني، ويا للمتعة، مشهد من دقيقة وثلاث وعشرين ثانية يظهر فيها شباب يضربون بعصي بدائية جنود الكوماندو البحري النخبويين المنسلين من حبل مرم من طائرة عامودية مقاتلة على سفينة، يقنع الإسرائيليين، ساسة وجمهورًا، أنهم ضحية لإرهابيين مجرمين منظّمين (ومسلمين، بالنسبة لهم يكفي أن يكون الإنسان ملتحيًا وأسمر ومعتمرًا لقبعة بيضاء ليكون إرهابيًا) يقودون أسطولاً استفزازيًا يريد أن يكسر الحصار عن غزة "حماستان"، وأن القتل جاء دفاعًا عن النفس. لم يطلب أحدٌ أن يرى باقي المشاهد، قبل هذا المشهد وبعده، هنالك صور للقتل، أين هي؟ لماذا صودرت صور الصحفيين المرافقين للأسطول؟، لم يسأل أحد منهم.

 

تحدّثوا طويلاً عن الفشل الإعلامي وبرروا الإخفاق العسكري بمفاجأتهم من مقاومة الأتراك، وفسّروا للجمهور الذكي أن عملية "رياح السماء" تحوّلت إلى عاصفة الأرض بسبب تلوّن العالم والأمم وازدواجية معاييره (لقد صادروا منا هذا المصطلح أيضًا!)، وشتموا أردوغان.

 

عندما سمعت ميري ريجيف، عضو الكنيست عن حزب الليكود والناطقة السابقة بلسان جيش الاحتلال الإسرائيلي إبّان الحرب العدوانية ضد لبنان في العام 2006، تصرخ بالعربية من على منبر الكنيست باتجاه المناضلة حنين زعبي "روحي إلى غزة، يا خائنة"، ورأيت النائبة الروسية عن حزب ليبرمان تتهجّم عليها بعنف جسدي مثل حرّاس الملاهي الليلية، وسمعت مقطوعات التحريض الفاشية، لم أستغرب ولم أخف على حنين القويّة والرصينة، افتخرت فيها وبمواقفها وبحضورها، وأردت أن أدخل من التلفزيون إلى قاعة الأوبرا التحريضية وأقول لريجيف: "حنين ستذهب إلى غزة وستبقى في الناصرة، حنين مخلصة لشعبها وقيمها وضميرها ومبادئها"، لكني أغلقت التلفزيون وذهبت نحو حاسوبي وأغلقت كل صفحات الانترنت (ما عدا بريدي الالكتروني وصفحة الفيسبوك خاصتي وموقع "عرب 48" و"الجزيرة"، لماذا الكذب؟).

 

أدركت، في نهاية اليوم، أنني لست مازوخيًا سياسيًا، بل أنني ببساطة باقٍ في وطني أتحمّل العنف الإعلامي والسياسي اليومي والطارئ، وأملك فضولاً للولوج في عقر خطاب المحتّل. ما أسعدني بالفعل هو عودة النضال من أجل كسر الحصار عن غزة إلى مركز الوعي العالمي، وبروز قيادية وطنية تمثلني حقًا.