خبر الى اين الابحار من هنا..هآرتس

الساعة 11:42 ص|04 يونيو 2010

بقلم: الوف بن

علاقات اسرائيل مع الولايات المتحدة عادت هذا الاسبوع الى صيغتها القديمة والمعروفة، التي تعكس علاقات القوى بين دولة صغيرة ودولة عظمى. بعد سنة من مباريات انزال الايدي، بنيامين نتنياهو ضد براك اوباما، اندلعت أزمة – ورئيس الوزراء اضطر، ككل اسلافه، الى سحب اليد والطلب من الرئيس انقاذه من المشكلة.

هذه هي النتيجة الاهم لـ "قضية الاسطول". فقد أعلنت اسرائيل بانها ستوقف بالقوة سفن المساعدة في طريقها الى غزة، وعندما اصطدم مقاتلو الوحدة البحرية لمفاجأتهم بقوة مضادة على دكة "مرمرة" تعقدت العملية وانتهت بتسعة قتلى من المسافرين، موجة شجب دولية لاسرائيل ومواجهة سياسية مع تركيا التي اعطت رعايتها للاسطول. بعد نحو سنة ونصف السنة من الهدوء الامني، مرة اخرى بدت اسرائيل كالازعر الذي يضرب اولا وبعد ذلك يفكر.

في مثل هذا الوضع، شخص واحد فقط يمكنه أن يساعد، وهذا هو اوباما. نتنياهو تحدث معه عدة مرات هاتفيا يوم الاثنين، يوم الازمة، وطلب منه ان يستخدم الفيتو في مجلس الامن على قرار ضد اسرائيل. اوباما لم يستخدم سلاح يوم الدين للدبلوماسية الامريكية، ولكن قرار الامم المتحدة خففت حدته ليصبح "بيانا" عديم الاسنان. بعد ذلك أدار اوباما "محادثات تقارب" بين اسرائيل وتركيا. وكانت النتيجة ان حررت اسرائيل كل مسافرين الاسطول، حتى اولئك الذين عرضهم الاعلام الاسرائيلي كـ "مؤيدي القاعدة"، والاتراك خففوا من حدة تصريحاتهم.

وعندما أملى الامريكيون على اسرائيل كيف سيدار التحقيق، بل وطلبوا ان تفتح بوابات غزة المقفلة قليلا.

نتنياهو استجاب مبدئيا وهم مستعد لان يعيد النظر في الحصار على غزة بحيث يتركز في احباط تهريب السلاح بل والنظر في دور دولي في فرضه. ليس الوسائل هي المهمة، بل النتيجة، في الا يقوم "ميناء ايراني في غزة" وعبره تمر الاف الصواريخ الى حماس.

نتنياهو يفكر بافكار ابداعية، ويسعى فقط الى الانتظار والا يقرر تحت ضغط الاحداث تغيير الحصار. لعله يحاول اذابة الفكرة؛ كله منوط بالتصميم الامريكي. نتنياهو يعارض التحقيق الداخلي، الذي سيلزم كل مقاتل وقائد بان يخرج الى العمليات مع محام ملاصق. وهو سيوافق على  فحص لقانونية العملية ضد الاسطول الى غزة، ومدى القوة التي استخدمتها اسرائيل للسيطرة على "مرمرة". برأيه توجد لاسرائيل اجوبة جيدة، ونائب الرئيس جو بايدن قدم لها منذ الان اسنادا علنيا.

قبل الورطة مع الاسطول، نتنياهو اعتقد بانه انتصر على اوباما في المعركة على الرأي العام الامريكي ونجح في صد الضغوط لوقف البناء الاسرائيلي في شرقي القدس والذي فسر كتهديد سياسي على استقرار الائتلاف الاسرائيلي. الادارة، التي حاولت انزال نتنياهو عن الجدار في المسيرة السياسية مع الفلسطينيين، انتقلت من العصي الى الجزر. وبدل الاهانات احتلت بيانات التأييد لاسرائيل. ذروتها كانت في زيارة رئيس طاقم البيت الابيض رام عمانويل الذي جاء ليحتفل بسن بلوغ ابنه وابن اخته، التقطت له الصور بالقميص ذي الكمين القصيرين وبثت الانباء عن أنه واحد منا وان رئيسه يحبه.

ولكن احساس النصر الاسرائيلي كان زائفا. فمنذئذ طلب نتنياهو مساعدة اوباما كي يمنع الضغوط على اسرائيل في الموضوع النووي. في نهاية الاسبوع الماضي انتهى مؤتمر النووي العالمي في نيويورك بقرار دعا اسرائيل، بلغة دبلوماسية الى اغلاق مشروعها النووي. اوباما صوت مع القرار، وعندها اعلن بانه يتحفظ من البند الاسرائيلي. وافادت "مصادر سياسية في القدس" بـ "تفاهمات استراتيجية" جديدة مع الولايات المتحدة تعبر عن "ارتفاع درجة هامة في تاريخ العلاقات". تفاهمات تحققت بعد جهد طويل، تبادل للمبعوثين والرسائل، وزيارة وزير الدفاع ايهود باراك لدى الرئيس.

الاعلان عن "التفاهمات الاستراتيجية" قد أعطت اسنادا اسرائيليا للادعاء المتكرر من جانب اوباما ومساعديه بانهم ملتزمون بامن اسرائيل ويحرصون عليه اكثر من كل اسلافه. واظهر بانه عند الازمة السياسية، يضطر نتنياهو الى الاعتماد على اوباما، وان ليس لاسرائيل حلفاء غيره. مع كل الخلافات والاحتكاكات، فان الرئيس وحده يمكنه أن يساعد عند الازمة. ولكن من الصعب التصديق بان هذا كان بالمجان. نتنياهو يؤمن بـ "اذا اعطوا فسيأخذون" ويطرح السؤال ما الذي اعطاه لاوباما مقابل "التفاهمات الاستراتيجية". هل وعد الا يهاجم ايران؟ أم ان تنسق اسرائيل كل شيء مع امريكا، وهو ذات الشيء؟ ام لعله اقترح شيئا في الضفة الغربية؟

في نهاية الاسبوع الماضي زار نتنياهو كندا واستعد للقاء المصالحة الكبير مع اوباما، الذي تقرر ليوم الثلاثاء في البيت الابيض. يوم الاحد مساء اجريت معه مقابلة في تورينتو مع شبكة التلفزيون الكندية سي.بي.سي . جاء متأخرا، ولكنه كان مرتاحا ومبتسما، ومنح المذيح بيتر منسبردج، عدة دقائق اكثر مما تقرر. وفي ذات الوقت كان مقاتلو الوحدة البحرية يشقون طريقهم الى الاسطول التركي. يبدو ان نتنياهو اعتقد بان العملية ستكون نظيفة، وانه سيصل واشنطن كبطل.

وعندها تعقد كل شيء. بعد التردد المميز له، تنازل رئيس الوزراء عن اللقاء مع اوباما وعاد الى البلاد. واعفي الرئيس من حرج الوقوف الى جانب نتنياهو في الوقت الذي يصرخ فيه كل العالم ضد اسرائيل. بالمقابل، منحت الادارة الامريكية اسرائيل مظلة دبلوماسية.

الان، عندما اعيد تحديد علاقات القوى بين امريكا واسرائيل، ينبغي السؤال اذا كان بوسع اوباما ان يستفيد منها لتلطيف حدة الموقف الاسرائيلي في المسيرة السياسية مع الفلسطينيين. هذا ليس مؤكدا. الادارة تفقد المشورة: لرجالها الكثير من النوايا الطيبة، ولكن ليس لديهم حلول جيدة في الموضوع الفلسطيني. لا لمشكلة غزة، ولا لاحباط التخوف الاسرائيلي من أن الانسحاب من الضفة الغربية سيجعلها هي ايضا قاعدة صواريخ ايرانية.

الامريكيون يقولون لنتنياهو ان من المجدي له ان ينهي الامر مع محمود عباس وسلام فياض، اللذين لن يتوفر افضل منهما. هذا ليس كافيا، حاليا، لاقناعه. في الادارة يفهمون بان نتنياهو يتمسك بكرسيه، ولا يعلقون الكثير من الامال على تسيبي لفني او أي شخص آخر يدعي التاج. وعليه فقد قرروا العمل معه وليس ضده، رغم الفجوة الهائلة في نظرة الحكومتين الى العالم.

رئيس الموساد مئير دغان قال هذا الاسبوع في الكنيست ان الادارة فكرت بتسوية مفروضة لكنها تخلت حاليا عن الفكرة، كونها قدرت بان هذا لن يجلب السلام. وحذرت دغان من أن امريكا تعبت من اسرائيل التي تصبح بالتدريج عبئا على الولايات المتحدة. في قضية الاسطول، اضطر الامريكيون، مرة اخرى، الى تنظيف الفوضى التي خلفتها نزعة القوة الاسرائيلية. اوباما جاء لانقاذ نتنياهو ورئيس الوزراء مدين له الان. ان لم يكن تفكيك المستوطنات واقامة فلسطين، فعلى الاقل بعض التواضع والشكر، وربما أيضا بعض التخفيف من الحصار على غزة.