خبر هاني سليمان يُطمئن «عائدون من جديد» إلى غزة وعباس ناصر «المشاكس»... لم ينكسر

الساعة 06:13 ص|04 يونيو 2010

 فلسطين اليوم-الراي الكويتية

الداخل إلى جناح الدكتور هاني سليمان في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت قد يضيع، وليس في هذا مبالغة. عشرات من النساء والرجال والمراهقين يحيطون بهاني. هناك قريبتان أو أكثر بدا أنهما وصلتا للتو من السفر. جاؤوا للاطمئنان إلى صحة «البطل».

فأبطال هم اللبنانيون العائدون من فلسطين المحتلة الى الحرية، بعد الرحلة التاريخية على متن «أسطول الحرية»، الذي كان متوجها إلى غزّة في محاولة لكسر الحصار عنها.

رئيس البعثة اللبنانية الدكتور سليمان، ومراسل قناة «الجزيرة» عباس ناصر، ومصورها اندريه ابي خليل، والناشط حسن شكر، اضافة الى نبيل حلاق الذي نُقل الى ايرلندا لأنه يحمل جواز سفرها، كانوا امس «الحدَث» في بيروت التي احتضنتهم بحفاوة العائدين من «الإنجاز» بعدما أقامت لهم «عرساً» عند معبر الناقورة الحدودي حيث سلّمتهم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بحضور ممثّل لرؤساء الجمهورية ميشال سليمان والبرلمان نبيه بري والحكومة سعد الحريري والمئات من الاهالي وعائلات المفرج عنهم.

في زاوية من جناح الدكتور سليمان، فتاة لم تتخطّ الـ10 سنوات من عمرها، تحاول أختها أن تجعلها تعيد ما قالته قبل وصول الدكتور: «قولي لهم»، ولا تقول الصغيرة المحمرّة خجلا، فتضيف أختها بدلا منها: «قالت إنّ عمّو هاني ركّع الإسرائيليين ».

وطوال نحو ساعة من محاولات تسجيل حديث سريع مع «الأسير المحرّر»، لم تتوقف الاتصالات المهنّئة بالسلامة، نواب ووزراء من طوائف وأحزاب مختلفة، من نقابيين وقياديين وإعلاميين، من أقرباء وأصدقاء، وزوار لا يقلّون شأنا، من نواب وقياديين وإعلاميين، إلى جانب «جيش» من الصحافيين الذين يريدون الحصول على أحاديث من رئيس البعثة اللبنانية على متن «اسطول الحرية» أو من أحد أفراد عائلته.

الجميع يريدون التحدّث إلى هذا الرجل الذي اخترق حصار غزة وأصيب برصاصتين، واحدة في كلّ قدم، ما جعل القدم اليمنى شبه مشلولة في أخمصها بعد انقطاع عصَب أساسي فيها.

الجميع يريدون أن يعرفوا ما الذي جرى، والدكتور يروي كيف هجم الإسرائيليون على السفن، وكيف قاومهم المتضامنون مع غزة، وكيف دافعوا عن السفن والقوارب ومنعوا الإسرائيليين من دخولها بالقوة العسكرية وليس البدنية.

يروي سليمان لـ «الراي» كيف أنّه رفض الإذعان، وكيف ربح المتضامنون في رحلتهم على الإسرائيليين «من خلال كسر الحصار واستنفار العالم كلّه ضد إسرائيل وكيف أنّ العدو الصهيوني بات مكشوفاً أخلاقياً وسياسياً ومعنوياً أمام العالم وبات عاريا من الإنسانية».

«الدكتور» يضخّ الحماسة في محيطه. وبدل تلقّي التطمينات، يُطمئن الزوار إلى أن قدمه ستعود إليها عافيتها رغم انقطاع عصب أساسي: «(وزير الصحة) الدكتور محمد جواد خليفة والدكتور باسم يموت زاراني وفحصاني وطمأناني على أنّ كلّ شيء سيكون بخير».

ويعيد سليمان رواية الهجوم الاسرائيلي وقصة الرحلة من الساعة 11 ليل الأحد إلى فجر الاثنين، ولا يملّ، لكنّه يفضّل الحديث عن المكاسب السياسية. ولا يبدو عليه أنّه عائد من خطر لا يريد تكراره: «بدأنا التحضير لأسطول أكبر وقريبا سنعود إلى غزة»، مضيفاً: «أسطول الحرية» استغرق التحضير له أكثر من 9 أشهر، فلننتظر مثلها على الأقلّ».

يغرق في التحليلات السياسية، يتحدث عن تركيا وعن إسرائيل وعن كيف أنّ «ردود الفعل العربية أثبتت أن الأمة العربية والإسلامية ما زالت بخير وأن الأمل ما زال موجودا في التغيير». يحبّ هذا الحديث أكثر من غيره، ويغرق في الاتصالات المهنئة والمطمئنة، محاطا بالفخر على وجوه محبيه، وبالابتسامات على وجوه الفتيات الصغيرات، بنات أقربائه وقريباته اللواتي تخلفن عن المدارس لزيارته.

في عشرات الأحاديث التلفزيونية والإذاعية والصحافية التي أعطاها مراسل قناة «الجزيرة» القطرية، المحرر مع أسرى «أسطول الحرية»، عباس ناصر، بدأ القصة في كلّ مرة بطريقة مختلفة.

لكنه في حديثه الى «الراي» قرر أن يبدأ حديثه بالتشديد على أنّه رفض التوقيع على إقرار إسرائيلي بأنه دخل الدولة العبرية بطريقة غير شرعية، وبأنّه خرق القوانين الإسرائيلية: «قلت لهم: أنتم غير شرعيين، أنتم قراصنة خطفتوني من البحر من المياه الدولية، وأنا مخطوف الآن، ولا أعترف أصلا بشرعية دولة إسرائيل ووجودها فكيف أوقّع أنني انتهكت قانونها غير الموجود بالنسبة لي؟».

هكذا يبدأ ناصر قصته، هو الذي لم يصب بأذى، لكنّه تعرض لكدمات بسيطة خلال «طوق النجاة البشري الذي لفّينا به قاربنا الكبير، نحن الخمسون الذين كنا على متن قارب واحد».

حاول الإسرائيليون الدخول بعنف، لكنّ التصدي المدني لهم جعلهم يدفّشون ويضربون ويصرخون في وجوه المتضامنين المدنيين العزّل: «في لحظات مثل تلك اللحظة، يعطى الإنسان أكثر من توقعاته عن نفسه. يعطى قوة لا يعرف من أين أتت، ويتصرف بطريقة لا يفهمها هو نفسه، وهكذا جرى معي، ففي لحظة كنت خائفا، وفي اللحظة التي تلتها تحول الخوف إلى حماسة وإلى طاقة لا أعرف كيف أصرفها».

هكذا يتحدث عباس وهو يفرك يديه ويزمّ عينيه: «كان الاحتكاك الأول بيني وبين الاسرائيليين، رغم أنني زرت غزة بعد الحرب الاسرائيلية عليها العام الماضي، وفي تلك اللحظة كان عليّ أن أفصل شعور الكراهية لأنني ألتقي بعدوي، عن شعوري كصحافي بضرورة نقل الأحداث بمهنية».

وأكثر ما يتذكره عباس أنّه كان مشاكسا: «كنت أرفض التعاون معهم، وأصرخ في وجوههم وأرفض تنفيذ أوامرهم، فتركوا لي ردّ الصاع إلى اليوم الأخير، بعد 3 أيام أمضيناها في زنازين جديدة بدت كأنّها مخصصة لنا».

في اليوم الأخير، اقتيد الجميع إلى المطار، وكان زملاء عباس يقومون بالإجراءات الروتينية تمهيدا للسفر، لكنّ الإسرائيليين عزلوه لأكثر من سبع ساعات في غرفة يرى من خلالها زملاءه يتحضرون للمغادرة، وكان يدخل عليه كلّ نصف ساعة جندي يقول له بالإنكليزية أو العربية: «أنت ستبقى هنا ولن تغادر».

لكنّ عباس كان يعرف أنّهم يحاولون إخافته، لأنّهم لو كانوا يريدون اعتقاله لما جاؤوا به إلى المطار، ولكبّلوا يديه، لكنّهم كانوا يريدون «تكسير رأسي، ولم ينجحوا، وفي النهاية استفرد نحو 20 جنديا بي، وهجم نحو 6 أو 7 منهم وزركوني في زاوية وراحوا يلطمونني ويرفسونني على قدمي وعلى رأسي وفي بطني، منتظرين أن أردّ عليهم، علّهم يوفقون في قتال حقيقي، لكنّني تمالكتُ نفسي».

هنا يزداد عباس حماسة: «أعرف أنهم يخافون لأسباب كثيرة من الابقاء عليّ قيد الاعتقال، أولا، هناك مقاومة في لبنان ومعها صواريخ واعتبرتنا أسرى، وثانيا، هناك قناة «الجزيرة» التي تحمي موظفيها، وثالثا، لأنّهم لم يكبّلوا يديّ».

هكذا يعيش عباس البطولة في مكتب قناة «الجزيرة» في شارع الحمراء، فيما يعيشها مثله الدكتور هاني سليمان، في الحمراء أيضا، في مستشفى الجامعة الأميركية، والإثنان يعتبران ما جرى «محطة» ويؤكدان أنهما سيكملان «النضال»، كلّ من موقعه وبحسب قدرته ورغبته، لكنّ غزة ما زالت في بالهم، حرّة في بحر الدماء الذي يسبح فيه عدوّها.

وكان «ليل العودة» بدا طويلاً اول من امس بعدما تأخر تسليم اللبنانيين الاربعة نحو ثلاث ساعات ونصف الساعة عند معبر الناقورة. وقرابة الساعة العاشرة والنصف أطلت سيارتان تابعتان للصليب الأحمر الدولي أقلّتا المفرج عنهم من داخل الأراضي المحتلة حيث تجمع المئات من الأهالي، ورفعوا الأعلام اللبنانية والتركية والفلسطينية والحزبية وشعارات تندد بإسرائيل.

وتسلم الجيش اللبناني المفرج عنهم وتوجه بهم الى الجهة اللبنانية من معبر الناقورة حيث اجريت لهم فحوص الحمض الريبي النووي «دي ان آي» ونقل سليمان في سيارة اسعاف، فيما ترجل عباس ناصر وحسين شكر واندريه ابي خليل لملاقاة الحشد وسط الزغاريد ونثر الرز والورود.

وتحدث حسين شكر «ابو الشهداء» فقال: «انا ابو محمد تمكنت من ان اقول للصهاينة انتم قتلتم اولادي (خلال حرب يوليو) ورفضت ان اوقع الورقة، وكل ما تكلمت به سجلوه على الباخرة. ما اريد قوله للحكام العرب والمسلمين انتم في حال سلام مع اسرائيل وسيكون حالكم مثل حالنا المقيدة على المركب، اما مع المقاومة فلن يتجرأ احد على ان يقف في وجهنا».