خبر انتظروا وصول جثامين الشهداء الاتراك

الساعة 05:33 ص|03 يونيو 2010

انتظروا وصول جثامين الشهداء الاتراك

فلسطين اليوم- وكالات

من ابرز 'انجازات' المجزرة الاسرائيلية التي استهدفت سفن ونشطاء اسطول الحرية في عرض البحر المتوسط، هو تدني اهتمام المواطن العربي وربما العالم باسره، بالنظام الرسمي العربي وزعمائه، وعدم الاكتراث باي خطوة يقدمون عليها.

تابعت الغالبية الساحقة من البرامج الحوارية، واللقاءات المفتوحة، الاذاعية والمتلفزة، التي يشارك فيها الجمهور، فلم اسمع احدا يذكر الزعماء العرب بالخير، او يرتجي اي شيء منهم، فقط اللعنات والشتائم، والاشادة في المقابل برئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وابطال قوافل الحرية، والصامدين تحت الحصار في قطاع غزة.

لا احد يسأل عن موعد اجتماع مجلس وزراء جامعة الدول العربية، ولم يعر احد اي اهتمام لدعوة منظمة المؤتمر الاسلامي ومقرها جدة في المملكة العربية السعودية لعقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية الدول الاسلامية، لان هذه المنظمات تخضع لانظمة عربية، وتتواجد في عاصمتين عربيتين لاهم دولتين في محور الاعتدال العربي.

موازين القوى ومعادلاتها بدأت تتغير في المنطقة بسبب كفر المواطن العربي بالانظمة العربية معتدلة كانت او ممانعة، وظهور منظمات وحركات مقاومة بدأت تأخذ زمام المبادرة وتتصدى للغطرسة الاسرائيلية مباشرة ودون المرور عبر الانظمة وبواباتها. وهذا ما يفسر حالة الازمة التي تعيشها اسرائيل حاليا.

بسبب هذا التغيير في المعادلات، باتت اسرائيل تواجه منظمات مجتمع مدني وحركات مقاومة وافكارا، ولهذا باتت تنتقل من هزيمة لتقع في اخرى، هزيمة في لبنان، واخرى في غزة، وثالثة في عرض البحر المتوسط. صورة الردع الاسرائيلية باتت في الحضيض، والانطباع الرهيب الذي ساد المنطقة حول القدرة الاسرائيلية الجبارة في مختلف المجالات بات يتآكل. فقد كشفت المواجهة الاخيرة مع سفن الحرية فشلا اسرائيليا استخباريا، وفشلا عسكريا، وفشلا سياسيا وانهيارا اعلاميا واخلاقيا.

الجنود الاسرائيليون الذين هاجموا السفن كانوا مدججين بالسلاح، ومع ذلك قفزوا في البحر هروبا من الجبابرة الذين واجهوهم بالعصي والقضبان الحديدية رافضين الاستسلام واطاعة الاوامر، ولجأ زملاؤهم الى اطلاق النار بهدف القتل.

الجيش الاسرائيلي يستطيع ان يهزم الجيوش الرسمية العربية، وان يدفع قياداتها السياسية للاستسلام ورفع الرايات البيضاء ولكنه لا يستطيع ولن يستطيع هزيمة الشعوب التي اخذت زمام المبادرة من انظمتها، فلم يحدث في التاريخ ان هزمت الجيوش افكارا عقائدية بالقوة والحصار والصواريخ والقنابل الفوسفورية. حركات التحرير انتصرت دائما لانها تتبنى افكارا وتؤمن بعقائد، ومستعدة للتضحية، فجميع من ركبوا سفن قافلة الحرية كانوا مشاريع شهادة بل يتدافعون لنيلها.

* * *

ماذا ستفعل اسرائيل في المرات القادمة عندما تتدفق السفن بالعشرات نحو غزة ترفع اعلام دول، وتصاحبها بارجات تركية او يونانية، ولا نقول عربية لان الانظمة اجبن من ان تقدم على خطوة كهذه.. هل ستقصفها بالصواريخ ام بالقنابل النووية؟

ميادين الحروب وادواتها تغيرت، فلم تعد المواجهات تتم في الخفاء، وانما على شاشات التلفزة، وكل عمليات الكذب والتضليل التي برعت فيها اسرائيل وتفوقت انهارت كليا. فسيطرتها على وسائل الاعلام التقليدية مثل 'بي.بي.سي' وقنوات ميردوخ وصحفه لم تعد تفيدها، فهناك قنوات اخرى مثل 'الجزيرة' باللغتين العربية والانكليزية، وقنوات عربية اخرى عديدة، وهناك ايضا الاعلام البديل مثل الانترنت والفيس بوك، والتويتر.

ولعل التطور الابرز الذي حدث بفعل دأب النشطاء في كسر الحصار وتعرية الوجه الاسرائيلي الارهابي القبيح هو تعب الدول الغربية، والولايات المتحدة بالذات من الدفاع عن الجرائم الاسرائيلية بسبب تعاظم ضغوط مواطنيها وغضبهم الشديد تجاه هذا الانحياز الفاضح وغير المبرر من قبل حكوماتهم لاساليب القرصنة وجرائم الحرب الاسرائيلية، وهي جرائم لا تثلج صدر زعيم تنظيم 'القاعدة' فقط، وانما تجعله يبدو معتدلا ازاءها.

الرئيس الامريكي باراك اوباما لن يجد آذانا صاغية في العالم الاسلامي عندما يخاطبه في المرة القادمة بعدما رأى العالم بأسره موقف حكومته المدافع عن المجزرة الاسرائيلية ضد قوافل الاغاثة الاسلامية في عرض البحر، ورفضها اجراء تحقيق دولي عادل ونزيه لمعرفة كل ملابساتها تشرف عليه الامم المتحدة على غرار تقرير غولدستون بشأن جرائم الحرب الاسرائيلية في قطاع غزة.

واقدام الرئيس حسني مبارك على فتح معبر رفح بطريقة تراجيدية لايام معدودة خطوة جيدة، ولكنها ليست كافية، وكنا نتمنى لو انها جاءت بمبادرة كريمة شجاعة تعكس اصالة الشعب المصري ومواقفه الوطنية، وليس لامتصاص غضب هذا الشعب وشعوره بالغضب من جراء خطف دور بلاده من قبل تركيا ورئيسها.

* * *

ما تريده غزة المحاصرة هو ما كان على ظهر سفن كسر الحصار من مواد بناء وادوية وحديد واسمنت لاعمار البيوت التي هدمتها الصواريخ الاسرائيلــــية اثنــــاء العــــدوان، والسماح لاهل القطاع بحياة طبيعية مــــثل باقــــي البشر، ولكن عندما سئل مسؤول مصري من قبل وكالة رويترز عما اذا كان فتح المعبر سيعني دخول هذه المواد، اجاب بالنفي، وقال ان هذه المواد ستمنع، ويجب ان تذهب الى غزة عبر المعابر الاسرائيلية.

ماذا يعني ذلك.. يعني ببساطة ان فتح المعبر مجرد خطوة تجميلية لخداع الشعب المصري وتضليله عبر الايحاء بان حكومته ترفع الحصار عن غزة، وتخفف معاناة ابناء قطاع غزة.

نيكاراغوا تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل، وتركيا تسحب سفيرها احتجاجا على مجزرة السفن، واليونان تلغي مناورات عسكرية، وحكومة مصر تكتفي باستدعاء السفير الاسرائيلي في القاهرة للاحتجاج فقط، وتفتح المعبر لحالات انسانية فقط، ولهذا تفقد مصر مكانتها الاقليمية والدولية وتستأسد دول منابع النيل عليها، وتتمرد على اتفاقات دولية حول حصص المياه بتحريض من اسرائيل.

جثامين الشهداء الاتراك لم تصل بعد الى ارض بلادها، انتظروا ماذا سيحدث عند وصولها، انتظروا كيف ستكون غضبة اهل الاناضول الاشداء المعروفين بعزتهم القومية والوطنية، والموت من اجل الحفاظ على كرامتهم.

اليس غريبا ان اسرائيل هذه الدولة المتغطرسة بنشوة القوة لم تكشف حتى الآن عن اسماء هؤلاء وعددهم خوفا ورعبا من هذه الامة التركية العريقة.. لماذا تتأخر كل هذا الوقت، اليس من اجل تخفيف الصدمة او امتصاصها؟.. الا يعطينا ذلك كعرب درسا في مدى احترام الشعوب عندما تكون كريمة حريصة على سمعتها وهيبتها؟.. وهل كانت اسرائيل ستتأخر عن تسليم الجثامين لو كان هؤلاء الشهداء عربا؟

السؤال الذي نطرحه بقوة الآن هو هل ستذهب دماء شهداء جرائم الحرب الاسرائيلية من الاتراك وغيرهم سدى مثلما ذهبت دماء من سبقوهم مثل راشيل كوري، وتوم هيرينديل، وجيمي ميللر الذين سقطوا من قبلهم دهسا بالجرافات الاسرائيلية في غزة؟

لا نقرأ الغيب، ولكننا نؤمن بالقياس، مثلما نؤمن بقدرات امتنا العربية الاسلامية، مثلما نؤمن ايضا بدروس التاريخ وعظاته، فدماء الشهداء لم تذهب هدرا ابدا، وحققت دائما الاهداف التي سالت من اجلها. الانجاز الاول سيكون انتهاء الحصار على قطاع غزة وقريبا جدا، والانجاز الاهم سيكون نهاية النظام العنصري الارهابي في اسرائيل، والايام بيننا.

غزة محاصرة اسرائيليا.. نعم.. ولكن اسرائيل باتت محاصرة من العالم باسره، الا يذكرنا هذا بمصير النظام العنصري في جنوب افريقيا، وايامه الاخيرة، والنهاية البائسة المقززة التي انتهى اليها؟ التاريخ يعيد نفسه!