خبر قرصنة مضبوطة ونتيجة غير محسوبة../ ظافر الخطيب*

الساعة 09:42 ص|01 يونيو 2010

قرصنة مضبوطة ونتيجة غير محسوبة ظافر الخطيب*

* باحث أكاديمي في مجال التاريخ 

01/06/2010  09:52 

 لا شك أن القرصنة الإسرائيلية لم تكن عملاً انفعالياً بلا مدلولات أو استهدافات، فنتنياهو الباحث عن مكانٍ له في تاريخ (مملكة إسرائيل)، و معه رديفه "العمالي" باراك الطامح الدائم نحو استعادة كرسي رئاسة الحكومة ليس لديهما الإستعداد للمجازفة بمغامرة تقودهما الى الفشل، ما يصح في السالفين يصح كذلك بأشكنازي الذي لا يبدو أنه يسير نحو التقاعد، بالعكس من ذلك، فإنه وعلى منهج أسلافه يبحث عن مقعد دائم أو بروفايل ثابت في الحياة السياسية الإسرائيلية.

 

كذلك الأمر بالنسبة لإدارة اوباما، التي يصعب الإقتناع أنها لم تكن في صورة ما سيحدث، خاصة أن هذا العمل العسكري في المياه الدولية، وفي مواجهة مدنيين عزل من السلاح. لذلك فإن نتنياهو و معه باراك و اشكنازي كانا بحاجة الى نوع من الخط الأخضر الواضح والصريح او المفهوم ضمناً.

 

وحتى نأخذ بقاعدة حسن النية في الحكم والتحليل، فإن أدنى ما يمكن أن يقال في مثل هذا الوضع أن الضوء الأخضر كان مفهوما ضمنا، فقادة الحكومة (الإسرائيلية) ربما تعمدوا من خلال التصريحات التي أدلوا بها، و من خلال التحركات العسكرية الإسرائيلية توضيح أنهم بصدد اتخاذ إجراءات عسكرية صارمة لمنع الأسطول الأممي من خرق الحصار، وذلك بغية رصد حجم ردود الفعل على ذلك، وهي قد استنتجت من غياب أي تفاعل أمريكي أوروبي وعربي مع هذه التصريحات والتحركات، مباركتهم للخطوات الإسرائيلية المزمعة ازاء اسطول الحرية. من هنا يمكن فهم واستيعاب الوقاحة الإسرائيلية إزاء القانونين الإنساني و البحري.

 

وقد جاء الموقف الأمريكي حول (الحادث "المؤسف" و ضرورة تفهم حاجة إسرائيل للأمن)، ليكون سقفاً للمواقف إن كان على مستوى مجلس الأمن، أوروبا، أو الجامعة العربية، دون أن نغفل دور الحسابات والمصالح الأمركية في المنطقة. وبناءً عليه فإنه من الطبيعي أن تنحسر ردود الأفعال من خلال عملية امتصاص أو تنفيس لردود الأفعال إن كان على المستوى الرسمي أو على المستويات الشعبية.

 

ماذا يعني ذلك ؟

بالتأكيد إن لذلك مدلولاته التي لا تخفى على أحد، كما أن لذلك نتائجه التي قد لا تخدم حكما ً الإستهدافات التي وضعت عملية القرصنة في اطارها:

المدلول الأول: أن حصار غزة إنما تفرضه أمريكا وتحفظ استمراريته، و أنه ممنوع على أي أحد المس به، طالما أنه يخدم الهدف (ضرب المقاومة واستمرار الإنقسام الفلسطيني).

المدلول الثاني: ربطا بالأول فإن الإنقسام الفلسطيني الفلسطيني يجب أن يظل محكوماً بخطط راعيه الدولي والإقليمي، وممنوع على الحالة الفلسطينية أن تستعيد الوحدة الوطنية.

المدلول الثالث: خرق الحصار بهذه الطريقة يعني تحرير ساحل غزة من التبعية لدولة (اسرائيل)، وبالتالي تجسيد فكرة دولة مستقلة وذات سيادة، وهو أمر خارج الإجندة الإسرائيلية و لن ترضى به، مهما كان الثمن المدفوع في رفضه.

المدلول الرابع : ان أمن "إسرائيل" هو فوق كل اعتبار، لا يمكن السماح بالمساس به، و هي لذلك قد تقوم بضربات استباقية، كأن تضرب في المياه الدولية وقبل الوصول الى المياه الإقليمية، وهي هنا لا تعتبر سابقة، إذ أنها تكمن في صلب العقيدة الأمنية الإسرائيلية، وربما من هنا يمكن استيعاب وفهم الموقف الأمريكي المنادي بضرورة استيعاب حاجة "إسرائيل للأمن".

المدلول الخامس: إن الموقف التركي قد تجاوز الحد المسموح به، وعلى الاتراك أن يفهموا، أن اعتراضهم يجب أن يبقى في إطار الحالة العرضية، وممنوع عليه أن يتحول إلى حالة يمكن البناء عليها في تكوين الاتجاهات والمواقف.

 

هذا في حسابات الفلاح. فماذا عن حسابات البيدر:

قد تستطيع أمريكا ومعها ربيبتها إسرائيل إدامة حالة الحصار، وتالياً التحكم في الوضع الفلسطيني من خلال استمرار حالة النزف القائم في الجسم الفلسطيني وإبقاء الوضع على ما هو عليه من انقسام فتحاوي حمساوي، وستقدر على دفع أوروبا لإعادة إنتاج مواقف مائعة ذات وجهين، ترضي الطرفين، وستجبر النظام الرسمي العربي على رمي طوق النجاة لنتنياهو وحكومته وذلك للخروج من مأزقه.

 

لكن الأكيد هنا هو أن القدرة على التحكم بسياسة "السير على حافة الهاوية" قد خطت خطوة كبيرة باتجاه النهاية، خاصة وأن هذه الجريمة وتلك القرصنة، قد جاءت لتحقق درجة أعلى من الاحتقان، ليس فقط على المستوى الفلسطيني، بل وأكثر من ذلك، على المستويين العربي والأممي، وعليه فإن ما بعد الإحتقان سيكون الإنفجار، و هو ما سيصيب امريكا و توابعها حكماً بالضرر.