خبر الغموض يلفّ مستقبل مصر .. باتريك سيل

الساعة 06:05 م|28 مايو 2010

بقلم: باتريك سيل

تدل الإشارات كافة على أنّ مصر تتجه نحو اتخاذ قرار مصيري. فقد تولى الرئيس حسني مبارك (82 سنة) الحكم منذ حوالى ثلاثة عقود وذلك بعد اغتيال سلفه أنور السادات على يد مسلم متطرف عام 1981. إلا أنّ وضعه الصحي متقلب. فهو يتماثل للشفاء من جراحة أجراها أخيراً في ألمانيا لاستئصال المرارة.

ومن غير المؤكد ما إذا كان مبارك سيترشح لولاية سادسة خلال الانتخابات الرئاسية المتوقع إجراؤها في شهر أيلول (سبتمبر) 2011. بالتالي، يبدو أنّ مصر وقعت فريسة هوس وطني بخلافة الرئيس. فمن هو الشخص الذي سيتولى الحكم في مصر خلال المرحلة المقبلة من تاريخ هذا البلد؟

في بداية الشهر الحالي، سأل صحافي الرئيس مبارك عن هوية الشخص الذي يرغب في أن يخلفه. ولم تنجح إجابته الغامضة التي كرّرها ثلاث مرات في شفاء غليل التوقعات فقال: «أفضّل من يختاره الله».

لا شك في أن علامات إرهاق واضحة بدأت تظهر على النظام. فقد تمّ تمديد حالة الطوارئ السارية منذ تولي مبارك منصبه لمدة عامين إضافيين مع العلم أنه رافقتها أعمال عنف مارستها الشرطة إلى جانب الاعتقالات الاعتباطية والسجن من دون محاكمة. وقد ساهم هذا القرار في تعزيز الامتعاض العميق الذي يشعر به كلّ الأشخاص الراغبين في وضع حدّ للفساد والجور الكبير على صعيد توزيع الموارد في مصر إضافة إلى قيام نظام يكون قريباً من الشكل الديموقراطي.

تُعتبر مشاكل مصر اقتصادية واجتماعية بقدر ما هي سياسية أيضاً. فهي تناضل من أجل معالجة مسألة النمو الهائل في عدد سكانها الذين يعانون فقراً كبيراً. فعندما اجتاح نابوليون مصر عام 1798 كان هذا البلد يضم ثلاثة مليون مصري. إلا أنّ هذا العدد ارتفع في شكل كبير فوصل إلى 19 مليوناً عند تولي جمال عبدالناصر و «الضباط الأحرار» الحكم عام 1952 وبلغ 36 مليون نسمة عام 1976 و50 مليون نسمة عام 1986 وهو يقدّر اليوم بحوالى 80 مليون نسمة. ويعيش 99 في المئة من المصريين في منطقة نهر النيل فيما يتوزع 3.5 في المئة منهم على سائر أنحاء البلد. ولم يعد عدد كبير من المصريين قادراً على تحمّل عبء عجزهم عن تأمين الحد الأدنى من الاحتياجات لعائلاتهم.

كذلك ينتاب الطبقة العاملة في مصر غضب شديد. ويبدو أنّ الأصوات المطالبة بالتغيير بدأت ترتفع أكثر فأكثر. ويذهب بعض المراقبين إلى حدّ الاعتقاد أن مصر على وشك أن تشهد ثورة شعبية على غرار الاحتجاجات الكبيرة التي شهدتها إيران إثر نتائج الانتخابات المزورة التي أسفرت عن إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في شهر حزيران (يونيو) الماضي.

لكن ثمة اختلافات واضحة بين البلدين. ففي إيران، كان الشباب المثقفون والطبقات المتوسطة المهنية يديرون ما يُعرف بحركة الاحتجاج الخضراء للتمرّد ضد الحكم الملالي القاسي والعنف الاستبدادي الذي يمارسه «الحرس الثوري». فيما يبدو أنّ الحركة الثورية في مصر تأتي من أسفل الهرم الاجتماعي.

فالقاهرة وطهران هما العاصمتان الوحيدتان في الشرق الأوسط حيث بوسع حركة الاحتجاج أن تنزل ملايين الأشخاص إلى الشارع للإطاحة بالنظام. ويعتمد مناصرو مبارك على ذريعة مفادها أنه السدّ الوحيد الذي يقف في وجه الفوضى. لكن يبدو أن ائتلاف الرئيس مع الطبقة العاملة الذي جمّد حركات الاحتجاج لسنوات عدة وصل إلى نقطة الانفصال. ففي السنوات القليلة الماضية، اندلعت موجة من الاضطرابات العمالية كما شهدت القاهرة العاصمة المكتظة بالسكان والتي تضم 18 مليون نسمة ثورة عمّالية لا مثيل لها لرفع الحد الأدنى للأجور.

ويطالب الشعب برفع الحد الأدنى للأجور إلى 1200 جنيه في الشهر أي ما يعادل 215 دولاراً، مع العلم أنّ عمال النسيج كانوا أول من طالب بذلك عام 2008. ويكسب عدد قليل من العمال نصف هذا المبلغ وبالتالي هم يواجهون صعوبة هائلة في تأمين الطعام واللباس والسكن لعائلاتهم.

وبحسب البنك الدولي، فإن 44 في المئة من المصريين «يعيشون في فقر مدقع» وهم غير قادرين على تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية فيما البعض يعاني من «الفقر» وغير قادر على تلبية الاحتياجات الأساسية الغذائية والباقي في حالة «شبه فقر» وقادر على تلبية بعض الاحتياجات الأساسية الغذائية فحسب. ويؤدي هذا الوضع إلى تعزيز التمرّد العلني ضد السياسات الليبرالية الجديدة وسياسات الخصخصة التي يعتمدها رئيس الوزراء أحمد نظيف والتي وسّعت الفوارق الاجتماعية بين النخبة الفاحشة الثراء واكثرية السكان الغارقة في فقر مدقع.

وفي حال قرر مبارك عدم الترشح لولاية أخرى، فمن هو الشخص الذي قد يخلفه؟ بصرف النظر عن إمكان ظهور مفاجئ لمرشحين آخرين، يبلغ عدد المرشحين المحتملين أربعة هم نجل الرئيس وأمين عام لجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم جمال مبارك (47 سنة) ومدير الاستخبارات العامة اللواء عمر سليمان (72 سنة) وأمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى (74 سنة) والمدير الأسبق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والحائز على جائزة نوبل الدكتور محمد البرادعي (68 سنة).

يُعتبر البرادعي دخيلاً على النظام مع العلم أن عودته إلى مصر ودعمه الديموقراطية وترشحه المحتمل للرئاسة قد أثارت حماسة كبيرة في أوساط المفكرين. واستخدم البرادعي على غرار ما فعل باراك أوباما خلال حملته الانتخابية في الولايات المتحدة المواقع الاجتماعية على شبكة الإنترنت. ويقال إن جبهته الوطنية للتغيير قد جذبت 200 ألف شخص.

يملك كل من هؤلاء المرشحين نقاط ضعف ولا أحد منهم يحمل صفات تخوّله أن يكون بطلاً وطنياً. ويقال إن جمال مبارك الذي يعتبر صانع سياسات محنّك وشخصية مؤثرة في المحيط المالي المصري يفتقر إلى الحضور وإلى الفطرة والأهم من ذلك كله إلى دعم الجيش. ومنذ عقد قام الرئيس مبارك بتحييد عمرو موسى الذي كان وزير خارجية يحظى بشعبية كبيرة، وقد أوكلت إليه منذ ذلك الحين مهمّة إدارة جامعة الدول العربية غير الفاعلة مع العلم أن هذا الأمر أدى إلى خسارته شيئاً من جاذبيته.

لن يتمكن البرادعي من الترشح إلا في حال عدّل الرئيس مبارك الدستور للسماح لمرشح مستقل لا ينتمي إلى حزب معيّن بالتنافس على الرئاسة، مع العلم أنه لا يبدي نية للقيام بذلك. أما دور الجيش فغير معروف كثيراً. كان يشكل السلطة الحقيقية في مصر منذ ثورة عام 1952. ويعتبر العديد من الأشخاص أنّ القرار الأخير في من يخلف مبارك يعود للجيش. وقد يكون اللواء سليمان رئيساً محتملاً إلى أن يجد الجيش رجلاً مدنياً مناسباً لهذا المنصب.

وينبغي على أي زعيم جديد السعي فوراً إلى إيقاف الانهيار الحاد في تأثير مصر الإقليمي والذي بدأ يظهر عندما عقدت اتفاق سلام منفصل مع إسرائيل عام 1979 وراحت تعتمد على الإمدادات الأميركية. وقد اعتمد مبارك سياسة مصر أولاً وركّز على تنمية قطاع السياحة وعلى تعزيز أمن سيناء وعلى تفادي أي مواجهة مع إسرائيل وعلى إبعاد بلده عن المشاكل العربية الكبيرة. وقد ولى الزمن الذي كان بوسع مصر خلاله أن تقول بأنها تقود العالم العربي. وخير دليل على موقف مبارك القائم على الحماية الذاتية يتمثّل في دعمه الحصار الوحشي الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، الأمر الذي كلّف مصر انتقادات عربية.

يترتب على القيادة المصرية الجديدة أن تعيد فرض دورها لمواجهة التحديات الجديدة. فقد انتقلت القيادة الإقليمية إلى القوى غير العربية مثل إيران وتركيا. ويبدو أن إسرائيل التي يحكمها العقائديون اليمينيون المتشددون في مزاج حرب قد يتسبب بإغراق المنطقة في أتونها. كما يلوح الاضطراب حول قضية مياه نهر النيل حيث تطالب دول الحوض بالحصول على حصة أكبر من مياه هذا النهر الذي يُعتبر شريان الحياة في مصر.