خبر بعد هجوم نجاد .. روسيا تتراجع وتتودد لإيران

الساعة 08:41 م|27 مايو 2010

بعد هجوم نجاد .. روسيا تتراجع وتتودد لإيران

فلسطين اليوم- وكالات

بعد ساعات من قيام الرئيس الإيراني بشن هجوم غير مسبوق على موسكو وفي محاولة لتهدئة التوتر بين البلدين ، وصف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يوم الخميس الموافق 27 مايو / أيار انتقادات محمود أحمدي نجاد لروسيا بأنها "صادرة تحت تأثير الانفعالات".

 

وقال لافروف في مؤتمر صحفي عقده في موسكو : "إننا ننظر إلى هذه التصريحات على أنها شديدة الانفعال"، مشيرا إلى أنه فهم من الترجمة الروسية لكلام الرئيس الإيراني أنه ناشد روسيا أن تفعل شيئا ما تجاه الوضع القائم المحيط بموضوع البرنامج النووي الإيراني من دون أن تسير في ركاب الآخرين.

 

وأضاف وزير الخارجية الروسي أن روسيا لا تسير إلا في ركاب مصالحها القومية ، مشيرا إلى أن قرارات روسيا في مجال السياسة الخارجي عامة وبشأن البرنامج النووي الإيراني خاصة تستند إلى مصالحها العليا ومسئولياتها كلاعب دولي كبير.

 

وأكد أن تنفيذ اتفاق طهران بين البرازيل وتركيا وإيران حول تبادل اليورانيوم الإيراني المنخفض التخصيب "3.5 %" بوقود نووي مخصب بنسبة 20 % يتناسب مع مصلحة الحل السلمي للمشكلة النووية الإيرانية.

 

والنقطة الأخيرة تحديدا تشير إلى أن هناك تغيرا في الموقف الروسي بعد تصريحات نجاد ، فمعروف أن موسكو كانت علقت في وقت سابق على اتفاق طهران بالقول إنه لا يزيل كافة المخاوف الدولية تجاه نوايا إيران ، أما الآن ، فإن روسيا تنظر إليه على أنه يساعد بالحل السلمي لأزمة البرنامج النووي الإيراني وقد ينعكس هذا التغير بشكل أو بآخر على مشروع القرار الأمريكي في مجلس الأمن الدولي حول فرض عقوبات جديدة على إيران .

ويبدو أن التغير في الموقف الروسي لا يرجع فقط للهجوم الإيراني غير المسبوق الذي شنه نجاد ضد موسكو يوم الأربعاء الموافق 26 مايو / أيار وإنما هو تحذير ضمني لواشنطن عن عواقب خطوة نشر صواريخ باترويوت أمريكية في بولندا .

 

وكانت روسيا انتقدت في 26 مايو / أيار قيام واشنطن بعرض دفعة من بطاريات صواريخ باتريوت التي ستنشرها في بولندا بموجب اتفاق وقعته وارسو وواشنطن عام 2008 خلال ولاية الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ويقضي بإقامة قاعدة عسكرية أمريكية مؤقتة في الأراضي البولندية على أن تصبح دائمة بعد عام 2012 ويتم نصب أنظمة "باتريوت" الأمريكية للدفاع الجوي أولاً ولاحقاً صواريخ SM-3 لتدمير الصواريخ الباليستية لما تصفهم الولايات المتحدة بـ"أعداء محتملين".

 

واعتبرت موسكو أن كشف الولايات المتحدة عن أولى بطاريات صواريخ باتريوت التي سيتم نشرها في بولندا لا يساعد على الاستقرار في المنطقة ولا ينسجم مع جو الثقة الذي بدأ يسود علاقاتها مع واشنطن.

 

ونقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية عن مسئول في وزارة الخارجية الروسية لم يكشف اسمه القول إن نشر هذه الصواريخ سيؤثر سلبا على جو الثقة الذي يبدو أنه بدأ بين روسيا والولايات المتحدة وبين روسيا وحلف شمال الأطلسي الذي يضم بولندا في عضويته.

 

وأضاف المسئول الروسي " هذا الفعل لا يتناسب مع المستوى الحالي للعلاقات بيننا وبين واشنطن ولا يعزز الاستقرار في هذه المنطقة ، لقد أثرنا المسألة باستمرار مع الأمريكيين والبولنديين لكنهم لم يقدموا لنا أجوبة مقنعة".

 

وتابع " ليس مفهوما لماذا تم اختيار منطقة قريبة من الحدود الروسية لنشر هذه الصواريخ ، وهي منطقة -حسب علمنا- ليس فيها بنية تحتية عسكرية"، في إشارة إلى مدينة موراغ البولندية التي لا تبعد عن الحدود الروسية سوى 60 كلم.

واختتم قائلا :" إن هذا التحرك لن يساعد على تقوية الاستقرار والأمن في المنطقة بل سيساهم في تقويض الثقة".

 

وكان مسئولون أمريكيون وبولنديون عرضوا في 26 مايو أولى بطاريات صواريخ باتريوت في قاعدة جوية بمدينة موراغ شمالي بولندا بعدما وصلت إليها في 23 مايو ومعها فرقة من أكثر من مائة جندي أمريكي جاءوا من قاعدة أمريكية في ألمانيا لتدريب البولنديين على استخدام الصواريخ الجديدة.

 

وتنفي بولندا أن تشكل هذه الصواريخ التي يبلغ مداها أكثر من 100 كلم أي تهديد لروسيا أو غيرها من الدول وتؤكد أنها خطوة هامة ستعزز أمنها القومي وستطور التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة ، في حين تقول واشنطن إن هدفها اعتراض صواريخ طويلة المدى قد تنطلق من دول مثل إيران.

 

وفي المقابل ، ترى موسكو أن أمريكا تفعل ما يوحي بأن بولندا تحصن نفسها ضد روسيا وأن الأمريكيين فعلوا هذا لإرضاء السياسيين البولنديين الذين يريدون أن يرى العالم أن بلادهم خرجت عن سيطرة موسكو وأصبحت تحت حماية الولايات المتحدة.

 

كما أنه رغم إعلان إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن تجميد خطة الإدارة السابقة لنشر بعض عناصر نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي الجديد الذي أزعج موسكو في أراضي بولندا وجمهورية التشيك ، إلا أنها لم تتخل عن خطة إقامة قاعدة عسكرية في بولندا ووضع صواريخ "باتريوت" فيها وهو ما يهدد الأمن القومي الروسي .

 

تصريحات نارية

وبصفة عامة ، فإن التطور السابق جاء في صالح إيران ، خاصة وأنه تزامن مع تهديدات ضمنية أطلقها نجاد بتأثر علاقات الصداقة التاريخية بين موسكو وطهران .

 

وكان نجاد فاجأ الجميع في خطاب ألقاه يوم الأربعاء الموافق 26 مايو / أيار في مدينة كرمان جنوب إيران بشن هجوم حاد على روسيا نظرا لموافقتها على مشروع قرار أمريكي بفرض عقوبات جديدة على إيران .

 

واتهم نجاد نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف بالخضوع للضغط الأمريكي من أجل تأييد مشروع عقوبات جديدة ضد إيران في مجلس الأمن الدولي ، قائلا :" إنه يجلس قرب الذين كانوا أعداءنا قبل ثلاثين عاما ، نأمل أن يكون المسئولون الروس واعين وأن يقترحوا تعديلات وألا يتركوا الإيرانيين يضعونهم في المرتبة نفسها مع أعدائهم التاريخيين".

 

وأضاف " لو كنت مكان الرئيس الروسي عند اتخاذ القرارات بشأن أمة عظيمة كإيران لتصرفت بطريقة أكثر حرصا وأفكر أكثر قبل اتخاذ القرار" ، مشيرا إلى أن الشعب الإيراني لم يعد يعرف ما إذا كان الروس أصدقاء وجيران أم مع الطرف الآخر الذي يعاديهم منذ ثلاثين عاما ، في إشارة إلى الغرب والولايات المتحدة.

 

واعتبر الرئيس الإيراني الموقف الروسي غير مقبول على الإطلاق ، وطالب القيادة الروسية بأن تتخذ الخطوات اللازمة لتصحيح مسارها كي لا يضطر الإيرانيون لوضع روسيا في مصاف الأعداء التاريخيين.

 

كما دعا أحمدي نجاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما لقبول اتفاق التبادل النووي الذي وقعته إيران مع تركيا والبرازيل باعتباره فرصة تاريخية لن تتكرر لحل الأزمة القائمة بين الغرب والجمهورية الإسلامية.

 

وطالب نظيره الأمريكي بأن يتذكر جيدا بأنه إذا رفض هذه الفرصة فإن الإيرانيين وعلى الأرجح لن يقدموا له فرصة أخرى ، متهما بعض الأشخاص بالسعي لوضع أوباما في موقف معاد لإيران ودفعه إلى نقطة اللاعودة حيث يكون الطريق أمام صداقته لإيران مقفلا وللأبد.

 

وجاءت تصريحات نجاد السابقة بعد أن سلم دبلوماسيون إيرانيون يوم الاثنين الموافق 24 مايو / أيار للوكالة الدولية للطاقة الذرية رسالة تبليغ بالاتفاق الثلاثي الموقع في 17 أيار/ مايو في طهران حول تبادل اليورانيوم .

 

وينص الاتفاق على مبادلة 1200 كلج من اليورانيوم الإيراني القليل التخصيب (3,5%) في تركيا ، في مقابل 120 كلج من الوقود المخصب بنسبة 20% تقدمه القوى الكبرى لتشغيل مفاعل البحوث الإيرانية في طهران.

 

وعلى الرغم من العرض الإيراني إلا أن مجلس الأمن الدولي نظر في اليوم التالي في مشروع عقوبات ضد إيران قدمته الولايات المتحدة وفاجأت روسيا الجميع بتأييده وهو ما أثار غضب طهران بشدة .

 

وفسر الموقف الروسي حينها على أنه نتيجة لتقارب موسكو في الشهور الأخيرة مع واشنطن ، بالإضافة إلى غضب روسيا من رفض إيران اقتراح تخصيب اليورانيوم على أراضيها والذي كان سيعود على الاقتصاد الروسي بفوائد كبيرة .

 

ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2009، اقترحت الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا حلا آخر لتبادل اليورانيوم تجاهلته إيران كما رفضت القوى الكبرى اقتراحا مقابلا من إيران يقوم على تبادل اليورانيوم الضعيف التخصيب بوقود من فرنسا وروسيا في الوقت نفسه في إيران نفسها.

 

ورغم التوتر السابق ، إلا أن كثيرين رجحوا أن تلعب روسيا في النهاية المطاف ومن أجل الحفاظ على مصالحها التجارية الواسعة مع إيران دورا في تخفيف العقوبات في حال اقرارها أو إحباطها عبر تنازلات متبادلة بين إيران والغرب ولعل تصريحات لافروف تدعم الفرضية السابقة ، هذا بالإضافة إلى أن موقف بكين غير الحاسم من مشروع القرار الأمريكي قد يفسر لصالح إيران ، خاصة وأن الأخيرة تؤمن جزءا مهما من النفط الذي تستهلكه الصين .