خبر مؤتمر مناهضة التطبيع وأبله دستويفسكي../ عطا مناع*

الساعة 05:53 م|24 مايو 2010

مؤتمر مناهضة التطبيع وأبله دستويفسكي عطا مناع*

 

* كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في مخيم الدهيشة 

 

وجدتها.. بهذه الكلمة اختصر المفكر الإنجليزي إسحق نيوتن قانون الجاذبية عندما سقطت التفاحة على رأسه وقال: "وجدتها". ولم يكن اسحق نيوتن الإنجليزي الوحيد الذي سقطت على رأسه التفاحة ولكنة الوحيد الذي خرج إلى الناس صارخاً بأعلى صوته مبشراً باكتشافة الجديد... وجدتها.

 

ما ينطبق على نيوتن ينسحب على عشرات المفكرين الذين غيروا وجه التاريخ وكانت لهم بصمات أحدثت انقلابات في الفكر البشري، وكانت حجر الأساس في تحرر الشعوب من الفكر الظلامي الذي حدّ من تقدم المجتمعات وبالتحديد المستعبدة، حيث لعب الرواد الأوائل الذين ناهضوا ثقافة الاحتواء التي يمارسها القوي على الضعيف كمقدمة للسيطرة علية وتفريغه من مضمونة الثقافي والسيطرة على هوية الوطنية.

 

وفي خضم التفاعلات الوطنية التي تشهدها المجتمعات المستعبدة لا بد من ظهور"طفرات" تعكس انسلاخ شريحة قبلت لنفسها السقوط في شباك ثقافة لتصبح رأس حربة في خاصرة شعبها الذي يصارع للبقاء في وجه قوة الاحتلال. ويبرز السقوط جلياً في ما يسمى بالعالم الثالث الذي أنتج طبقة مشوهة ثقافياً تسبح عكس التيار رغم إدراكها للدور التطبيعي التدميري للثقافة والتاريخ والجغرافيا، وهذا ما يحدث في فلسطين.

 

في فلسطين اتخذت المدرسة التطبيعية شكل النبتة الشيطانية القادرة على التمدد وإحداث الخراب في كل منطقة تصل إليها، فهي لم تترك شريحة إلا واستهدفتها ولا مجالاً إلا واقتحمته. ورغم أن البدايات كانت خفافيش ظلام لا تنشط إلا في الظلام، إلا أن حالة الهبوط السياسي والتراجع الثقافي الوطني والتفكك الاجتماعي وغياب الهدف الواضح ساهمت في تشكيل منظومة تطبيعية لها هيكلية نشطت في سنوات أوسلو العجاف متسلحة بحالة السقوط التي غيّبت وعي الشعب وأفقدته البوصلة.

 

لقد تنبهت بعض النخب الفلسطينية لظاهرة التطبيع في فلسطين، غير أنها عجزت عن الفعل لأنها تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عن حالة الخراب، فالنبتة الشيطانية لم تأت بولادة قيصرية، ولم تهبط علينا من العالم الخارجي، لقد ولدت في الحالة ومن الحالة، وبقيت تتفاعل مع الحالة التي لم تحرك ساكناً لعجزها حيناً وتقاطعها مع الجسم الجديد أحيانا لتسقط في وهم العجز عن الفعل الميداني الذي ساهم في اكتمال الجسم الغريب في أحشاء القوى الفاعلة في مجتمعنا، وكانت الصدمة.

 

في مدينة رام الله بقاعة البروتستانت تداعت يوم أمس القوى الشعبية الفلسطينية من الأراضي المحتلة عام 1967 وفلسطين التاريخية والجولان السوري المحتل، وقررت أن تدق جدران الخزان، وكان واضحاً في المؤتمر الذي جاء تحت عنوان القوى الشعبية لمناهضة التطبيع حجم المشكلة، حيث الحضور النخبوي الذي اقتصر على كلمات ومداخلات غاية في الروعة، لكنه عجز عن التشخيص واتخاذ القرار بالذهاب إلى الجراحة لإحداث تغير في الصورة القائمة.

 

لا أرى أن حالة الصحوة لظاهرة الخطر التطبيعي في فلسطين تحتمل العصف الفكري وحديث الصالونات، فالنخبة الفلسطينية هضمت الظاهرة وأدركت مخاطرها، ولا يجوز لها الاختفاء وراء مؤتمرات لن تكون إلا ديكورا في حال الاكتفاء بهذا الشكل الجنيني من المناهضة للتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولا زالت الفرصة متاحة أمام الحلقة الصلبة من النخب المناهضة للتطبيع قائمة، ولكن عليها الإمساك بالحلقة المفقودة ألا وهي الحقيقة كل الحقيقة للشعب الفلسطيني، وبدون ذلك لن نخرج عن إطار نضال الصالونات العدمي.

 

وقد يتفق معي الأخوة المحترمون الذين شاركوا في المؤتمر الذي طوى ثلاثة ساعات من العصف الفكري على ضرورة التقدم خطوة للإمام بتشكيل لجان مناهضة التطبيع في كل مدينة وقرية ومخيم فلسطيني، وقد نتفق على أهمية إسقاط ورقة التوت عن الظاهرة الشيطانية وكشف ما تحتها، وبمعزل عن هذا الفعل نكون قد مارسنا اللذة الفكرية التي سرعان ما سيذهب مفعولها، وهذا ما لا يتوافق مع جديدة التعاطي مع الحالة مما يفرض على من يناهض التطبيع مع دولة الاحتلال الإجابة على السؤال الأساسي في القضية التي نحن يصددها.

 

إذا كانت المؤتمرات المناهضة للتطبيع بكل إيجابياتها لن توصلنا لغاياتنا.... فما العمل؟؟

هل آن الأوان لتشكيل أجسام فلسطينية شعبية مناهضة للتطبيع مع الاحتلال؟؟؟؟

لماذا لا يتم الإعلان عن القائمة السوداء؟؟؟

ألم يحن الوقت للفصائل الفلسطينية إعلان البراءة من المطبعين الذين يتخذون من تاريخهم السياسي مظلة لهم.

هل نستطيع إحداث حالة شعبية تحدث تراكمات تؤدي إلى مقاطعة مؤسسات التطبيع ورموزها؟؟؟

هل نحن عاجزون عن إعادة الحياة للثقافة الوطنية التي تعيد الاعتبار للهوية الوطنية الفلسطينية؟؟؟

ماذا عن القوى الشعبية العربية؟؟ هل ستجلس على الُمدرج وتراقب اللعبة؟؟؟

 

هي ليست رحلة مجردة للبحث عن القيم الكبر والمبادئ الأخلاقية للكاتب الروسي الكبير دستويفسكي في رواية الأروع الأبله، فالقيم لا تستقيم بمعزل عن الفعل، ومن غير المقبول أن تتقمص النخب الفلسطينية دور أبله دستويفسكي في مواجهتها للواقع الفلسطيني، فمن غير المقبول عليها اتخاذ الصالونات ملاذاً لها في مواجهة الواقع، فالخطر الوطني والطبقي والاستحقاقات التاريخية لن ترحمها، وخاصة في ظل انقسام المجتمع الفلسطينية إلى طبقتين، طبقة الولاء والطبقة الفقيرة، ومن يعتقد أن للطبقة الوسطى وجود في مجتمعنا فهو واهم، إنها الطبقة التي تغرد خارج السرب؟