خبر المشهد المقدسي في ذكرى النكبة ..بقلم: نواف الزرو

الساعة 05:49 م|24 مايو 2010

المشهد المقدسي في ذكرى النكبة  ..بقلم: نواف الزرو

بلا تهويل.. هناك نكبة تقترف في المدينة المقدسة، فأحوالها اليوم، بعد اثنين وستين عاماً على النكبة وثلاثة وأربعين عاماً على احتلالها عام 1967، لا تبعث على التفاؤل أبداً، بل إنها ربما لا تبقي لدينا شيئاً من التفاؤل، إذا لم يتحرك العرب بمنتهى الجدية والمسؤولية لإنقاذها.

 

أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى، يعلن أن «مدينة القدس تحظى بأولوية واهتمام بالغ في عمل الجامعة وتحركاتها على مختلف الصعد»، و«القدس في وجداننا، ولن نتركها لقمة سائغة في فم "إسرائيل"، ولن تترك أبداً مهما كانت الظروف».

 

غير أن التصريحات والتهديدات إن كانت بلا رصيد فعلي حقيقي، فهي إنما تعمق حالة اليأس والإحباط و«فك الارتباط» العربي عن القدس.

 

لن نترك القدس لقمة سائغة في فم "إسرائيل"، غير أن المعطيات والتطورات الدراماتيكية على أرض القدس، تشير إلى أن العرب فعلاً يتركونها لقمة سائغة في فم وحش الاحتلال.

 

فالمستوطنون الصهاينة يتحركون هناك بمناسبة ما يسمونه «يوم القدس»، أي يوم احتلالها عام 67، ويسيطرون ويسيرون المسيرات بأعلامهم في قلب شوارع القدس، ويجمعون على إبقائها «مدينة موحدة تحت السيادة الإسرائيلية إلى الأبد»، بل إنهم لا يتوقفون لحظة عن تحويل حلمهم وتصريحاتهم إلى واقع ملموس، ينسف مع الزمن أي احتمال لانسحابهم منها عبر المفاوضات المترنحة.

 

والمشهد المقدسي في «يوم القدس» لديهم يحكي لنا الكثير الكثير. فقد سارع العديد من قياداتهم السياسية والدينية، للتأكيد من جديد أن «القدس ستبقى موحدة، وأنها خارج إطار تجميد الاستيطان، وأن إجراءات هدم المنازل العربية غير المرخصة في شرقيها، ستبدأ خلال الأيام القليلة القادمة».

 

ففي كلمته في الذكرى ال43 لاحتلال القدس الشرقية، أعلن رئيس وزرائهم نتنياهو إصراره على مواصلة البناء الاستيطاني في الشطر العربي من المدينة المقدسة، زاعماً في خطاب ألقاه من على «تلة الذخائر» في حي الشيخ جراح التي شهدت معارك شرسة في يونيو 1967 قبيل احتلال القدس، أن «الروابط القائمة بين الشعب اليهودي والقدس أقوى من أي روابط تقيمها شعوب أخرى بهذه المدينة.

 

وقد صمدت على مدى آلاف السنين»، مستنداً إلى مزاعم مزيفة بشأن المدينة المقدسة ينسبها إلى التوراة، قائلاً: «إن القدس واسمها العبري البديل «صهيون» وردت 850 مرة في العهد القديم أو التوراة، أما بالنسبة لعدد المرات التي وردت فيها القدس في الكتب المقدسة للأديان الأخرى أوصيكم بأن تراجعوا هذا».

 

مضيفاً: «أن القدس ذكرت 142 مرة في العهد الجديد، ولم يرد في القرآن اسم واحد من بين 16 اسماً عربياً للقدس»، مؤكداً: «لن نتنازل عن البناء في القدس حشاشة قلبنا»...

 

أما وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، فقال «إن الحياة الطبيعية ستستمر في القدس مثلها مثل أي مدينة أخرى في إسرائيل». كما أكد رئيس بلدية القدس نير باركات أن «الحدود الإدارية للقدس غير قابلة للتفاوض، وأعمال البناء يجب أن تستمر في مجمل أنحاء المدينة، تحت سيادة إسرائيل».

 

واعتبر السماح «لحضور فلسطيني» في القدس بمثابة إدخال «حصان طروادة» إلى «قلب السيادة اليهودية»، وأن أكثر ما يسمح به للفلسطينيين في القدس هو افتتاح سفارة لهم!

 

ومن جانبه قال شمعون بيريز «إن المدينة تحمل راية الأفكار اليهودية السامية والخالدة»، وإنها «تعود رويداً رويداً إلى أيام عزّها التاريخية منذ هدم أسوار التقسيم، وهي تتطور وتنمو بصفة مدينة كبيرة ومتنوعة ومفعمة بالحياة». بينما يقول الوزير الليكودي الجنرال موشيه يعلون إن جميع الأحاديث عن تقسيم القدس هي «كالغبار المتطاير والحلم العابر».

 

أما رئيس الكنيست رؤوفن ريفلين، فيؤكد أنه «لن تكون هناك أي مفاوضات بشأن مدينة القدس، في أي مفاوضات قادمة بين سلطة «فتح» في الضفة الغربية والحكومة الإسرائيلية الحالية»، مضيفاً: «سيتعين على العالم في نهاية الأمر التسليم بأنه لن تكون هناك مفاوضات حول القدس»، معتبراً أن «كل من يضع القدس على طاولة المفاوضات؛ يطعن في حق "إسرائيل" في الوجود وفي قيمها»!

 

ومن التصريحات إلى التطبيقات على الأرض، فالأحداث والتطورات متسارعة على نحو تصعب متابعته ورصده، ولكن من أخطر عناوين المشهد المقدسي: «عبرنة أسماء أكثر من سبعة آلاف موقع فلسطيني في القدس/ الباحث هايل صندوقة».

 

و«هدم 24 ألف منزل مقدسي منذ 67»، و«سحب الإقامة من 4901 مقدسي خلال عامين..»، و«إسرائيل تغرق القدس ب218 كنيساً 70 منها داخل البلدة القديمة..»، إضافة إلى الكشف عن «مخطط لبناء حوالي 200 ألف وحدة سكنية يهودية في القدس الشرقية ومحيطها».

 

 تضاف إلى كل ذلك معطيات لا حصر لها، تتعلق بانتهاكات الاحتلال للاماكن المقدسة وحرية العبادة، وكذلك إجراءات تضييق الخناق على المقدسيين، اقتصادياً وتعليمياً واجتماعياً، بغية إجبارهم على الرحيل.

 

وهكذا، كما نتابع، فهناك إجماع أيديولوجي ديني وسياسي واستراتيجي، بين السياسيين والحاخامات اليهود، يضاف إليهم الأكاديميون والإعلاميون وغيرهم، على أن «القدس عاصمة إسرائيل إلى الأبد» وعلى أنه «لا بد من هدم الأقصى وبناء الهيكل مكانه»، الأمر الذي يترجم إلى تنظيمات تعمل، وإلى مخططات واستراتيجيات مبيتة تنفذ، كلها تهدف إلى تحقيق الحلم الصهيوني في القدس.

 

المدينة المقدسة تتعرض لأوسع وأخطر حملات المصادرات والتفريغ والتهويد، كما يتعرض الحرم القدسي الشريف، بأقصاه وقبته، إلى أشد التهديدات الحقيقية التي تنذر بمحوه عن وجه الأرض، إذا لم يتحرك العرب والمسلمون والمجتمع الدولي لإحباط مخططات وحملات الاحتلال التهويدية، التي قد تختطف القدس إلى الأبد.

 

كاتب فلسطيني