خبر مقاطعة الاستيطان سياسة جدية أم لعب في الوقت الضائع؟؟../ هاني المصري

الساعة 12:32 م|22 مايو 2010

مقاطعة الاستيطان سياسة جدية أم لعب في الوقت الضائع؟؟ هاني المصري 

تستحق الحملة الحكومية لمقاطعة المستوطنات الدعم والتأييد. فهي خطوة ضرورية ووطنية واقتصادية، وإشارة الى ان الفلسطينيين يمكن ان يتصرفوا مرة اخرى كشعب واحد حتى يتعامل معهم الآخرون كشعب.

 

إن مقاطعة السلطة للمستوطنات جاءت متأخرة، ولكن أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبداً.

كما أنها يمكن ان تكون بداية جديدة مختلفة نوعياً أو مجرد ردة فعل مؤقتة أو عشوائية او نوعاً من اللعب في الوقت الضائع.

 

في كل الاحوال حملة مقاطعة الاستيطان ستجمع في البداية ما بين المتناقضات المستحيل الجمع بينها مثل مقاطعة الاستيطان واتفاقية باريس الاقتصادية سيئة الصيت والسمعة، التي لم تطبق اسرائيل شيئاً يذكر من التزاماتها بها.

 

إن الفضل يجب أن ينسب لأهله. وهذا يقتضي توجيه التحية والتقدير أولاً وأساساً لابطال حملة مقاطعة الاستيطان (عملاً وتعاملاً وتجارة)، ولكل انواع المقاومة والمقاطعة الشعبية الذين واصلوا كفاحهم، قبل بلعين وبعدها، وتجسدت مقاومتهم في المقاطعة الاكاديمية والاقتصادية والقانونية الدولية، ومقاومة التطبيع، وملاحقة اسرائيل على احتلالها وجرائمها دولياً، وكلها مبادرات نفذها أفراد وجماعات محلية وشعبية، لأن القيادات المركزية والسلطة لم تقتنع بإمكانية الجمع بين السلطة والمقاومة الشعبية والمقاطعة، ولم تدرك أهمية المقاومة الشعبيية والمقاطعة، بل كانت تراهن ولا تزال تراهن، وإن بشكل أقل، على أن المفاوضات ولا شيء غير المفاوضات، يمكن أن يؤدي لانهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية.

 

إن عدم الوعي بأهمية المقاومة الشعبية بمختلف أشكالها، وإعطاء الأولوية والقداسة للمقاومة المسلحة على كل ما عداها من أشكال مقاومة، أدى الى وضع توقفت فيه المقاومة المسلحة رغم أنها حق وواجب لا جدال حوله، لأسباب كثيرة لا داعي للخوض فيها في هذا المقال، بدون أن يملك الشعب الفلسطيني أية ادوات للدفاع عن ارضه ووطنه ومقدساته.

 

إن فشل طريق المفاوضات ووقف المقاومة المسلحة أو تعليقها حتى إشعار آخر، هو الذي ادى الى نشوء الوعي بشكل متزايد بأن المفاوضات لا يمكن أن تحقق الحقوق الوطنية أو أنها وحدها لا يمكن أن تحققها، الأمر الذي فتح الباب لاعتماد المقاومة الشعبية بكل أشكالها، ومن ضمنها مقاطعة المستوطنات.

 

من الطبيعي أن لا يتم الانتقال من سياسة التعامل مع المستوطنات بما في ذلك المساهمة بالبناء فيها الى مقاطعتها بشكل كلي مرة واحدة وخلال وقت قصير. وانما سيحدث ذلك بشكل تدريجي ولكن ضمن وعي عميق ومخطط مدروس ومتصاعد، ولا يجب ان يتوقف ألا بوقف كل أشكال التعامل مع المستوطنات.

 

لا يمكن أيضا تجنب الوقوع بأخطاء، ولكن مع ضرورة السعي للاستفادة منها ضمن رؤية أننا في البداية سنمر بمرحلة تتداخل فيها المرحلتان (مرحلة التعامل مع الاستيطان مع مرحلة مقاطعته). أهمية المرحلة الجديدة أن تكون بداية لا تنتهي إلا بتحقيق أهدافها على اعتبار أن الفائدة الاقتصادية وأساسها العمل الفلسطيني في المستوطنات والاستيراد منها والتوريد لها يشكل 40% من أسباب وجود واستمرار هذه المستوطنات.

 

في هذا السياق، يمكن الاستفادة مما جاء في منتدى المنظمات غير الحكومة الفلسطينية الالكتروني (بنجوف) الذي خصص برنامج مواجهة مع الدكتور حسن ابو لبدة وزير الاقتصاد، ما وفر مادة غنية جداً من الأسئلة والأفكار والمواضيع التي يجب أن تؤخذ في الحسبان لإنجاح حملة مقاطعة المستوطنات.

 

أولاً : إن حملة مقاطعة الاستيطان جزء من المعركة الوطنية الكبرى لإنهاء الاحتلال وإنجاز الحرية والعودة والاستقلال، وبالتالي يجب أن تكون استراتيجية وليست تكتيكاً. فكما نلاحظ انها ظهرت بعد وقف المفاوضات ويمكن أن تغيب أو تتراجع كثيراً وتبقى رمزية اذا تم استئناف المفاوضات. اي انها يمكن أن تكون مجرد وسيلة ضغط لاستئناف المفاوضات وتحسين الشروط الفلسطينية، لذا يمكن أن تنتهي وتتراجع إذا تم تحول المحادثات التقريبية الى مفاوضات مباشرة.

 

وما يعزز هذا الاحتمال ان الحكومة و (المعارضة) الاسرائيلية بدأت تتضايق من حملة مقاطعة الاستيطان وشرعت بحملة ضدها تتضمن التهديد والترغيب. ويجب أخذ هذه الحملة على محمل الجد، وليس الاستخفاف بها، والنوم على وسادة من الأوهام، بأن العالم كله في هذه المعركة ضد الاستيطان معنا، وعلى أساس الاعتقاد بأن اسرائيل لا تستطيع ان تعمل بكل قواها ضدنا. هذا صحيح ولكن بشكل محدود لأن العالم، وخصوصاً الادارة الاميركية صاحبة التأثير الكبير يمكن أن "تنصح" الفلسطينيين بوقف الحملة او تخفيفها وتحويلها الى حملة رمزية أكثر ما هي معركة جدية استراتيجية حتى لا تؤدي الى انهيار المفاوضات.

 

فالمفاوضات تبقى هي الخيار الوحيد أو الاساسي على الاقل لدى أطراف اللجنة الرباعية الدولية، الذين لا يمكن أن يقبلوا ببساطة بانهيارها كرمال عيون الحملة الفلسطينية لمقاطعة الاستيطان.

 

إن المفاوضات والمقاومة وكل شيء يجب أن يخضع للمصلحة الوطنية والبرنامج الوطني، وإذا كانت إسرائيل تستطيع ان تجمع ما بين الاستيطان والعدوان والمفاوضات يستطيع الفلسطينيون ان يجمعوا ما بين المفاوضات والمقاومة أو أن يكتفوا بالمقاومة والمقاطعة اذا كانت المفاوضات، كما هي فعلا حتى الآن، مضيعة للوقت لأنها بدون مرجعية واضحة ملزمة ولم يسبقها وقف الاستعمار الاستيطاني.

 

ثانياً: لا يمكن أن تنتقل السلطة بشكل جذري من حالة التعاون والتعايش والشراكات السياسية والثقافية والشبابية والاقتصادية مع الاسرائيليين الى حالة المقاطعة بدون إعادة النظر بشكل جذري بنهجها وسياساتها واتفاقياتها حتى يقتنع الفلسطيني العادي، والأكثرية الصامتة، بأن ما تريده السلطة جدي وفي مصلحة الشعب والوطن وليس مجرد لعب بالوقت الضائع حتى تعود المفاوضات المباشرة.

 

حتى يحدث ذلك لا بد من أخذ الخطوات التالية:

 

- لا بمكن البدء بدعوة العمال في المستوطنات للانضمام الى جيش العاطلين عن العمل و تدبير شؤونهم بانفسهم، ما يشكل نوعاً من التهرب من المسؤولية على اساس ان العمل حق وواجب على السلطة كفالته وفقاً لقانون العمل الفلسطيني.

 

- يمكن التركيز في البداية أكثر على منع استيراد البضائع من المستوطنات وعدم توريد البضائع لها، ومطالبة رجال الاعمال الذين يقيمون مشاريع وينفذون مقاولات داخل المستوطنات بالتوقف فورا تحت طائلة المسؤولية القانونية، كما يجب محاسبة كل الفلسطينيين الذين يصدرون شهادات منشأ لبضائع اسرائيلية بعضها ينتج بالمستوطنات فورا بدون ابطاء وذلك بمحاكمتهم و وضعهم بالسجون.

 

- السعي الجاد لتوفير فرص عمل جديدة واعطاء الاولوية لتشغيل العاملين في المستوطنات وخصوصاً أن المقاطعة ستؤدي الى خلق آلاف فرص العمل الجديدة.

وهنا يمكن ان يساعد لحين توفر فرص العمل الجديدة انشاء صندوق البطالة.

 

- لابد ان تكون هناك خطة وطنية متكاملة للاقتصاد تقوم على اقامة اقتصاد صمود وتنمية ومؤسسات لخدمة هذا الصمود. فلا ينفع مقاطعة المستوطنات لوحدها في ظل استيراد بضائع اسرائيلية للسوق الفلسطينيية بالمليارات، بل لا بد من مقاطعة كل البضائع الاسرائيلية التي لها بديل محلي أو أجنبي. فلا يمكن الدعوة لمقاطعة شركات الجوال الاسرائيلية لأن هناك بديلاً محلياً لها، ولزوم الصمت بالنسبة لمنتجات الالبان رغم وجود بديل محلي لها.

 

- لا بد من اتخاذ الإجراءات الكفيلة لتحسين جودة المنتوج الفلسطيني حتى لا يكون الفلسطيني الذي يؤمن بالمقاطعة أمام بضائع فلسطينية رديئة أو مستوردة من الصين أو غيرها. فالمطلوب تشجيع الإنتاج الوطني وتحسينه باستمرار لا زيادة الاستيراد ووضع المستهلك الفلسطيني أمام سلعة رديئة تحت يافطة وطنية.

 

ثالثاً: لا يمكن إخضاع حملة مقاطعة الاستيطان الى حسابات الربح و الخسارة التجارية، بل لا بد محاكمتها استناداً الى حسابات الربح والخسارة الوطنية. فلا يمكن تأخير الحملة الى أن يتم توفير فرص عمل للعمال والعاملين في المستوطنات، أو لحين تحسين جودة البضائع الفلسطينية أو وقفها إذا نفذت إسرائيل تهديداتها أو إذا تم استئناف المفاوضات المباشرة. أو إذا ربطت اسرائيل بين إطلاق سراح الأسرى وإزالة الحواجز......الخ وبين وقف حملة المقاطعة للاستيطان.

 

إن جمع واستخدام أوراق القوة والضغط والمقاومة المثمرة استراتيجية يجب ان تبقى مستمرة حتى يتم دحر الاحتلال وإنجاز الحرية والعودة والاستقلال، ويجب العمل بشكل متواز في جميع الاتجاهات بنفس الوقت، وتحميل القطاعات الأقوى والغنية مسؤولية أكبر والتخفيف عن القطاعات الفقيرة وعن العمال خصوصاً العاطلين عن العمل.

 

وأخيراً حتى يأخذ الفلسطينيون بشكل جدي حملة المقاطعة للاستيطان، لأنها لن تنجح اذا لم تصبح حملة وطنية شعبية يشارك فيها الجميع، لا بد أن تبدأ من رأس الهرم، بحيث يقاطع القادة بطاقات VIP الصادرة من مستوطنة "بيت إيل"، كما جاء بحق في أحد الأسئلة الموجهة الى وزير الاقتصاد في برنامج مواجهة الذي استضافه "بنجوف".

 

فهل نطالب العامل بقطع رزقه ولا نطالب المسؤول بأن يسافر الى الخارج ويتحرك داخل الوطن بدون بطاقة الشخصيات الهامة مثل بقية أبناء شعبة حتى يشعر بوطأة الاحتلال، ويتحمس بالتالي اكثر للنضال من أجل التخلص من الاحتلال!!!