خبر ترجمة هآرتس : زعماء « إسرائيل » يجدون صعوبة باتخاذ قرار بقصف إيران

الساعة 08:16 م|21 مايو 2010

ترجمة حرفية.. هآرتس : زعماء "إسرائيل" يجدون صعوبة باتخاذ قرار بقصف إيران

بقلم: يوسي ميلمان

        الاتفاق الذي وقعته هذا الاسبوع ايران مع تركيا والبرازيل – على نقل قسم من اليورانيوم المخصب لديها الى خارج حدودها لفترة زمنية معينة – يقلص الاحتمال بأن تفرض عليها عقوبات أليمة بسبب تواصل تطوير برنامجها النووي. ولكن من المعقول الافتراض بان في نهاية المطاف سيظهر الاتفاق كمناورة ايرانية تسمح بمواصلة السعي الى السلاح النووي. هذا اضافة الى تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يجب ان يؤدي الى استنتاج واحد واضح: اسرائيل ستفعل كل ما في وسعها – بما في ذلك استخدام القوى العسكرية كي تمنع عن ايران تحقيق قنبلة نووية اولى. سطحيا، هذه هي السياسة الاسرائيلية المعلنة، ولكن فحصا للحقائق يبين صورة مغايرة جوهريا. اسرائيل ستجد صعوبة شديدة في تدمير البرنامج النووي الايراني او حتى لابطائه.

        صحيح، لمن ينصت الى تصريحات نتنياهو والى التداعيات التاريخية التي يستخدمها، لا يبقى شك: السلاح النووي بيد ايران سيكون تهديدا وجوديا واسرائيل لن تحتمله. اقوال بهذه الروح قالها في نيسان 2009 بعد وقت قصير من تسلمه رئاسة الوزراء، في الاحتفال المركزي في مؤسسة الكارثة والبطولة في يوم الكارثة: "لن نسمح لناكري الكارثة بتنفيذ كارثة ثانية للشعب اليهودي". وكرر ذلك في صيغة مشابهة في ذات الاحتفال بعد نحو سنة.

        هذه الفرضية تدعمها أيضا سابقات تاريخية. لمرتين دمر طيارو سلاح الجو منشآت نووية في دول عربية معادية، لمنعها من التسلح بسلاح نووي. في المرة الاولى حصل هذا في عيد الاسابيع قبل 29 سنة. في 7 حزيران 1981 هاجمت ثماني طائرات اف 16، ترافقها ثماني طائرات اف 15، مفاعل نووي اقامه العراق بمساعدة فرنسية قرب بغداد. وقد دمر المفاعل في غضون دقيقتين. كان هذا هجوما وقائيا كلاسيكيا، يرمي الى منع صدام حسين الطموح من انتاج سلاح نووي. كما كانت هذه هي المرة الاولى التي تدمر فيها دولة منشأة نووية لدولة اخرى.

        الزعيم الذي في صالحه ينبغي ان يعزى القرار الجريء بالهجوم كان رئيس الوزراء في حينه، مناحيم بيغن، الذي عمل ضد كل الاحتمالات: كان عليه ان يتغلب على معارضة الفكرة من جانب الوزراء، الجنراءات في هيئة الاركان وكبار المسؤولين في اسرة الاستخبارات ممن خشوا من رد فعل العالم العربي ومن التنديدات الدولية. رئيس المعارضة في حينه شمعون بيرس، الذي يرى نفسه أحد الآباء المؤسسين للنووي الاسرائيلي، بذل جهودا كبيرة لاحباط الخطة وحذر بيغن من انه بعد الهجوم ستجد اسرائيل نفسها منعزلة في العالم وكأنها في صحراء. يحركها احساس عميق، شبه ديني، احساس بالرسالة، لم يخف بيغن من أصوات المعارضين وأقر بحزم القرار في الحكومة. وكمن جسد تجربته الكارثة، لا مر ولا مرتين استخدم تعبير "ليس مرة أخرى ابدا": أبدا لن يقف مرة أخرى الشعب اليهودي أمام تهديد وجودي. تصريحات نتنياهو هي كالصدى لصيغ بيغن.

        في نظرة الى الوراء، بعد الهجوم في العراق، وصف محللون قرار رئيس وزراء اسرائيل وايمانه المتشدد بأنه "عقيدة بيغن"، وأعطوه معنى استراتيجي. وشرح المحللون بأنه من حيث الجوهر يقضي هذا المفهوم بأن اسرائيل – الذي يعتقد كل العالم بأن لديها سلاح نووي – لن تسمح ابدا لدولة اخرى في الشرق الاوسط ان تملك مثل هذا السلاح ، الذي سيهدد أمنها.

        ولكن لا يشارك الجميع في مفهوم أن عقيدة بيغن تمثل المخاوف الأكثر عمقا لاسرائيل من كارثة ثانية. كما أن هناك من يعتقد بأنها تبلورت لاعتبارات أخرى، ليس بينها وبين السياق التاريخي او نزعة البقاء شيء: ببساطة من أجل الحفاظ على احتكارها النووي.

        مهما يكن من أمر، فان عقيدة بيغن وقفت أمام اختبار آخر بعد نحو 26 سنة، في ايلول 2007، عندما دمر طيارو سلاح الجو بنجاح مفاعل نووي على ضفة نهر الفرات، استكملت سوريا بناؤه من مساعدة مالية من ايران وخبراء ومعلومات من كوريا الشمالية.

        هناك بعض الفوارق البارزة بين الهجومين. قبل الهجوم في العراق، لم تشرك اسرائيل دولا أخرى في نواياها – ولا حتى الولايات المتحدة التي كان يقودها رونالد ريغان احد الرؤساء الاكثر ودا لاسرائيل. وبعد الهجوم اعلنت حكومة اسرائيل بشكل رسمي بأن طياريها هم الذين نفذوا العملية. في الحالة السورية. كما زعم، حصل العكس تماما: اسرائيل، برئاسة رئيس الوزراء ايهود اولمرت وزير الدفاع ايهود باراك، اطلعوا الولايات المتحدة قبل بضع ساعات من العملية ولكن منذ العملية وحتى اليوم تبقي اسرائيل على الغموض ولم تأخذ المسؤولية عن الفعل على عاتقها.

        صورة اسرائيل في الساحة الدولية يصممها بقدر كبير هذان الهجومان الناجحان. فقد خلقا الانطباع بأن سلاح الجو على نحو خاص والجيش الاسرائيلي على نحو عام قادرين على أن يخرجا الى حيز التنفيذ بنجاح كل أمر من هذا النوع تتخذه الحكومة. ثمة غير قليل من السياسيين في اسرائيل وكذا قادة عسكريون اصبحوا أسرى هذه الاسطورة. ولكن عمليا، الواقع أكثر تعقيدا بكثير. في الوقت الذي يواصل فيه رئيس الوزراء الحديث علنا "ليس بعد اليوم أبدا" ووزير الدفاع يذكر بأن "كل الخيارات موضوعة على الطاولة"، ففي المحادثات خلف الكواليس تختلف لهجة اصحاب القرار في القيادة العسكرية والسياسية اختلافا تاما. وهم يفهمون المصاعب الاستراتيجية – العسكرية، السياسية والاقتصادية التي سيجلبها معه القرار بمهاجمة ايران.

        مفاعل واحد، مفاعلات كثيرة

        احد اوائل من عبروا عن هذا النهج الواعي هو العميد احتياط اسرائيل (رليك) شبير، الذي تبوء قبل بضع سنوات المنصب الثالث في اهميته في سلاح الجو وشارك في الهجوم على المفاعل في العراق. ومنه سمعت قبل نحو خمس سنوات الادعاء الأليم بأن سلاح الجو سيجد صعوبة في أن يعيد تمثيل نجاحه في العراق بنجاح في ايران.

        وقال في حينه شابير ان "الايرانيين استخلصوا الدروس من الهجوم على المفاعل النووي في العراق. في العراق كل البرنامج النووي تركز في المفاعل. ولكن بالمقابل نثر الايرانيون المنشآت النووية في أرجاء الدولة. بعضها توجد في القسم الشرقي. وقد حصنوا منشآتهم بحيث أنهم بنوها تحت الأرض او أقاموها في الخنادق المحصنة. وبكل الاستقامة والصدق، ليس لسلاح الجو قدرة استراتيجية حقيقية على قصف أهداف بعيدة لفترة زمنية طويلة في ظل استخدام قدرة التسلح اللازمة لذلك".

        استنادا الى بحوث أجريت في خارج  البلاد، معروف مكان معظم المنشآت التي ستكون أغلب الظن هدفا للهجوم. ستكون هناك حاجة الى تدمير المنشأة الكيماوية لتحويل اليورانيوم في أطراف مدينة اصفهان؛ المشروع لتخصيب اليورانيوم في نتناز؛ المنشأة لتخصيب اليورانيوم قرب قم؛ وربما مشروع آخر لتخصيب اليورانيوم لم ينكشف امام الجمهور. كما أنه كي ينجح الهجوم، سيتعين تدمير أهداف أخرى، عديدية ومتنوعة، حتى لو كانت معظمها معروفة لاجهزة الاستخبارات في اسرائيل وفي الغرب، واضح ان قوة عظمى ذات قدرة استراتيجية كالولايات المتحدة فقط يمكنها ان تهاجمها بنجاح.

        كما ان قائد سلاح الجو ورئيس الاركان السابق، دان حالوتس، كتب مؤخرا في كتابه "بمستوى العيون" يقول ان البرنامج النووي الايراني هو مشكلة عالمية، ووقوف اسرائيل في الجبهة لا يجدي في معالجة الموضوع. وحسب أقواله بسبب تعقيد المشكلة الايرانية، سيكون من الصحيح أن تعالجها دول أخرى.

        ولكن ليس فقط رجال السلاح الجو في السابق وفي الحاضر يدعون بأن الواقع صعب من ناحية اسرائيل. فالتعرف على طبيعة وسلوك معظم اعضاء القيادة السياسية والعسكرية في اسرائيل يؤدي ايضا الى الاستنتاج بأنهم يعرفون قيود القوة الاسرائيلية. نتنياهو يعتبر مترددا، خوافا وكمن يعلق في فزع وعليه سيجد صعوبة في أن يأمر الجيش في الانطلاق الى عملية. اما ايهود باراك ورئيس الاركان جابي اشكنازي، اللذان تحت قيادتهما هاجمت اسرائيل سوريا، فيعتبران زعيمين حذرين ومتزنين يعرفان الفوارق الجوهرية بين الهجوم على المفاعل السوري والهجوم على المنشآت الايرانية.

        وحتى وزير الخارجية افيغدور ليبرمان، رغم صورته كصقر مفترس، فقد أعرب قبل ثلاث سنوات عن موقف معتدل – وان كان واقعيا – بموجبه احتمالات الهجوم في ايران ضاعت عندما قرر الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الامتناع عن ذلك.

        ماذا سيقولون في واشنطن

        ولكن فوق كل شيء، فان الاعتبار المركزي لاسرائيل في كل قرار يرتبط بمواضيع الامن الوطني والمسائل الوجودية كان دوما موقف الولايات المتحدة. تقريبا طالما ترددت في مسائل الحرب والسلام، فكرت اسرائيل قبل كل شيء ما الذي ستقوله وتفعله واشنطن. فقد انطلقت اسرائيل الى حرب الايام الستة فقط بعد ان اتضح لها بان الولايات المتحدة لن تعارض ذلك. وامتنعت اسرائيل عن الخروج في هجوم مبكر في تشرين الاول 1973 ضد المصريين، حتى عندما كان واضحا لها بأن في غضون ساعات ستبدأ الحرب، فقط خشية ان تتهم الولايات المتحدة بالمسؤولية عن اندلاع المعركة. اسرائيل اجتاحت لبنان فقط بعد ان فهم وزير الدفاع اريئيل شارون من وزير الخارجية الامريكي اليكسندر هيغ بان ادارة بيغن ستسلم بذلك.

        من هنا ايضا الاستنتاج المعقول والمنطقي بان اسرائيل لن تخرج الى هجوم في ايران طالما تعارض ادارة اوباما ذلك بشدة. وكي لا يكون مجال لاخطاء، حرصت الادارة بأن يصل الى اسرائيل العديد من كبار مسؤوليها وان يوضحوا موقفهم بلغة لا تقبل التأويل. في النصف سنة الاخيرة زار الاخير نائب الرئيس جو بايدن، رئيس السي ايه ايه ليئون بانتا، رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ جون كيري ورئيس الاركان مايك مالن – كي يقولوا لزعمائها: "لا تفعلوا ذلك".

        الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي يخشيان من أن تحاول ايران الانتقام بالرد على قوات الولايات المتحدة والناتو في افغانستان وفي العراق. ويقول بروس ريدل، الباحث الكبير السابق في الـ سي اي ايه والمستشار الخاص للرئيس اوباما "انهم بالتأكيد قادرون على جعل حياة جنودنا هناك جحيما". مثل هذا الهجوم سيخلق عدم استقرار في الشرق الاوسط، سيزيد التأييد في العالم السني – الاسلامي لايراني الشيعية وسيعرض للخطر الانظمة المؤيدة للغرب في الاردن، في مصر، في السعودية، في العراق، في البحرين وفي باقي الامارات العربية. مثل هذا الهجوم سيؤدي ايضا الى ان تغلق ايران مضائق هرمز، التي عبرها تصدر من الخليج اكثر من ربع النفط العالمي. اغلاق ايراني كهذا، حتى لو اقتحمه في النهاية الاسطول الامريكي سيرفع اسعار النفط الى ذروة جديدة ويحدث اضطرابا اقتصاديا في العالم.

        ولكن هيا نفترض انه في مرحلة معينة، كمخرج أخير، غيرت الادارة الامريكية رأيها وصادقت في اسرائيل على مهاجمة ايران. فهل سيكون لزعماء اسرائيل الجسارة لأن يأمروا بانطلاق مثل هذا الهجوم؟ هناك عدة اعتبارات سيتعين على اسرائيل ان تأخذها بالحسبان. الاعتبار الاول هو الاستخبارات. في السنوات الاخيرة ازدادت كمية ونوعية المعلومات التي تصل الى الغرب عن البرنامج النووي الايراني: تم تجنيد المزيد من العملاء، تم تطوير أساليب جمع المعلومات التكنولوجية، ترتب فرار علماء وضباط كبار صبوا ضوءا على البرنامج وتعزز التعاون بين وكالات الاستخبارات، بما في ذلك استخدام مشترك للوكلاء.

        وبالتوازي، احبطت محاولات ايرانية، بما في ذلك من خلال شركات وهمية، لان تشتري في الغرب معدات تطوير البرنامج. في نهاية 2008 تبين من محاكمة تاجر الالكترونيات في طهران، علي اشتري انه اتهم بأنه عمل في خدمة الموساد وباع لايران معدات مخلولة في محاولة "لتسميم" البرنامج النووي. وقد أعدم اشتري.

        الصمت العربي

        ولكن في السطر الاخير، رغم النجاحات التي ينبغي أن نعزيها للموساد ورئيسها، مئير دغان، فان الاخير لم يف بالوعد الذي قطعه للحكومة عندما تسلم مهام منصبه قبل ثمان سنوات – احباط البرنامج النووي الايراني. فهذا يواصل  التقدم، وان كان ببطء، نحو هدفه. وعليه، واضح لكل من يشارك في عملية اتخاذ القرارات بأنه اذا كانت في نية اسرائيل احباط البرنامج النووي الايراني، فيتعين عليها ان تفعل ذلك من خلال هجوم من سلاح الجو، بالتداخل مع اطلاق صواريخ ارض ارض، حسب منشورات اجنبية تطلق من قواعد في اسرائيل وربما ايضا من ثلاث غواصات "دولفين" لسلاح البحرية.

        وحتى قبل فحص قدرة سلاح الجو على القيام بالمهمة – ويبدو ان هذه محدودة جدا، وبالتأكيد بالنسبة للولايات المتحدة – يثور السؤال أي مسار طيران سيتم اختياره. حسب بحوث نشرت في السنوات الاخيرة في الولايات المتحدة، هناك ثلاثة مسارات محتملة: الجنوبي والطويل، عبر السعودية؛ الوسط والقصير فوق الاردن والعراق؛ والشمالي في خط تماس الحدود السورية والتركية. لكل مسار يوجد فضائل ونواقص وجوانب يجب ان تؤخذ بالحسبان، تؤثر على كمية الذخيرة التي يمكن للطائرات ان تحملها (يتعلق الامر في الاختيار اذا كان الطيران سيكون على ارتفاع منخفض او أمن مرتفع)، على التزود بالوقود في الجو وبالاساس على الخطر في أن تنكشف وتطلق ضدها طائرات اعتراض معادية.

        مسألة اخرى هي عدد الطائرات التي يمكنها ان تشارك في الهجوم. حسب تلك البحوث، يمكن لاسرائيل ان تطلق حتى 120 طائرة هجومية وقتالية (بما في ذلك لمهمات المرافقة، الاعتراض والتزويد بالوقود)، ستجد صعوبة في تنفيذ اكثر من طلعة واحدة. واضح ان مثل هذا العدد من الطائرات يملي ايضا كمية الذخيرة التي ستحملها.

        واضح بما فيه الكفاية بأن مثل هذا الهجوم لن يتم الا من خلال ذخيرة تقليدية. كل ذي عقل يفهم بأنه اذا ما استخدمت اسرائيل في الهجوم السلاح النووي المعزى لها (خلافا لاستخدامه لاغراض الدفاع عن النفس)، فانها ستكف عن الوجود كدولة مقبولة بين أمم العالم، بل وحتى بين مؤيديها. وحتى لو كانت لطائرات سلاح الجو ذخيرة تقليدية نوعية، فهل سيكون فيها ما يكفي كي تتغلغل الى الخنادق التحت أرضية المحصنة؟  الولايات المتحدة ترفض ان تنقل الى اسرائيل القنابل الحديثة والذكية للغاية لديها، والتي تسمى "محطمة الخنادق"، لمساعدتها في تدمير الاهداف.

        وحتى لو دمرت الاهداف، فان على مخططي العملية ان يسألوا انفسهم كم من الوقت سيستغرق ايران اعادة بنائها. فهل من المجدي أخذ كل هذه المخاطر لارجاء البرنامج النووي الايراني لسنتين – ثلاث سنوات؟ ولم نذكر بعد الثمن الذي ستجبيه هذه العملية – طيارين وطائرات لن يعودوا من المهمة – وهي مسألة هي ايضا يجب ان تدرس لدى من هم مسؤولون عن البحث في الأداء التنفيذي.

        واعتبار آخر، بالاساس للقيادة السياسية. معظم الدول العربية قلقة بقدر لا يقل عن اسرائيل من امكانية ان تتسلح ايران بسلاح نووي. ولكن مصر، الاردن، السعودية واتحاد امارات الخليج لن تتجرأ على ان تؤيد علنا هجوما اسرائيليا على ايران، فما بالك ان تسمح لطائرات سلاح الجو بالتحليق في مجالها الجوي، حتى وان كان همسا وسرا تتمنى مثل هذا الهجوم. على اسرائيل ان تأخذ بالحسبان بأن هذه الانظمة، خشية من غضب الجماهير في دولها ستضطر ليس فقط الى شجب "العدوان الاسرائيلي" بل وان تتخذ ايضا خطوات عملية كقطع العلاقات الدبلوماسية معها.

        العيش في ظل المظلة

        ولكن لعل الاعتبار الاهم الذي يقف امامه اصحاب القرار في اسرائيل هو رد فعل ايران على الهجوم. ايران سترد، بل وسترد جدا. وهي ستطلق على الاقل بعضا من مائة صاروخ "شهاب" بحيازتها نحو اسرائيل. بعضها لن يصل الى اهدافها وبعضها سيعترض من منظومة "حيتس" ولكن بعضها سيضرب اهدافا في  اسرائيل. اضافة الى ذلك، ستستخدم ايران حزب الله، بآلاف صواريخه ومقذوفاته الصاروخية التي تغطي كل الاراضي الاسرائيلية. كما ينبغي الاخذ بالحسبان ايضا امكانية ان سورية، التي مخزونها من الصواريخ اكبر بما لا يقدر من مخزون حزب الله ستنضم هي ايضا الى المعركة. من غير المستبعد ان تدخل حماس ايضا الى العمل وتهرع الى مساعدة الايرانيين الذين يحسنون اليها ويرعونها.

        ايران "ستوقظ" شبكات الارهاب النائمة خاصتها في ارجاء العالم، كي تحاول ضرب أهداف اسرائيلية ويهودية. ومع ان كل الوسائل التي توجد تحت تصرف ايران لا تشكل تهديدا وجوديا على اسرائيل، مشكوك جدا ان تكون الجبهة الداخلية الاسرائيلية التي تظهر في السنوات الاخيرة عدم استعدادها لتقديم التضحيات والتي تحركها وسائل اعلام عطشى للفضائح – أن تكون قادرة على الصمود في مثل هذه المعركة، حتى لو كانت اضرارها محدودة.

        حيال المخاطر، انعدام اليقين، والمتغيرات الكثيرة جدا، فان الاستنتاج المعقول الذي يمكن استخلاصه هو ان زعماء اسرائيل سيجدون صعوبة باتخاذ قرار بقصف ايران. والمعنى هو ان اسرائيل سيتعين عليها ان تعيش في ظل المظلة النووية الايرانية بكل الاثار التي ستكون لذلك على مواطنيها، الذين قد يصل بعضهم الى الاستنتاج بأن ليس لهم ولابنائهم مستقبل هنا في مثل هذا الوضع وسيفضلون الهجرة. السلاح النووي في يد ايران سيشجع دولا عربية على تحقيقه لنفسها ايضا، وفي الشرق الاوسط سيبدأ عصر جديد من سباق التسلح النووي. مع مثل هذا الوضع ايضا سيتعين على القيادة الاسرائيلية ان تسلم.

        ولكن من جهة اخرى، ألا تستطيع القيادة الاسرائيلية حقا أن تتعايش مع مثل هذا الواقع الذي يكون فيه وجود دولة الشعب اليهودي خاضعا لرحمة زعيم ذي ميول مسيحانية يدعي المرة تلو الاخرى بأن ليس لاسرائيل الحق في الوجود وان عليها ان تشطب من الخريطة؟

        من كل ما قيل أعلاه، واضح ان معضلة "القصف او عدم القصف" التي تقف أمامها القيادة الاسرائيلية هي من أشد المعضلات قسوة في تاريخ اسرائيل. لا تقل قسوة عن قرار دافيد بن غوريون الاعلان في ايار 1948 عن اقامة الدولة.