خبر أزمة اليورو، أوروبا والتأثيرات في إسرائيل-نظرة عليا

الساعة 09:38 ص|20 مايو 2010

أزمة اليورو، أوروبا والتأثيرات في إسرائيل-نظرة عليا

بقلم: نداف كيدم

(المضمون: هل يتأثر الاقتصاد الاسرائيلي المعافى نسبيا بالأزمة في كتلة اليورو. لا يتوقع الكاتب ذلك في الأمد القصير لكن اذا استمرت الأزمة فقد تضر بالاقتصاد الاسرائيلي - المصدر).

        إن الأزمة المالية التي ألمت بأوروبا تثير أسئلة اقتصادية وسياسية للبحث، مثل تأثير الأزمة في الاتحاد الاوروبي عامة والعلاقات بين الدول في الاتحاد خاصة، وكذلك أيضا التأثيرات الممكنة في اسرائيل. ليس الاتحاد النقدي الاوروبي (EMU) ليس مشروعا اقتصاديا فحسب يرمي الى احراز نمو اقتصادي بل هو في الأساس مشروع سياسي يرمي الى تقديم وتعميق الاندماج الأوروبي ومكانة الاتحاد في الساحة الدولية. انضمت المانيا، وهي القوة الاقتصادية الرائدة في اوروبا، الى هذا المشروع منذ البدء لتقديرات سياسية تتعلق بتقديم وتعميق الاتحاد الأوروبي بعامة ومكانتها في داخله (على سبيل المثال يزعم كثيرون أن الموافقة على الاتحاد النقدي كانت هي النقد الذي دفعته المانيا عن موافقة الاتحاد بعامة وفرنسا بخاصة على توحيد المانيا)، وذلك برغم كلف اقتصادية محتملة كتلك التي تلجأ اليها المانيا اليوم. في واقع الأمر قد تحدد دولة قوية اقتصاديا تسلك في الأكثر سلوكا مسؤولا من جهة نقدية، أثمانا اقتصادية عندما تنضم الى اتحاد نقدي مع دول أضعف منها اقتصاديا لا تحافظ بالقدر نفسه على سياسية نقدية مسؤولة. تفقد المانيا استقلالها الذاتي في مجال السياسة النقدية، وقد تعاني تضخما وعدم يقين اقتصاديا كبيرا، بل انها قد تحتاج كما نرى الى مد يد المساعدة الاقتصادية الى دول أضعف منها اقتصاديا في الاتحاد النقدي. تتمتع دول مثل اليونان أو اسبانيا او البرتغال باستقرار اقتصادي (خطر التضخم ينخفض ويزداد اليقين الاقتصادي)، وتحظى في واقع الأمر بضمان اقتصادي من دول أقوى منها كما برهنت الأزمة الحالية. مع ذلك، الاتحاد النقدي هو وسيلة أيضا تثمر مكاسب سياسية للدول القوية. إن الاتحاد الاوروبي بعامة والاتحاد النقدية بخاصة يستعملان "مضاعف قوة" في الساحة الدولية للدول المركزية الأعضاء فيهما. يغري الاتحاد النقدي (زيادة على جملة من العناصر الأخرى) دولا كثيرة بأن تطمح الى الانضمام الى الاتحاد وأن تجري الاصلاحات الاقتصادية والسياسية المطلوبة لذلك. فيما يتعلق بالدول القوية، تعميق الاندماج الأوروبي أداة للتأثير السياسي والاقتصادي ومفتاح أيضا للاستقرار السياسي والاقتصادي بل الأمني في الاتحاد وحوله أيضا.

        يصعب أن نتخيل أي تغيير يتعلق بالاتحاد النقدي بغير طائفة من التأثيرات السياسية تتجاوز كثيرا عملة اليورو والأعضاء في كتلة اليورو وحدها. من المهم أن نذكر أنه لا يوجد أي امكان قانوني لاخراج عضو عن صفوف الاتحاد النقدي (ومن الاتحاد الأوروبي أيضا في واقع الأمر) ومن المحقق أنه لا يوجد أي نظام محدد لذلك. برغم سلسلة المطالب الرسمية (مقدار الدين بالنسبة للانتاج العام، ونسبة العجز الحكومي ونسبة التضخم) التي تشتد في عضوية الاتحاد النقدي، لا توجد أي وسيلة فعالة لفرض تنفيذ هذه المطالب. بل إن المانيا نفسها في واقع الأمر تتجاوز هذه المطالب. ستلقى كل محاولة لاخراج اليونان من الاتحاد النقدي معارضة دول كثيرة تخاف أن تكون هي الآتية بعد. والى ذلك ينبغي تخمين أن يؤثر اجراء كهذا في جملة مسارات الاندماج الأوروبي ويرجعها الى الوراء. مع ذلك من المنطقي بعد زوال الأزمة أن يجري جهد من دول أوروبا - ولا سيما المانيا -  لادخال تغييرات في صورة سلوك الاتحاد النقدي، ترمي الى منع أزمة أخرى. ومن المنطقي أن نفترض أن تتشدد تشددا كبيرا مع مرشحات جديدات للانضمام للاتحاد النقدي.

        برغم الأزمات في دول أخرى سوى اليونان مثل "البرتغال واسبانيا وايرلندا بل ايطاليا وبريطانيا، يبدو ان هذه الدول ما تزال في مرحلة تستطيع فيها خطوات اقتصادية حثيثة منع أزمة ورفعها في مسار يسهل عليها الوفاء بواجباتها. والى ذلك تجنيد قادة الاتحاد أنفسهم وصندوق النقد لتأييد عملة اليورو، كما عبر عن ذلك نهاية الاسبوع الاخير يضائلان جدا احتمال "اصابة" دول أخرى بالأزمة اليونانية.

        في مقابلة ذلك يوجد شك في قدرة اليونان على تنفيذ إصلاح اقتصادي جوهري وقضاء ديونها. إن مساعدة اليونان التي يتوقع أن يمنحها الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي هي في واقع الأمر قروض او ضمانات قروض تمكن من اعطاء اليونان اعتمادا رخيصا وذلك سيمكنها من اعادة جدولة ديونها وتأجيل مواعيد قضائها، الى أن يجري التعبير عن الخطوات الاقتصادية (مثل تقليصات كبيرة لميزانيتها، والأجور ومخصصات التقاعد ورفع سن التقاعد وغير ذلك) التي يفترض أن تخطوها. يوجد خوف كبير من أن يصعب على اليونان جدا تنفيذ هذه الاصلاحات، وحتى لو نجحت في تنفيذها بقدر ما فسيصعب عليها قضاء دينها. معنى ذلك أن رزمة المساعدة التي بذلت لليونان بعيدة من انهاء الأزمة. ان الظل اليوناني الواسع قد يظل يغشي على اليورو ويشجع المضاربين على المقامرة في مواجهته. قد يكون المخرج الممكن اخراج اليونان بالموافقة من الاتحاد النقدي عوض رزمة مساعدة اقتصادية. قد تكون الكلفة (بالمعنى الواسع) – على المانيا ودول أخرى – لاستمرار تأييد اليورو في حين تكون اليونان عضوا في الاتحاد النقدي أعلى كثيرا من تقديم رزمة مساعدة حقيقية (لا قروض رخيصة فحسب) لليونان لمرة واحدة.

        لا تؤثر الأزمة في هذه المرحلة في الاقتصاد الاسرائيلي تأثيرا جوهريا. مع ذلك حجم التجارة الخارجية من الانتاج الوطني الخام الاسرائيلي كبير كثيرا نسبيا. ان جزءا كبيرا من التصدير  الاسرائيلي يوجه الى اوروبا (حصيلة التصدير العامة الاسرائيلية في سنة 2009 وقفت على نحو 48 مليون دولار، منها نحو من 12.4 مليار دولار وجه الى دول الاتحاد الاوروبي). اقتصاد اليونان صغير جدا بالنسبة للكتلة كلها ولهذا فان تأثير الأزمة في اليونان المباشر في اسرائيل مهمل (وقف التصدير الاسرائيلي اليها على نحو من 300 مليون دولار في سنة 2009). مع ذلك قد يكون لسلسلة عوامل أخرى تأثير سلبي (ولا سيما اذا استمرت الأزمة زمنا طويلا) مثل: عدم اليقين في الاسواق (يضر بالنمو الاقتصادي وبمقدار الاستثمار)، وانخفاض قيمة اليورو يضائل جدوى التصدير الى كتلة اليورو ويزيد في جدوى الاستيراد (وهذا اضرار بالانتاج الاسرائيلي وبالميزان التجاري)، وعدم استقرار سعر الصرف، والنمو المنخفض وتأخر الخروج من الأزمة الاقتصادية في اوروبا (سيؤثر في مقدار التصدير الاسرائيلي) وخطوات التقشف المختلفة في أنحاء أوروبا للامتناع عن أزمة أخرى في دول أخرى ستضر بالنمو ايضا.

        وعلى ذلك فان استمرار الأزمة في اليونان بخاصة وفي أوروبا بعامة زمنا طويلا (قلنا ان هذا الوضع لا يقتضيه الواقع) قد يضر بالتصدير والانتاج الاسرائيليين. ان قدرة الاقتصاد الاسرائيلي على مواجهة التحدي في الأمد القصير محدودة. لا يوجد لاسرائيل أصلا أي تأثير فيما يجري في أوروبا مما يتعلق بالأزمة. الاتفاقات التجارية التي وقعت عليها اسرائيل ستصعب محاولة الحكومة التأثير الجوهري المباشر على نحو تبادر اليه في بنية التصدير الاسرائيلي أي محاولة توجيه مصدرين يصعب عليهم التصدير الى اوروبا، الى غايات أخرى مثل شرقي آسيا تعويضا من ذلك وأن تضائل بذلك تأثير الأزمة في اسرائيل. مع ذلك يستطيع بنك اسرائيل في الأمد القصير التدخل في التجارة، مثل تدخله في الاتجار بالدولار، من أجل دعم سعر اليورو، وذلك بشراء اليورو عوض الشواكل. هذا حل جزئي، لكنه حل تنباه بنك اسرائيل لمواجهة انخفاض قيمة الدولار. وفي أمد أبعد تستطيع دولة اسرائيل ان  تستمر على تقديم اتفاقات تجارة حرة، بقوة أكبر وكذلك تحسين اتفاقات قائمة مع دول كثيرة قدر المستطاع.

        من المهم أن نذكر أن الاقتصاد الاسرائيلي سليم نسبيا ويواجه الأزمة مواجهة أفضل من اقتصادات أكبر وأقوى منه. ان استمرار الأزمة سيحث المصدرين الاسرائيليين على دخول أسواق جديدة وتوزيع المخاطرة. سيوجب حجم المشكلة على القوى الاقتصادية في اوروبا والعالم مواجهة الأزمة بشدة كما بدأت تفعل، برغم الصعاب السياسية التي يشتمل عليها ذلك. ان الاتحاد النقدي بخاصة والاتحاد الاوروبي بعامة مشروعان أكبر وأهم من أن يمكنوهما من التضرر الكبير بأزمة في دولة مثل اليونان.