خبر الى الوراء دُر- يديعوت

الساعة 09:38 ص|20 مايو 2010

الى الوراء دُر- يديعوت

بقلم: الداد باك

(المضمون: النزعة الاسلامية لاردوغان وحزب "العدالة والتنمية" تعتبر ليس حركة رجعية، تتبنى العودة الى التقاليد الدينية التي أكل الدهر عليها وشرب، بل بانها الثورة التقدمية الثانية التي تمر على تركيا منذ انحلال الامبراطورية العثمانية - المصدر).

اسطنبول. على الضفة الاسيوية من مضيق البوسفور يقع متحف الفن الحديث في اسطنبول. المتحف، الفريد من نوعه في تركيا هو أحد بؤر الاهتمام الفني التي يقع فيها هذه الايام الحدث الفني المثير للانطباع في العاصمة الثقافية التركية، التي اختيرت هذا العام لان تكون ايضا عاصمة الثقافة الاوروبية.

قصة المتحف الرائع هذا، الذي يعرض طابقاه افضل اعمال الفنانين الاتراك المحدثين، يعكس قصة التطور الحزينة لهذه الدولة في العقد الاخير: ممثلو الحكم العلماني – الجمهوري، الذين قرروا اقامة المتحف، فعلوا كل شيء كي يعرقلوا اطلاقه خشية أن يمنح الانفتاح على الفن الراهن حرية التعبير لمنتقدي النظام الكمالي. وبالذات الحزب الاسلامي لطيب اردوغان هو الذي دفع نحو اكمال المشروع، الذي افتتح هذا العام بعد أن فاز لاول مرة في الانتخابات العامة. والان تكافح حكومة اردوغان من اجل اقامة قرية فنية كبرى في المطارح المهجورة حول المتحف الجديد.

هذه هي خلاصة مفارقة نجاح اردوغان: فعندما يعرض نفسه كمن يعمل على الانفتاح، والتقدم، والتسامح والديمقراطية – فانه يحقق الانجازات. وحتى في أوساط خصومه السياسيين الاكثر وضوحا يتفق غير قليل من الناس بانه تحت حكمه تمتعت تركيا بحرية تعبير لم يكن لها مثيل في انظمة الحكم العلمانية.

اما الواقع، بالطبع، فمغاير: اردوغان ورجاله يديرون حرب ابادة ذكية جدا ضد منتقديهم. طريقة العمل المستحبة عليهم هي الابتزاز. جبار الاعلام آيدين دوغان، من المعارضين الرئيسين لاردوغان اتهم بالتهرب من الضريبة، وعلى رأسه تسلط غرامة يمكن أن تضع حدا لامبراطوريته الاعلامية. دنيز بيكل، رئيس حزب المعارضة العلماني الرئيس، اضطر الى الاستقالة قبل بضعة ايام، في اعقاب نشر فيلم فيديو ظهر فيه في وضع حميم مع احدى مساعداته الشابات. واتهم بيكل حكومة اردوغان بتصوير الشريط ونشره.

ولا يزال، في ظل طرائق العمل الظلامية هذه، ينجح اردوغان ورجاله في خلق الانطباع العام بانهم الممثلون الجدد والاصيلون للتغيير الذي يتطلع اليه معظم الاتراك، في ضوء مله من الجهاز العلماني وجمود هذا الجهاز.

النزعة الاسلامية لاردوغان وحزب "العدالة والتنمية" تعتبر ليس حركة رجعية، تتبنى العودة الى التقاليد الدينية التي أكل الدهر عليها وشرب، بل بانها الثورة التقدمية الثانية التي تمر على تركيا منذ انحلال الامبراطورية العثمانية.

تحت علم التغيير، في ظل غياب بديل علماني هائج وحديث العهد، يسير اردوغان ببلاده رويدا رويدا الى الوراء.

المحكمة الدستورية، محكمة العدل العليا في تركيا، طولبت هذه الايام بالبحث في التماس المعارضة العلمانية ضد خطة الحكومة اجراء استفتاء شعبي على ادخال تغييرات على الدستور، بشكل يقلص صلاحيات الجهاز القضائي والجيش – وهما العامودان الفقاريان للحكم الذي اقامه أتاتورك، ويزيد تعلقهما بالحكومة وبالبرلمان، اللذين يسيطر عليهما الاسلاميون.

اردوغان، "بطل التغيير"، يدعي بان الاصلاحات الدستورية ستقرب تركيا من الانضمام الى الاتحاد الاوروبي. ومع ذلك، لا ريب أنه يستخدم هذا الحلم كي يدفع الى الامام ببرنامجه السياسي على حساب خصومه. اوروبا لا تعنيه حقا. والاستفتاء الشعبي سيجرى في 12 ايلول – تاريخ رمزي إذ بالضبط في هذا اليوم قبل عشرين سنة نفذ الجيش التركي انقلابا عسكريا.

في ضوء الثورة الاسلامية التي تمر هذه الايام على تركيا، لا يتبقى سوى الامل بان تعرف المعارضة العلمانية كيف تنتج نفسها من جديد، وتوحد صفوف كل القوى المعنية بتركيا حديثا. الاتراك جديرون بذلك.